عبد الستار العايدي

فيما إعتبرها الاتحاد العام التونسي للشغل على لسان الناطق الرسمي سامي الطاهري "إغتيالا للأحزاب" ومن الممكن أن يتم خنق دور المنظمات الفاعلة في المستقبل بعد، وما كشف عنه نجيب الشابي أحد مؤسسي " جبهة الخلاص الوطني" بأن قيس سعيّد بعد إعلانه عن تكليف لجنة لصياغة مبادئ وأسس "الجمهورية الجديدة" يستعدّ لحلّ الأحزاب وإعتقال قياداتها ووضع البعض من الشخصيات السياسية تحت الإقامة الجبرية وغيرها من الأساليب القمعية، يؤكد سعيّد من جانبه أن مقولة الاستبداد التام بالسلطة وجهة نظر خاطئة وأن بعض الأطراف السياسية تسعى إلى إتباع سياسة الأرض المحروقة لمنع إندثارهم من المشهد السياسي العام، ردّ على الخصوم السياسيين كان مرفقا برسالة خفيّة وهي المقاربة الأمنية التي يعتبرها قيس سعيّد من الحلول الناجعة لرفع ثقل الضغط الداخلي والخارجي في توجهه نحو رسم مفهوم دولة جديدة.

سيناريوهات متعددة قد تفضي إليها أسس الجمهورية الجديدة التي تشرف على وضعها لجنة عليا تنقسم بدورها إلى لجنتين إحداهما للإصلاحات الدستورية والسياسية والثانية للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وستكون أعمال هذه اللجنة استشارية كما ستقوم بتقديم مقترحاتها بناء على نتائج الاستشارة الإلكترونية، الصورة الأولى تقودنا إلى القول بأن عناصر هذه اللجنة قد تم إختيارهم على أساس التقارب الفكري بينهم وبين قيس سعيّد رغم الإختلافات الجزئية التي كانت اللقاءات السبيل الوحيد لتجاوزها، صورة قد تزرع التشكيك في جدوى هذه الأسس لدى مكونات الطيف السياسي وخاصة المعارضين وعموم الشعب بعد عرضها على الاستفتاء يوم 25 جويلية القادم، وهذا التشكيك سيكون الأساس الأول لأهم سيناريو بعد الكشف عن مبادئ الجمهورية الجديدة وهو صورة الدولة بمشهد سياسي معتلّ دون معارضة وقراءات نقدية وتحكمه وجهة نظر واحدة إلى جانب وجود سلطتين تشريعية وقضائية تستقي كل منهما وجودها من الاصلاحات التي أقرتها اللجنة العليا الاستشارية، هذه اللجنة التي أشرف على تعيينها قيس سعيّد بصفة إنتقائية.

من الممكن القول أيضا ومن خلال قراءة إستباقية لتفاصيل الإصلاحات الدستورية والسياسية التي ستكون إما صك على بياض لصالح قيس سعيّد إستنادا لقراره الجازم بإقصاء معظم مكونات المشهد السياسي وقصر المشاركة على الأحزاب مساندي مسار التصحيح بعد 25 جويلية 2021 وهو طريق التفرّد بالسلطة او الديكتاتورية، سيناريو سيفضي حتما إلى كيان سياسي جديد لجمهورية جديدة دون إرتباطها بمنظومة أفكار الجمهوريات المتعارف عليها مما سيطرح تأسيسا مختلف لمفهوم الديمقراطية وحق الرأي والتعبير، أو ستكون هذه الإصلاحات مجرّد تحويرات بسيطة على المبادئ العامة لفصول الدستور لفسح المجال أمام قيس سعيّد لإنجاز ما أقرّه من إجراءات وإستحقاقات وهذا سيحيل الصورة الحالية إلى صورة جديدة مشوّهة لنظام سياسي مبادئه الإكتفاء بتقويم الأخطاء وليس هدمها من الأساس وإعادة بنائها، فإتباع نظام البناء القاعدي لشكل الانتخابات المقبلة، التشريعية خاصة، سيفرض على لجنة الإصلاحات صياغة مبادئ تتوافق ورؤية سعيّد وتحافظ شكلا على صورة الدستور القديم لإقناع أغلب الطيف السياسي وسحب أكثر ما يمكن إليها من الحزام الشعبي.

جمهورية جديدة دون تقارب فعلي مع المنظمات الفاعلة التي لازالت بين التردد والرفض القطعي لهذه الرؤية، جمهورية جديدة دون أحزاب ذات تأثير شعبي ، جمهورية جديدة لازالت فكرة تتراوح بين الحيرة والشك والتسليم بالامر الواقع لدى عموم الشعب الذي ينتظر ما ستسفر عنه التفاصيل الجديدة للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، هذه الإصلاحات التي ستكون هي الفصل الرئيسي في الاستفتاء الشعبي، فنجاح منظومة مبادئ النظام السياسي الجديد مرتهن لمدى نجاح إقتناع الشعب بجدوى الإصلاحات الاقتصادية وهي الأصل لمنع تفاقم الاحتجاجات الاجتماعية، هذه الاحتجاجات رجع صدى تصريحات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وكنه تصريح منظمة رجال الأعمال ونهاية ما أعلنته الرابطة التونسية لحقوق الانسان، فالاستفتاء الشعبي سيظل مجرّد حبر على ورق إذا لم يكن عمق أفكاره يطال عمق ما يعيشه الشعب التونسي اليوم مما سيطبق الخناق مجددا حول فكرة الجمهورية الجديدة، فسقوط الجمهوريتين الأولى والثانية كان سببه الرئيسي فشل النظام السياسي في بلورة إستراتيجية إقتصادية وإجتماعية ناجعة ولجوءه إلى الحلول الترقيعية، وهذا يدفع للقول بأن سيناريو فشل فكرة الجمهورية الجديدة أمر قائم مراعاة للوضع الاقتصادي الحالي للدولة التي لازالت تتبع السياسة الترقيعية.

سيناريو آخر قد يقود رؤية الجمهورية الجديدة للنجاح، وهو تغيير إرتباط المعطيات الجيوستراتيجية لتونس بمحيطها الديبلوماسي القديم، الصيغة التي تحكم عدد من الدول العربية وهي فكّ الارتباط مع بعض الدول الأجنبية التي فرضت ولازالت تفرض شروطا مجحفة كأحد الأسس لإستمرار الشراكة السياسية والإقتصادية، وهذا سيطرح أن يكون على الجمهورية الجديدة خلق شركاء سياسيين وإقتصاديين دوليين جدد وإجراء تحوير لعلاقاتها الإقليمية الاقتصادية خاصة مما سيعود عليها بفوائد قد تنقذها من حالة السقوط لضعف أسسها أمام الرأي العام الداخلي، وهنا سيكون المعطى الأمني أو العسكري هو أحد المحددات لفرض نجاح فكرة الجمهورية الجديدة خارجيا.

إيديولوجيا الرئيس قيس سعيّد، أفكار تطبخ داخل عقله، لا أحد يدرك نهاية واحدة ما ستسفر عنه كل المقاربات التي يلجأ إليها بين الحين والآخر، طوباوية الفكر وعقلانية فرض سياسة الأمر الواقع ستكون هي أصلا المكونات الأولى لفكرة الجمهورية الجديدة بمعنى أن الدولة عموما ستراوح بين التجربة والخطأ، هذه المقاربة التي لم تتخلص منها منذ عهد بورقيبة ونتائج ذلك معروفة للجميع.