مصطفى حفيظ

لا يزال الغموض يكتنف مبادرة "لم الشمل" الذي أعلن عنها الرئيس الجزائري منذ أشهر، وبرغم صدور بيان للحكومة بشأن هذا الملف والمتضمن تحضيرها لمشروع تمهيدي يخص هذه المبادرة ذات الصلة بالمصالحة والوحدة الوطنية، إلا أن البيان لم يقدم تفاصيل أكثر عن مضامين هذه المشروع الذي سيعرض على البرلمان في دورته الخريفية المقبل، والمثير للاستفهام هنا هو هل ستكون المبادرة على شاكلة "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" الذي كان الرئيس الراحل بوتفليقة قد عرضه على الشعب الجزائري في سنة 2005 في استفتاء حدد مصير الإرهابيين الذين كانوا في الجبال في فترة العشرية السوداء. اليوم يُطرحُ السؤال التالي: هل ستشتمل مبادرة "لم الشمل" على بند يقضي بالعفو عن عناصر "الماك" و"رشاد" المتهمين بالإرهاب؟

قبل هذه المبادرة التي جاء بها الرئيس تبون كمشروع يهدف لتعزيز الوحدة الوطنية مثلما قال، كان الرئيس الأسبق بوتفليقة الذي حكم البلاد بين 1999 و2019، قد أعلن عن مشروع مشابه، وهو ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي استفتى فيه الشعب سنة 2005 بهدف انهاء ما عرف بالعشرية السوداء في الجزائر، أو ما كان الاعلام الغربي والعربي يسميها فترة الحرب الأهلية بعد وقف المسار الانتخابي في 1991 وحلّ حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو ما كان يعرف اختصارا باسم "الفيس"، وهو حزب إسلامي فاز بالدور الأول في الانتخابات التشريعية سنة 1991، ثم اتجه للعنف المسلح والتحق معظم أنصاره بالجبال، وكان يطلق عليهم بالإرهابيين، لذلك، كان هذا الميثاق بمثابة ورقة ضمان لهؤلاء لترك السلاح والاستفادة من تدابير السلم، وبالفعل تم عرض المشروع على الاستفتاء في 20 سبتمبر 2005، وحصل على موافقة الشعب بنسبة 97 بالمئة، وبدأت الحكومة في تطبيق اجراءاته بعد إصداره كقانون في 28 فبراير 2006، ومع أنّ الآلاف من الإرهابيين المنتمين لحزب (الفيس) اعلنوا توبتهم ونزلوا من الجبال، إلا أن أعمال العنف المسلح استمرت وتشكلت جماعات إرهابية مسلحة على أنقاض ما كان يعرف بـ "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، أي أن استجابة المسلحين لم تكن كاملة، بحيث رفض الآلاف هذا الميثاق واستمروا في أعمالهم الإرهابية حتى تم القضاء على معظمهم بين سنوات 2007 و2012، ثم انضمت بقايا الجماعات إلى تنظيم القاعدة العالمي وتسمى باسم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ليتجه إلى صحراء الساحل على الحدود بين مالي والنيجر بعد تضييق الجيش الجزائري الخناق عليه. إذن، برغم التغيرات التي طرأت على هذه الجماعات التي كانت نواتها الأولى الجبهة الإسلامية للإنقاذ، إلا أن القانون بقيّ فعالا واستفاد منه العديد من المسلحين، واليوم، بعد سنوات على صدوره، هل تبقى من القانون شيئا يمكن تفعيله من جديد؟ أم أن السلطة تريد من مبادرة لم الشمل، التي تحدث عنها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون منذ أشهر، أن تكون بديلا عن الميثاق السابق لتعزيز روابط الوحدة الوطنية؟ أي، هل هي مشروع آخر للعفو عن الإرهابيين الذي تورطوا بشكل أو بآخر في اختراق الحراك الشعبي وتحويل مساره الذي آمن به الشعب في غالبيته، إلى حراك يهدف إلى اسقاط النظام بنفس طريقة "الفيس"؟ بحكم أن عناصر ما يسمى بحركة "رشاد" وحركة "الماك" قد تم تصنيفهم على أنهم ارهابيون خططوا بنشر الفتنة بين الجزائريين ومحاولة ضرب استقرار البلاد؟

بحسب ما صرحت به الحكومة أواخر يوليو الماضي، فإنّه قد تم دراسة المشروع التمهيدي لقانون قدمه وزير العدل، يتعلق الأمر بالتدابير التي تخص هذه المبادرة التي تهدف للمّ الشمل وتعزيز الوحدة الوطنية، لكن الحكومة لم تعلن عن شكل هذا القانون ولا من هم المعنيون به، تم فقط الإشارة إلى أنه سيعرض على البرلمان بغرفتيه بداية الدورة الخريفية للبرلمان، في حين بقي الغموض يكتنف هذا المشروع، الذي ربما تريد السلطة به أن تطوي صفحة الحراك وتفتح صفحة جديدة مع اكثر من طرف، فهناك الأحزاب السياسية التقليدية بمختلف تياراتها الوطنية، الإسلامية والديموقراطية والعلمانية، وهناك أحزاب سياسية نشأت مع بداية الحراك، وتضم نشطاء شباب معظمهم شاركوا في مسيرات الحراك، إلى جانب اعلاميين ونشطاء على السوشل ميديا، منهم من تم اعتقالهم وآخرون فروا إلى الخارج، أو أنهم كانوا يقودون نشاطهم ويوجهون أنصارهم من الخارج مباشرة، وفي هذا الصدد، يمكن ذكر الحركتين المذكورتين سابقا وهما (رشاد، و الماك)، ولحد الساعة، تعتبران منظمتين ارهابيتين، اعتقلت السلطة معظم عناصرهما في الداخل، حتى أن بعض من الموقوفين من اعترفوا فعلا بمشاركتهم في عمليات كانت تستهدف أمن واستقرار البلاد، كتلك الأحداث التي شهدتها منطقة خراطة في بجاية، وأيضا حرائق الغابات التي اندلعت في منطقة القبائل (تيزي وزو) بالأخص، إذن، يمكن القول أنّ المبادرة وإن لم تُعرف خفاياها وأهم النقاط التي ترتكز عليها، فهي في الظاهر مشروع شبيه بميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي جاء به بوتفليقة، والذي برغم تطبيقه لم يستطع وقف أعمال العنف وإن قلّت، ولولا تدخل الجيش، لكان الإرهاب قد استمر في أعمال العنف، لذلك، هل سنرى من مبادرة لم الشمل التي ما تزال غير واضحة لحد الساعة، ما يعزز من الوحدة الوطنية، علما أنّ حركتيّ رشاد والماك ما تزالان تنشطان عبر السوشل ميديا من الخارج، وحتى أولئك النشطاء الذين ينشرون فيديوهات أو منشورات عبر مواقع يوتيوب وفيسبوك بشكل يومي، كلها مظاهر توحي باستمرار محاولات تجسيد حلم "الفيس" القديم، فهل ستشمل مبادرة لم الشمل كل هؤلاء على اعتبار أن أغلبهم يصنفون كارهابيين؟