وجه المشير خليفة حفتر كلمة عبر اللاسلكي من غرفة العمليات العسكرية أعلن فيها بدء عملية "الاجتياح المقدس" لتلك المنطقة، قائلا: "الآن تدق الساعة ليتوج لها في كل الآفاق معلنة انطلاق الاجتياح المقدس لتطهير الأرض واسترداد الحق، والتقدم الماحق لا يذر على الأرض من المعتدين ديارا، أيها الأبطال المتأهبون لنصرة الحق دفاعا عن الأرض والشرف، تنتظرون بشغف ساعة الصفر لتصاحبها تقدم على الذي جنى على نفسه، وألقى بها إلى الهلك، حينما بدأ بالغزو والعدوان، وتحالف مع الشيطان، وظن أن الأرض بلا فرسان".

وهنا الاشارة جائت واضحة فى كلمة حفتر للقائد السابق لما يسمى بحرس المنشآت النفطية المدعو ابراهيم الجضران، بعد قيام جماعته بالتحالف مع ميليشيا سرايا الدفاع عن بنغازي المنتمية فكريا لتنظيم القاعدة، ومرتزقة من تشاد للهجوم على منطقة الهلال النفطي أغنى مناطق ليبيا بالنفط، لتخفيف الضغط على الارهابيين بدرنة، مما أدى إلى وقف حوالي أكثر من نصف إنتاج النفط في ليبيا.

كما أجتمع القائد العام المشير خليفة حفتر بآمر غرفة عمليات الهلال النفطي العميد أحمد سالم وعدد من قادة الجيش، وذلك بعد أن أعطى الأوامر للانطلاق عملية "الاجتياح المقدس" لتطهير الهلال النفطي، كما ألقت قوات الجيش أول أمس الخميس القبض على عدد من مسلحي تشاد المتحالفين مع إبراهيم جضران، والمعروفين بـأسم الكلنجات، بعد محاصرتهم فى منطقة وادي كحيلة وقرية رأس لانوف السكنية، وتعد مجموعات الكلنجات أحد فصائل المعارضة التشادية المدعومة من قطر والنشطة فى مناطق جنوب الكفرة.

كما قامت قوات تابعة لمدينة بن وليد بأغلاق جميع الطرق والوديان المؤدية الى المدينة تحسباً لإنسحاب قوات جضران نحو المدينة بعد هزيمتها وإخراجها من الموانئ النفطية فى منطقة خليج سرت.

ولو نظرنا لمشهد الهجوم على الهلال النفطي، وبدأنا نحلل كافة تفاصيله، فسنجد أن المدعو ابراهيم الجضران ما هو الا أداة تستخدمها اطراف خارج ليبيا لتحقيق أهدافها، أي أرهابي تحت الطلب شأنه شأن هيثم التاجوري، والعمو، وغنيوة الككلي، وعبد الرؤوف كاره وغيرهم كثيرين.

فالجضران الذى ظل مختبئ من سبتمبر2016، وقت أن حرر الجيش المنشأت النفطية من يد عصابته وسلمها للمؤسسة الوطنية للنفط حينها، ونحن لم نسمع له حس ولا خبر، وفجاءة يعود بأكثر من بـ600 سيارة عسكرية مُصفّحة، وبتسليح ثقيل، وقدرات الكترونية للتشويش، بعد عملية تحشيد واسعة للعناصر الاجرامية والارهابية من ليبيا وتشاد، فهذا أمر يفوق قدرات أي ارهابي محلي بليبيا.

لذلك نقول أن لم يقتل الجضران اليوم فلن تنتهي جوالات الهجوم على الهلال النفطي، فمن وراء الجضران لن يتوقف عن تمويله.

كما يتأكد لنا كل يوم أن هناك رغبة دولية فى أن تكون القوات المسلحة العربية الليبية هى القوة العسكرية الوحيدة بليبيا، بعد أن أثبتت فى معارك عدة أنها الاقوى والاكثر تدريبا وحداثة ونظامية عن أي مكون عسكري أخر بالبلاد، وهو الامر الذى تجلى فى شكل الاستعراض العسكري الذى كان الاضخم فى تاريخ ليبيا، اثناء الاحتفال بالذكرى الرابعة لثورة الكرامة 7 مايو الماضي، فى ظل أصرار المشير حفتر وقتها رغم تغيبه لظروف صحيفة قبلها، بأن تخرج صورة الاحتفال بذكرى ثورة الكرامة بذلك الشكل المهيب.

كما كان لفشل حكومة الوفاق، وكل الاشخاص الذى دعمهم وزير الداخلية الايطالي ماركو مينيتي لوقف الهجرة القادمة من ليبيا لسواحل جنوب اوروبا، وفى مقدمتهم العمو وصبيانه بصبراته، فى ظل نجاح بنغازي فى فرض الامن بشرق ليبيا عامل كبير لكي تعيد دول كبرى نظرتها تجاه الجيش الوطني الليبي.

ويضاف اللى ذلك مجهودات مصر والامارات الدبلوماسية والاتصالات السياسية لاقناع أطراف اللعبة فى ليبيا بأهمية دور الجيش الوطني الليبي، وضرورة دعمه ورفع حظر السلاح عنه ليتمكن من القضاء على الارهاب بكافة ربوع البلاد، بالتزامن مع اقتناع الادارة الفرنسية وفى المقدمة صديق مصر وزير دفاعها الاسبق ووزير خارجيتها الحالي جان ايف لودريان بالرؤية المصرية، وهو ما جاء متماشيا مع رغبة الرئيس الفرنسي ايمانيول ماكرون مقارعة ايطاليا (قائد محور الشر بليبيا بصحبة تركيا وقطر) فى ليبيا، وهو السبب الرئيسي لجمع ماكرون كلا من حفتر والسراج بـ "سال سان كلود" بباريس يوليو الماضي.

ولا أخفي عليكم أرى نهاية المليشيات التى هاجمت الهلال النفطي وقطع رأس الافعى المسماه بـ ابراهيم الجضران قريبة، كذلك رأس صبيان بلحاج والغرياني وهاشم بشر وهيثم التاجوري والبقرة وباقي قطيع الارهاب أيضا.

وأن كانت كفة أدارة ترامب تميل لخليفة حفتر، بفعل تأثير القاهرة وأبوظبي عليه، وفى ظل رغبة ترامب من التخلص من كل نفايات اوباما الاخوانية (رجال أوباما الذين دعموا الاسلام السياسي بالمنطقة)، وهو الامر الذى قد يدفع بجماعة الاخوان فى ليبيا وربما بالمنطقة كلها الى الانتحار (أن سارت الامور كما تحضر الان)أن اا، وأن كانت فرنسا ومصر والامارات فى معادلة، وايطاليا وتركيا وقطر فى معادلة مضادة، فستظل بريطانيا وحدها فى معادلة مختلفة ومعضلة كبرى لليبيا.

فبريطانيا كانت أول الدول التى نهشت فى الجسد الليبي بعد مقتل القذافي، وحاولت مرات عديدة مع ادارة اوباما الانقضاض على اموال ليبيا ببنوك كيب تاون وبريتوريا (جنوب افريقيا)، واصولها المجمدة فى كل مكان بالعالم، وهي اليوم تدخل فى مناورة جديدة مع ليبيا بخصوص الاموال الليبية المجمدة فى لندن، بعد اعتزام مجلس العموم البريطانى على التصويت على قرار يقضى بالاستفادة من أرصدة ليبية مجمدة فى بريطانيا لتعويض ضحايا هجمات الجيش الأيرلندي، الذى يتهم نظام القذافي بدعمه فى ثمانينيات القرن الماضي.

ووقت ما أرسلت بريطانيا اشارة ايجابية تجاه الاموال المجمدة بليبيا، كان أول أمس عبر سفيرها بليبيا فرانك بيكر لنائب فايز السراج وطفل الاخوان المعجزة المدعو أحمد معيتيق، بعد أن أكد له بيكر بأن حكومة بلاده لم تتقدم بشيء في هذا الشأن وتم تأجيل مناقشة هذا الموضوع بمجلس العموم البريطاني إلى شهر أكتوبر القادم، موضحاً أن بعض أعضاء مجلس العموم الذين يمثلون شمال إيرلندا هم من يرغبوا فى طرح موضوع التعويضات داخل المجلس وليس بناء على طلب من الحكومة البريطانية.

وقد يكون الوقت الحالي هو الافضل لروسيا للوقوف على الملف الليبي عبر فريق "فرنسا، مصر، الامارات"، فى ظل سعيها مع فرنسا داخل مجلس الأمن لوضع أسم ابراهيم جضران واسماعيل الصلابي على لائحة لجنة العقوبات الدولية، مستغلة روسيا بأنها رئيسة مجلس الامن لهذا الشهر، بالتزامن مع ذوبان الجليد بين باريس وموسكو بفعل قرارات ترامب التجارية ضد اوروبا، وفى ظل كم اتفاقات الشراكة والتفاهم بين روسيا والامارات، وفى ظل اطار التعاون مع مصر وهو ما كلل بتوقيع اتفاقية تبادل الاجواء بين وزراتي دفاع البلدين نوفمبر الماضي.

أخيرا وليس أخرا حان وقت تحرير المصرف المركزي بعد أن تم تحرير الموانئ النفطية، وحان وقت تحرير سرت بعد تحرير درنة.

الباحث والمحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط

[email protected]

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة