ليس صحيحا أن حكومة الترويكا وحدها هي التي فشلت  في تونس ، وإنما الجميع معني بالفشل : النخب والأحزاب والمجلس التأسيسي والحكومة والشارع والإعلام ، وأول الفاشلين هو هذا العقل التونسي الذي يعاني من خلل حقيقي لابد من الإعتراف به 

أن الخطاب الشعبوي الذي مارسه السياسيون منذ ثلاثة أعوام لإستدرار عطف الشارع كان سببا رئيسا في ما وصلت إليه الدولة والمجتمع 

ومحاولة الجميع إقناع الجميع بأن  دولة تونس كانت قبل 14 يناير  2011  سارقة ومسروقة ،وفاسدة ، ومفسودة ، وجاهلة ، وكافرة ، ومستبدة ، يفرض أن نرى اليوم البديل الصالح ، الديمقراطي ، النقي ، المخلص ، المعطاء ، الأمين ، ويفرض أن تكون للبلاد ثروة لم تعد مسروقة ،وبالتالي يستطيع الشعب الإنتفاع بها 

في حين أن الواقع يؤكد أن الشرفاء والثقات وذوي المصداقية في الحكم الحالي ، يعترفون في جلساتهم الخاصة ، وبينهم وبين أنفسهم ، أن تونس كان لها رجال أكفاء يعملون صباح مساء ويكدون ويجدون ويسهرون الليل من أجل خدمة البلاد والعباد ، وأن تونس كانت بأولئك الرجال تواجه ظرورفها الإقتصادية الصعبة وضعف الإمكانيات 

لم تكن تونس دولة ثرية ومنهوبة كما حاول البعض إقناع بسطاء الشعب  بذلك في إطار عملية الشيطنة المعتمدة لكل ما سبق 

وإنما كانت دولة تعتمد على كفاءاتها الحقيقية في توفير ظروف ملائمة لجلب الإستثمارات ولإستثمار الإمكانيات البسيطة وللتواصل مع العالم والإرتباط بعلاقات ود ومجاملة وتعاون مع الأشقاء والأصدقاء ، طبعا دون أن نفي وجود فساد لا يزال قائما الى اليوم ولكن بإشكال قد تتنوع وتختلف ، وقد بلغ الأمر بالرئيس المرزوقي أن قال  في كلمته للشعب بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة أن الفساد بات اليوم مستشريا أكثر مما كان عليه سابقا 

و،هو لم  يخالف الحقيقة ولم يجانبها ، حيث يمكن أن نرى  جزءا مهما من التونسيين كان يعتقد أن الثورة تعني أن ينام ويستريح ، وينتظر المال من الدولة 

وكان يعتقد أن الدولة الفاسدة راحت وجاءت دولة الإيمان التي يكفيها أن تصلي صلاة الإستسقاء لتنزل عليها الثروة من السماء 

وكان يحسب أن لتونس ثروة بترول  وغاز كما لليبيا والخليج والجزائر ،ولكنها كانت منهوبة ، وحان الوقت ليتمتع بها الشعب على إيقاع الأغاني والمواويل 

وكان يتصور أن من كانوا يحكمون تونس لم يكونوا تونسيين وإنما كانوا مستوردين من وراء الصحراء أو من وراء البحر ، وأن حكام اليوم هم التونسيون الذين سيفتحون الخزائن  المرصودة  والموصودة ليعم الثراء على كل الجهات والفئات  في لمح البصر 

وجاء حكام يعتقدون أن لديهم إمكانيات لتغيير الوضع الداخلي والوضع الخارجي ، وحسبوا أن مشروع الإخوان سينتصر ، وأن ثروات المحيط والخليج ستصب في خدمة مشروع الجماعة ،وأن العالم سيأتي  إليهم  فرحا بالديمقراطية ، وأن بنوك العالم ستفتح لنا أبوابها لنأخذ منها ما نشاء 

ولكن المشروع الإخوان  تعثّ ر في تراب سوريا ،وأطاح به أحرار مصر . وتسبب التحالف المريب مع تلك الدولة المعروفة   في الإضرار بعلاقات مع الدول العربية الأخرى ، وتراجع الحماس الأوروبي لما كان يسمى بالربيع العربي ، وبدأت واشنطن في فرض خياراتها وشروطها ، وإنكسرت أحلام المواطنين في التنمية ، وإزداد الفقراء فقرا ، وإرتفعت الإسعار ، وطاح قدر الدينار ، وذبلت زهور الأمل الثوري ، وإنكشفت الحقيقة 

وبات واضحا أن الحكم ليس لعبة  ، والدولة ليست ملعبا  ، والثورة ليست شعارا ، والإنجازات لا تتحقق بالتمني ، والفشل ليس حكرا على الحكومة ، ولكن على من سار في ركابها ،وتبنى خياراتها  ، وهو فشل هذه النخبة التي رقصت للدماء بإسم الديمقراطية ، وظنت أن مسار التاريخ سيتغير من أجل عيون الواهمين بأن الشعارات يمكن أن تطعم الجياع خبزا ،وتكسو العاري جلابيب الإمارة.