كنا نستمع لخطب القذافي بداية الثمانينات, مليئة بالتحدي لأمريكا والغرب, ومبشرة ببناء القوة الاقتصادية "عبر البرنامج الثوري", ومنددة بالنظم الرجعية في الخليج ومصر وغيرها, تلك الخطب التي غالبا ما تبدأ باستعراض الترسانة الليبية من السلاح الروسي وتنتهي بالهتافات من قبيل "نصفيهم بالدم...سير ولا تهتم".

في ذات الوقت كانت المعارضة بالخارج تجد في بعض "الدول الرجعية" و أوربا و امريكا ملاذا امنا, تباشر فيه نشاطها ,وتبث منها الاذاعات الموجهة للشعب الليبي لتعبئته ضد " ممارسات النظام الجماهيري" من قمع وبطش واعدامات "احيانا في رمضان" , وملاحقات لهم في الدول الاخرى. ووصفه لهم ب"الكلاب الضالة" والتي لم يثنهم ذلك عن التعامل مع الاستخبارات الغربية وعقد مؤتمرها في لندن عام 2008 "لإزاحة النظام بالقوة" عن طريق "الجيش الوطني" والذي كان يتجهز في المعسكرات التابعة للسي أي أى بقيادة احد الضباط المعروفين في ذلك الوقت.

        دارت الايام وتغير نهج القذافي الاشتراكي الى " شبه رأسمالي" وفشل بناء القوة الاقتصادية حتى اصبحنا بلدا يعتمد اقتصاده بالكامل على ناقلة من النفط "كل يوم من ميناء". واصبح الطليان أصدقاء والغرب حلفاء في مواجهة "الارهاب" وتتالت زيارات "القائد" لدول الغرب, موزعا خلالها الصفقات والاتفاقيات, والتي لم تشفع له عام 2011  عندما هب ذات الغرب لقصف قواته في بنغازي من "أجل حماية المدنيين" ودعما للمعارضة, ونشرا "للديمقراطية".

       ذهبت ثورة سبتمبر وجاءت ثورة فبراير وعلى رأسها بعض من زبانية القذافي ووزرائه, اللذين انشقوا عنه" باعوه" في ساعة العسرة, وحنثوا بأيمان الولاء, ونقضوا وعود البيعة والنصرة, ليركبوا على ضحايا الثورة من الشباب, ويؤسسوا بوعودهم الكاذبة مواقع لهم في النظام الجديد ممارسين نفس الاساليب الفاسدة في الحكم والادارة مستعينين بزمرة من رموز المعارضة بالخارج من عسكريين ومدنيين.

وصلت "الكلاب الضالة" للحكم والادارة لتأخذ تلك المكاتب الواسعة, والكراسي الوثيرة التي كان يتربع عليها منظرو اللجان الثورية ومترأسي اللجان الشعبية, وللترك لهم مكان المعارضة من الخارج "موقع الكلاب الضالة", والحرب الاعلامية من الفضائيات الموجهة لتعبئة الشعب الليبي ضد ممارسات "نظام فبراير" من قمع وفوضى وفساد والتي تكاد تكون نفس ممارساتهم عندما كانوا في الحكم وإن كانت تختلف في بعض الاساليب والتكتيكات.

       اختلف رفقاء السلاح في "ثورة فبراير" بعد انتصارها وخانوا مبادئها المعلنة, وانكشفت المطامع الجهوية, بعد ان كانت "ليبيا وحدة وطنية", وظهرت للعلن المطامع الشخصية في حكم البلاد, والكفر "بالتعدد والتداول السلمي للسلطة", وانتشر الفساد, ونهبت اموال وممتلكات الدولة, ووجد مروجو الفتن, ومثيري الاحقاد فرصتهم. فبدأت الصراعات على المناصب والنفوذ تأخذ شكلا دمويا, وبعدا قبليا جهويا, وتم تغييب القانون وتأجيل الدستور لتنشق مجموعات كبيرة من فبراير وتطلق "ثورة الكرامة" مستعينة ببعض رموز سبتمبر والتي رضت بالعمل تحت بعض رموز فبراير "عملاء الناتو" لغرض ما في نفس يعقوب.

         اليوم "أل فبراير مع بعض أل سبتمبر" في الشرق والغرب يقومون بعمل "ثوري عظيم", ويسطرون تاريخا أسودا من القتل والدمار تحت مسمى " الجهاد" ضد المسلمين الاخرين في ليبيا, مستبيحين كل الوسائل, متنصلين من كل القيم الاسلامية والوطنية", متفاخرين على بعضهم البعض بالقتل والدمار, واستجلاب المرتزقة من كل حدب وصوب. عشرات الطائرات تم حرقها ومئات المباني والجسور والطرق تم تخريبها, فضلا عن تدمير مئات المركبات والطائرات والمعدات العسكرية التي تم جلبها من الطرفين على حساب اموال الشعب الليبي والذي يرفض اغلبه هذا العبث ولكن لا حول لهم ولا قوة.

        إن ثورات على هذه الشاكلة هي رمز للقتل والدمار, بدل ان تكون نهجا للبناء والاصلاح, وهي جالبة للعار باستجلابها للتدخل الخارجي, بدل ان تكون مثارا للفخر والزهو, وهي ادوات لزرع الاحقاد بين الليبيين, وتفريقا بينهم على اسس قبلية وجهوية مقيتة.

         ثوراتكم لا حاجة لنا بها, ارموا بها جميعا خلفكم, وما بقي هو أننا كلنا مسلمون, ليبيون, لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات, ولتسووا خلافاتكم على هدى من دين الله, فإن أبيتم فحسبنا الله الذي لا إله غيره, عليه توكلنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون. 

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة