غابت مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الأمارات العربية المتحدة عن إحتفالات تونس بالمصادقة على الدستور ، وتأكد للمراقبين أن سياسات حكومة الترويكا ومواقف الرئيس المرزوقي وحزبه وحركة النهضة تسببت بالفعل في شرخ عميق للعلاقات التونسية مع عدد مهم من الدول العربية المؤثرة سياسيا وإقتصاديا وثقافيا .

فتونس في زمن إخوانها إتخذت موقفا سلبيا من ثورة الشعب ضد حكم المرشد والتي إدت الى هبة الجيش لمساندة الشارع في دعوته الى إستعادة وطنه من نزوات مرسي وعنجهية الجماعة المحظورة ومن المخططات التي كانت تعد في الخفاء للإطاحة بدور مصر القومي والإقليمي والدولي .

وإختارت  حركة النهضة أن تنجاز الى مرجعيتها الفكرية العقائدية ممنية النفس بإمكانية عودة الإخوان لحكم القاهرة ،وقال رئيس حركة النهضة أن عودة مرسي ستحقق كعودة تشافيز الى حكم فنزويلا بعد الإنقلاب عليه ، ناسيا أن مرسي ليس الزعيم البوليفاري الراحل هوغو تشافير ، وأن الشعب الذي أعاد شافير للحكم كان يرد على إنقلاب قاده العسكر ، في حين أن ما حدث في مصر كان ثورة شعبية أيدها الجيش .

وخرج أنصار الترويكا في تونس يرفعون شعار « رابعة » وينددون بالجيش المصري وبثورة الثلاثين من يونيو الماضي ، ومن أعلى منبر الأمم المتحدة تدخل المرزوقي في شأن المصريين الداخلي داعيا الى إطلاق سراح قيادات الجماعة الإرهابية المحظورة ، وكانت النتيجة أن إستدعت دولة الأمارات العربية المتحدة سفيرها في تونس ثم فعلت القاهرة الأمر ذاته

وقبل ذلك تناقلت وسائل الإعلام تصريحات لراشد الغنوشي في حفل تكريمه من قبل الإيباك بواشنطن ،قال فيها أن رياح ما يسمى بالربيع العربي ستهب على دول الخليج ،ورغم نفيه ذلك  ،إلا أن طرفا من داخل الإجتماع سرّب تسجيلا لتصريح الغنوشي زاد من غضب الخليجيين منه ، خصوصا وقد تم لاحقا الكشف عن خلايا إخوانية كانت تتآمر في الخفاء ضد دول الخليج بهدف الإطاحة بأنظمتها والإستيلاء على ثرواتها لفائدة المشروع الذي يقوده التنظيم العالمي للإخوان في إطار تحالفاته الإقليمية والدولية .

وخلال العام الماضي تربصت بعض وسائل الإعلام و،مواقع التواصل الإجتماعي التابعة لحركة النهضة بالعلاقات التونسية الإماراتية وروجت لأخبار زائفة حول وجود دعم أماراتي للحراك الشعبي ضد الترويكا لتوحي لأنصارها بوجود خطة أماراتية سعودية للإطاحة بالنهضة على غرار الإطاحة بحكم الإخوان في مصر .

وزاد تحالف الترويكا مع قطر وتركيا في توتر علاقات تونس مع دول عربية أخرى خصوصا في ظل موقف الدوحة وأنقرة الداعم لتنظيم الإخوان ماليا وسياسيا وإعلاميا ،حيث تحولت تونس الى صدى للقرارات التي تصدر  عن التنظيم العالمي للإخوان وظلا لمشاريعه المدعومة تركيّا وقطريا .

ولضمان نجاح الإحتفال بالمصادقة على الدستور ، كان لابد من الترويج لخبر زيارة هولاند بهدف بعث رسالة مشفرة للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية وذات التبعية الراسخة لباريس فكان حضور رؤساء دول مثل تشاد وغانا والغابون وتشاد والسنغال ،بينما غابت الدول الناطقة بلغات أخرى وخاصة الإنجليزية ومنها دول كبرى مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا وكينيا وتنزانيا مثلا ، وكان الحضور المغاربي عاديا نظرا للعلاقات التقليدية ، وللتوزانات المطروحة في الإقليم وخاصة بين الجزائر والمغرب ، أما الحضور الأوروبي فكان متواضعا بإستثناء الفرنسي منه والذي أراد توجيه رسالة لواشنطن بأن تونس لن تخرج من الفلك الفرنسي خصوصا بعد خروج حركة النهضة المحسوبة على المشروع الأمريكي من الحكومة .

وجاءت إيران لتبحث لها عن موقع قدم في تونس بعد تراجع مشروعها في مصر بسقوط الإخوان وطردها من ليبيا من قبل القوى السلفية المهيمنة على القرار السياسي ، وتورطها في الملف اليمني وكذلك في الواقع الميداني على التراب السوري.

وسيكون على حكومة مهدي جمعة أن يعمل كثيرا لإعادة العلاقات التونسية مع الدول العربية الى سابق هدوئها وعقلانيتها ، حيث أن المطلوب حاليا هو كبح جماح الخطاب « الثوري » الذي ينتهجه المرزوقي المدعوم من قبل الإخوان ، وكذلك التفكير الجدي من قبل حركة النهضة في أن مصلحتها تكمن أولا وأخيرا في أن تكون تونسية وأن تقطع مع المشروع الخارجي الذي فقد بريقه بعد إنكشاف حقيقته وتراجع طموحاته في فرض أجندته بالمنطقة العربية.

وبذلك تخدم مصلحة تونس وتعيد لها وضعها الطبيعي بين شقيقاتها العربيات