انطلاقا من القاعدة المنطقية التي تقول أن "الحكم على الشيء جزءٌ من تصوره"، نفهم أن معالجة مشكلة من المشاكل هو جزء من تشخيصها، وكل تشخيص خطأ يؤدي إلى علاج خطأ، وبالتالي فإن معالجة وضع سياسي مختل يقتضي بالضرورة تشخيصا سليما. في العالم الناطق باللسان العربي ولا سيما المنطقة المغاربية نلاحظ أن الحلول غالبا ما تساهم في تعقيد الوضع.

والجزائر من البلدان المغاربية التي لم تتلمس طريقها بعد للخروج من مأزقها السياسي منذ أن قررت مصيرها باستقلالها عن فرنسا، ولعل ما حدث منذ حوالي عامين، منذ الحراك الشعبي، يؤكد هذا التخبط. ويجد الرأي العمومي نفسه في حيرة أمام قرارات غير مفهومة، فجهاز العدالة الذي حكم على شخصيات سياسية وعسكرية هو نفسه يبرؤها، في حين أن سجناء الرأي مازالوا يقبعون في السجون.

الوضع متأزم على جميع المستويات ويحتاج إلى تشخيص عميق. ولأن الجزائر ليست جزيرة معزولة عن العالم فإن القوى االأممية والإقليمية ليست في موقع المتفرج حتما، بل تعمل بشكل من الأشكال على وضع سيناريوهات تهدف إلى إعادة "مودلة" الوضع وفق رؤيتها دون تجاهل الرؤية الجزائرية التي تحاول إصلاح الدولة على أسس جديدة.

لكن كيف؟ الأمر يبدو صعبا في غياب إدراك كل الجهات للحالة المتأزمة. في الحالات التي يستعصي فيها الحل بسبب غياب هذا الإدراك، أو بسبب اختلاله، تعرضت بلدان عديدة إلى خراب ممنهج. يمكن فهم ذلك في ضوء نظرية الكاوس (الفوضى الخلاقة) وهي نظرية سياسية ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين تهدف إلى تدمير الأوضاع المعقدة من أجل إعادة بنائها على أسس جديدة. هناك نظرية أخرى في المجال السيكولوجي تزامن ظهورها مع نظرية الكاوس، وهي نظرية العلاج بتعطيل النمط (Thérapie de désactivation de mode)، وهي مقاربة للعلاج النفسي، تعالج المشاعر المختلة والسلوكيات غير القادرة على التكيف والعمليات والمحتويات المعرفية من خلال عدد من الإجراءات المنهجية الواضحة الموجهة نحو الهدف، خاصة علاج الوسط السكاني الذي يعاني من مشاكل نفسية معقدة.

النسق السياسي الجزائري، في نظري، يتوفر على قابلية التغير، وقد عاش حالات من التغير منذ 1962، وأسطع مثال على قابليته للتغير هو خروجه من الأحادية إلى التعددية مع نهاية الحرب الباردة، لكن تغيره كان دائما من داخله ووفق الشروط المتاحة في الوسط السياسي بكل مرجعياته الأيديولوجية غير أن هذا الوسط السياسي لا يتوفر على طبقة سياسية بالمعنى الحديث وغياب هذه الطبقة ناجم عن رداءة الوسط الفكري والأكاديمي الذي لم يضطلع بمهامه العلمية المنوطة به، بل ساهم بخطابه الرديء في تكريس نمط ثقافي ضحل معاد لمنطق التاريخ. الثقافة هنا بمعناها السوسيولوجي والأنثربولوجي والسياسي. وهذا النمط إن لم يخضع إلى إصلاح سيخضع تحت قوة الأشياء إلى "تعطيل" بالمعنى السيكولوجي وإلّا ....

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب  و لا تعبر عن سياسة البوابة