حميد زناز 

حاول إسلاميو جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة في بداية  ثورة الابتسامة في الجزائر تجنب الأخطاء القاتلة، التي ارتكبوها أثناء أحداث 5 أكتوبر 1988 لمّا عطلوا عبرها المسار الديمقراطي في الجزائر، حينما ديّنوا الانتفاضة وسيطروا على الشارع لأنهم كانوا القوة المنظمة العلنية الوحيدة. وذلك لأن السلطة منحت لهم المساجد والمدارس والجامعات ضربا لليسار، ودفعتهم للتصعيد إلى أن وجدوا أنفسهم في النهاية وجها لوجه معها في حرب مسلحة. ولم تكن تنتظر في الحقيقة سوى الاستفراد بهم لتجهز عليهم وعلى ما اضطرت للقيام به من انفتاح منذ 1989.  

ولئن تمكنوا من مغالطة الحراكيين في البداية بمقولة وجوب تجنب الصراع العقائدي، فمع سقوط العهدة الخامسة، التي كانت إهانة لكل الجزائريين على مختلف مشاربهم، كان لا بدّ أن يعود الناس إلى قناعاتهم الإديولوجية، إذ أصبحت المسألة سياسية خالصة ومن هنا كان من الحتمي إثارة طبيعة مشروع المجتمع المأمول. وسرعان ما تفطن المناضلون العلمانيون والجمعيات النسوية إلى وجود بقايا أنصار جبهة الإنقاذ المحظورة في المسيرات والاحتجاجات. بل شاهدوا على القنوات حتى بعض قيادات الحزب الممنوع تجتمع مع قيادات أحزاب سياسية شرعية! ولاحظوا أن نفس مساجد أحياء بلكور وباش جراح والقبة وباب الواد ومسجد الرحمة، التي كانت ولاتزال تحت تأثير الجبهة الإسلامية للإنقاذ، عادت إلى ما كانت عليه في التسعينيات كنقطة انطلاق للمسيرات.  

ومن هنا بدأ الديمقراطيون يدقون أجراس خطر الأصولية المتسترة. وفككوا شعار "دولة مدنية لا عسكرية"، الذي هو في النهاية عبارة عن تضليل لا يقصد به إقامة الدولة الديمقراطية، التي هي علمانية وجوبا. وإنما يقصدون الدولة الإسلامية، إذ لا معنى للدولة المدنية في واقع الأمر. وكل المسألة أنهم يريدون التضليل بمعارضة الدولة العسكرية بالدولة المدنية، في حين أن الدولة العسكرية يجب أن تعارض بالدولة الديمقراطية. فكلمة مدنية كلمة فضفاضة يخفي تحتها الإسلاميون مشروعا لدولة دينية لا تمت للعصر بصلة

مع مرور الجُمعات الاحتجاجية بات واضحا، للذي لا يعرف، أن هدف الإسلاميين ليس الديمقراطية وما يتبعها من حقوق الإنسان وحقوق المرأة خصوصا. بل هدفهم الأول هو تصفية حساباتهم القديمة مع جينرالات الجيش الجزائري، الذين وقفوا أمامهم، ولم يتركوا لهم فرصة تحقيق مآربهم في إقامة دولتهم الإسلامية في بداية التسعينيات وهزموهم عسكريا شر هزيمة.  

استيقظ الشارع الديمقراطي أيضا لما بدأ يرى شعارات ويسمع هتافات في المسيرات يقترحها إسلاميو حركة رشاد، والتي هي تسمية أخرى للجبهة الإسلامية، التي كان لها جيشها   المسمى بالجيش الإسلامي للإنقاذ، حيث ذبح من الجزائريين الآلاف مرتكبا هو وأخته الحركة الإسلامية المسلحة أبشع الجرائم في حق الإنسانية الجزائرية. شعارات "الله أكبر كذا الله أكبر كذا "   المرددة في المظاهرات هي "ماركة" المتطرفين المسجلة، إذ أعادت إلى الأذهان شعارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة الحالمة بفرض الدولة الدينية: "عليها نحيا وعليها نموت وعليها نلقى الله وعليها نجاهد"، و "دولة إسلامية بدون انتخابات". إن تلك الأوهام المدمرة، التي خلفت أكثر من 200 ألف قتيل خلال عشرية حمراء كاملة، باتت تهتف بها جهارا بعض الجماعات المحدودة العدد داخل المسيرات لجس نبض الحراكيين وقوات الأمن .

كل هذا تريد أن تمحوه من لندن قناة أوراس (المغاربية سابقا) المملوكة من طرف إبن مؤسس تلك الجبهة الراديكالية العنيفة، والذي يعمل هو وأمير قطر ممول القناة، على تبرئة جرائمها وإعادة المصداقية لبقاياها في الخارج ودعم المواصلين لنهجها في الداخل، الذين أصبحوا وجوها من وجوه الحراك في غفلة من الديمقراطيين والديمقراطيات، وهم الضيوف الدائمون في قناة أوراس الإنقاذية ممن يكشفون شيئا فشيئا  عن هويتهم الإسلاموية الحقيقية المنسجمة مع الشريعة.  

وهم، في الحقيقة، يمثلون النموذج للحضور الإسلاموي المدسوس في الحراك.

ولحسن الحظ انفجرت القنابل الإسلاموية المنصوبة وسط ثورة الابتسامة، وانكشف أمر الظلاميين. وبات شعار المرحلة في باريس بين المحتجين المهاجرين: لا دولة إسلامية ولا دولة عسكرية.  ومع الأسف، لم ينتقل هذا الشعار إلى الداخل. بل برزت شعارات عنيفة أخرى منفرة للديمقراطيين والعلمانيين كـــ: "مخابرات إرهابية" وغيرها. فانسحبوا وبقي الأصوليون وحدهم، تقريبا. وتحولت ثورة الابتسامة السلمية إلى حركة عبوس وأسلمة، وهذا ما كان يبحث عنه النظام، الذي بدأ يصدر أوامر بالقبض على أفراد في الخارج بتهمة الإرهاب على رأسهم محمد العربي زيطوط أحد مؤسسي رشاد وغيره

وهكذا ساهم النظام في أسلمة الحراك. ثم مواجهته في الشارع والقضاء على مظاهراته، بأن ظهر ليس كحراك يطالب بالديمقراطية، وإنما كحركة إسلامية إرهابية. ومن جهة أخرى، ألصق بالحراك تهمة الارتباط   بــ "الماك"،  حركة استقلال منطقة القبائل،  و عزله في تلك المنطقة