عبد الستار العايدي

لا يزال مشروع الدستور التونسي الجديد رغم النجاح النسبي بالاستناد إلى قاعدة الناخبين يراوح مكانه على صفيح ساخن من الانتقادات وتوجيه شبهات التزوير لهيئة الانتخابات في فرز الأصوات ، خاصة وأنه قد تم إقرار تعيين أعضاءها من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيّد، كما أن فرح أغلب أطياف القاعدة الشعبية بإزاحة آخر تفاصيل المشهد السياسي وخاصة صور الحضور القوي لحركة النهضة أو الإسلام السياسي عموما اصبح مرتبط بما سيحدث بعد أن تمرّ هذه الصيغة من الدستور للتنفيذ وبصفة خاصة على مستوى الحلول الممكنة والسريعة لمعالجة الوضع الاقتصادي والمطالب الاجتماعية للناخبين وكافة أطياف الشعب الذي ساندوا مشروع قيس سعيد السياسي.

ترابط المعارضة من اليسار والديمقراطيين والإسلاميين حين رفضها المستمر للمشروع السياسي بكافة أشكاله، الدستور وشكل الاستفتاء، دستور تم تفصيله على مقاس رؤية قيس سعيّد واستفتاء لا يحتكم إلى نسبة الحد الأدنى من الناخبين وحتى ان تمّ رفضه فسيقع تمريره بناء على "تزوير المعطيات"، أطراف من المعارضة تعتبر أن قيس سعيّد قد نجح في ذرّ الرماد على عيون الشعب بتعويض تمثيلية ديمقراطية فاسدة بنظام سياسي إستبدادي وان نجاح هذه الصيغة من الدستور التي تمنح سعيّد سلطات واسعة ستمنحه أيضا فرصة للعمل بالمراسيم الرئاسية إلى حين إجراء انتخابات تشريعية رغم وجود دستور وسيكون المبرّر هو إستمرارية الأوضاع الاستثنائية، كما سارعت المعارضة إلى التأسيس على أن التشكيك في نزاهة الاستفتاء حول هذا الدستور سيكون له أثر سلبي على الاقتصاد الوطني وعلى صورة تونس في الداخل وخاصة في الخارج في علاقة بالمفاوضات الجارية بين تونس وصندوق النقد الدولي.

ما تعيشه الديبلوماسية التونسية من عثرات اليوم هي إحدى نقاط ملف المعارضة لقيس سعيّد الذي يجوب كل العواصم ومكاتب حكومات المجموعة الدولية، خاصة في ما يشمل مسائل التمثيلية الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير وإرتباطها بالمسألة الاقتصادية، من جهته فالاتحاد الأوروبي يعتبر أنّ نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور المقترح "ضعيفة" مؤكدا على  ان "توافقا واسعا بين مختلف القوى السياسية بما في ذلك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني يعد اساسيا لنجاح مسار يحافظ على المكاسب الديمقراطية" وأن هذه المكاسب ضرورية للإصلاحات السياسية والاقتصادية المهمّة التي ستجريها تونس كما أنّ شرعية هذه الإصلاحات وديمومتها مرتبطة بهذا التوافق، يوازي ذلك الموقف الامريكي الذي يؤكد على ضعف المشاركة في الاستفتاء ومؤيدا موقفه المتردد تجاه مسار قيس سعيّد السياسي بما أعلنته مجموعة واسعة من المجتمع المدني في تونس ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية التي أعربت عن مخاوفها العميقة بشأن الاستفتاء، موقفين متقاربين سيكون أثرهما واضحا في المستقبل القريب إرتباطا بمدى توافق قيس سعيّد وتماهيه معهما حتى لا تفقد تونس آخر كراسيها ضمن صفوف الباحثين عن قروض لإنعاش إقتصادات دولهم.

على الضفة المقابلة، يرى بعض المتابعين للشأن السياسي التونسي أن ما حدث خلال هذا الاستفتاء حول الدستور قد أثبت أن نفس الكتلة الانتخابية التي شاركت في الاستحقاقات الانتخابية السابقة خاصة 2014 و2019 ، سواء كانت انتخابات تشريعية أو رئاسية، هي نفس النسبة التي شاركت يوم 25 جويلية 2022 وأن عدد الناخبين في 2011 قد بلغ أربعة ملايين ولكن ثلاثة ملايين شخص فقط هم من وجدوا صدى لأصواتهم في مجلس نواب الشعب المنحلّ، وأن العزوف عن الانتخابات ليست مسألة مستجدّة وقد كانت انتخابات سنة 2019 أكبر دليل على غياب ما يفوق نصف عدد المسجلين والذين لهم حق الانتخاب، وبالنسبة الى نتائج الاستفتاء حول الدستور فنسبة الذين رجّحوا كفّة قيس سعيد في صعوده لقصر قرطاج تقارب نسبة الذين دفعوا إلى مرور هذه الصيغة من الدستور، كما يسارع البعض الآخر إلى تفنيد وجهة نظر قيادات حركة النهضة التي تقول بأن أنصار الحركة من الناخبين هم السبب في فوز قيس سعيّد بالانتخابات الرئاسية، هذا، فيما يبحث المساندون والأنصار عن السبل والآليات التي ستكون الأساس المتين إستعدادا للانتخابات التشريعية في شهر ديسمبر القادم وما سيسبق ذلك من جدل حول القانون الانتخابي والخلاف حول شكل الاقتراع، الإقتراع حول الاشخاص وليس حول القائمات، حيث الصراع على أشده بخصوص التأسيس لنظام البناء القاعدي من عدمه.

سقوط أو تآكل صورة من يمثّل العشرية السوداء حسب توصيف البعض، قبل 25 جويلية 2021 ، أمام سطوع نجم قيس سعيّد مجدّدا الذي قرب ان يأفل قد يكون هو نفسه المأزق الجديد الذي سيواجهه في المستقبل القريب خاصة وأن الدستور الجديد لم يتطرق بوضوح إلا للمسائل الحينية والتي ستضمن لرئيس جمهورية أو السلطة التنفيذية، إنتصاره في آخر معاركه مع السلطتين التشريعية والقضائية. بين انتصار قيس سعيّد أو فشله لازالت مباريات حاسمة، فالدستور ليس إلا مجرد هدف في مباراة من الدور الأول حول إثبات الأحقية في إدارة المشهد السياسي والدولة عموما ومدى جدارته حين يتعلق الأمر بنهاية عهدته الرئاسية الأولى سنة 2024 ، أشواط على تونس أن تقطعها دون توقف وإلا سنجد النهاية أشبه بالسنوات العشر العجاف أو أفظع مما سيطرح حينها صراعا جديدا حول الأنموذج الاصلح لهذه البلاد.