التحرك والاجتهاد في اتجاه انتاج ادوات ووسائل لمقاومة ومواجهة التصّحير . هو في واقع الامر وقوف في وجه الصحراء . وخطوة في اتجاه محاصرة التصحر . ومن ثم الحد من تمدده وانتشارة . وهو خطوة ومؤشر . فيه انحياز واضح للعمران والتمدين . على حساب التصحر والصحراء . قد تضطر الافراد والكيانات وما شابه . للتغلب على الصحراء بمغالبة التصحّر . بشل ادوات التصّحير . والتقليل من فعاليتها الى درجاتها القصوى ما امكن ذلك. والابتعاد عن  مغازلتها واستدعائها الى الحاضر . ومُجافات استدراجها وبكل السبل والوسائل الذى انتجها عقل التحضر والتمدين في جميع مناحى حياته سوى كانت معنوية او مادية . وليس بالذهاب الى عكس ذلك . 

       وربما هذا ما دفع بالحياة نحو اجتراح مقولة (من تبدّى فقد كفر . وفى قول اخر فقد جفاء) . جفاء او كفر بثقافة التمدّين والتحضّر . بمعنى اعتراض مسيرة الحياه . بمحاولة تني عنقها في اتجاه البدايات . فهذا في وجه من وجوهه . رجوع وارتداد ونكوص . نحو والى ما عفاء عليه الزمن وتخطاه وتجاوزه بمراحل . تماما . كمن يذهب نحو تطّويع الحياة . وحثها لمغالبة الزمن وطي المسافات . بدفّعها  نحو اعتلاء راحلة البعير . في عصر يتعامل في مغالبته للزمن وطى المسافات . على ابتداع وتوظيف المحرك النفاث لتخطى سرعة الصوت  . فأضاف بذلك قيمة ووحدة قياس جديدة للزمن . والى قائمة قياس السرعة  . بما يناسب مع ما بعد سرعة الصوت . 

     كنت احاول ان اصل بالمقارنة السابقة  . الى تبّيان قيمة الزمن وتوظيفه في كلّيهما  . والفجوة الواسعة والفاصلة  . في ما بين ثقافة التصحر والتصحير والصحراء . وثقافة ما بعد الصحراء  . فهو ليس بذات القيمة عند كلّيهما . في توظيفه والاشتغال عليه  . ربما  ما جاء في المتداول الشعبى الليبيى . الذى يقول  ( نعّتتْ الصحراوي ابْشاربه) فيه الكثير من الدلالات  . فهو يختصر ويُوجز كل ما ذهبنا اليه  . عن الزمن والمسافة في عالم التصّحير التصحّر والصحراء  . 

     وينسحب هذا الاختلاف فى التعاطى على  المكان ايضا  .   فعقل ما بعد الصحراء . يذهب في اتجاه خلق بُعد معنوى للمكان للجغرافية . فتصير به . قرية . مدينة . بلد . وطن . في حين عالم الصحراء . يرى في الجغرافيا فضاء للتنقل والترحال الدائم . وراء الكلاء والماء . وفقط  . 

       وبقول اخر . فعالم ما بعد الصحراء . ذهب وراء عقله . الذى حفّزه واستحثه على الاستثمار في الجغرافية (الارض) . فاختار التوجّه صوّب الاستقرار والاستيطان . فجعل من المكان قاعدة واساس للاسثتمار والاصلاح  . ومن ثم اعطى للمكان للتراب للجغرافية بُعد معنوى  . في حين ذهب عالم الصحراء وراء بعيره . طلبا وملاحقة للماء والكلاء . وبما تجود عليه الطبيعة . إن جادت . 

   فمغازلة   ثقافة الصحراء . والاجتهاد على استدعائها الى حاضر عصر الاتمثة . عصر الجينوم . عصر ثورة الاتصال الخ . من خلال استدراجها في ادواتها ورموزها ومضامينها الثقافية الى الحاضر . هو لا يزيد في شيئي . عن الاجتهاد . لبرّمجة عقل المُتلقي المسّتهدف . عبر خلّق مرجعيات لآليات ومُخرجات تفّكيره . تسّتلهم التصحر والصحراء في ادواتها ورموزها ومضامينها  .  ليعّتمدها عقل المتلقى . في معالجة شأنه اليومى مع الحياة  . الحياة التى صاغتها في عصرنا الذى نعيش . وتُصيغها عقول تتكئ اكتشافاتها العلمية و براءات اختراعاتها على الفيزياء والكيمياء والخوارزميات وغيرها من المجلات العلمية . لتضيف الى  جميع مجلات الحياة الزاحفة الى الامام  . ليعيشها الصحراوي غريب عن عصره . بعيدا على اطراف وهوامش تصحّره وصحرائه . 

  كنت احاول ان اصل بالقول . في كل ما تناولته سابقا . بان استدراج واستدعاء ثقافة التصحر والصحراء . الى عصر تخطى تلك المراحل . بخطوات علمية واسعه . هو ليس غير . نكوص  الى البدايات . الى طفولة الاشياء وعبثها . الى السلوك العفوي اللامسؤول . الذى لم يروضه العقل ويهذبه التحضر و التمدين . وهو سعى حثيث نحو الاختباء في حضن البدايات هروب عن ثقل وهول مسؤولية الحياة . 

       ولكن قبل الذهاب نحو الاستفهام المحيّر . والذى يبحث عن اجابة . اقول . لا اعتقد بان العقود الاربعة الماضية بعرّابها الاقليمى . كان يحركها النكوص وتوابعه كما اسلفنا . عندما انتهجت سبيل استدعاء ثقافة التصحر والصحراء الى الحاضر الليبيى . في عصرنا الحديث . الذى صار فيه وبه العالم . يظهر امامنا وعلى نحو محسوس كقرية صغيرة . فما يحدث في احد اطرافه البعيدة  . سينعكس بتداعياته على باقى ارجائه الواسعه . 

    ومن هنا استطيع القول  . بان العقود الاربعة المنصرمة . التى سلكت نهج . استدعاء ثقافة التصحير والتصحر والصحراء . باجتهاد ومثابرة ملفتيّن .  كانت لا تجهل مألات ومُنتهى ما ذهبت اليه وانتهجته   . فهل كانت تلك المنظومة في عقودها الاربعة المنصرمة . تشتغل من خلال توظيف كل طاقتها . جهد . وقت . مال . على تأهيل الجغرافية الليبية . عبر استدعاء وترسيخ وتجدّير ثقافة التصحر والصحراء . لتكون بيئة مناسبة وجيدة . لكل ما يعصف بحاضر ليبيا وفضاءها الاقليمى البعيد والقريب ؟ ؟ . 

       وفى الخاتمة اقول . لا فكاك من الذى يعصف بالبلاد . الا بتخطّي كل المحاولات التى تعمل وتجتهد على استدعاء ثقافة التصحير والتصحر والصحراء في مفرداتها وادواتها ورموزها . والاتجاه نحو التعاطى مع ادوات ووسائل عالم ما بعد الصحراء . الذى يتكئ على الاستقرار والاستيطان على الارض على التراب على الجغرافية . فهى الابجدية الوحيدة . التى يتعاطها العصر . وبوابة الدخول الى فضاءاته الفسيحة .     

 الااراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة