يصل قطار ما اصطلح على تسميته (القضية الليبية) أو (الأزمة الليبية) إلى محطة (باليرمو) في صقيلة، وهي مدينة إيطالية حكمها العرب والمسلمون ذات يوم، وأطلقوا عليها اسمها (بلرم).
قبل (باليرمو) مر قطار (التعاسة الليبية) وتوقف في باريس، جينيف، الصخيرات المغربية، فاليتا، تونس، الدوحة، أبو ظبي، القاهرة.
وفي كل محطة تتبدد أحلام الليبيين البسطاء في أن ينزل ركاب القطار منه، إيذانا بانتهاء رحلة (التيه الغبية)، التي يدفع ثمنها الليبيون البسطاء، وقوفا في طوابير الغاز، الخبز، الإعانات الاجتماعية، الهبات الدولية، ليختموا يومهم بافتراش أبواب البنوك ليلا علهم ينالون بعض مستحقاتهم المالية صباحا.
أما من يتناوبون على قيادة قطار (التعاسة الليبية)، ففي كل محطة يقفون بها، بل وما بين المحطات التي يمرون بها، تمتلئ جيوبهم بدولارات المهام (الوطنية)، ويتزينون ببدل (النخوة)، ويتوسدون وسائد (الشرف)، وتفتح لهم أجنحة (الجهاد) الفندقية، يرهقون أنفسهم من أجل أن ندخل الجنة بلا حساب، متمثلين قول الحق وتعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
كما أنهم يتنافسون فيما بينهم، حد الاقتتال، لأجل أن يكون الله دائما معنا، فقد علموا أن (الله عند المنكسرة قلوبهم)، فتفننوا في كسر قلوبنا، يستقل أحدهم سيارة ثمنها مليون دولار بالتمام والكمال، يتجول بها في شوارعنا المهترئة، ويغبر ترابها في وجوهنا ونحن نصطف في طوابير كالخراف ننتظر ما يهبه لنا موظف البنك، بعد أن ننال ما يلزم من إهانة وتحقير على يد أحد الأشاوس الذين حررونا من كل قيمة وفضيلة.
قواد (ويمكنك أن تقرأها بالمعنى الذي تحب) قطار (التعاسة الليبية) علموا من كتب التراث أن أكثر أهل الجنة من الفقراء، فقرروا رأفة بنا وحرصا علينا أن يفقرونا، ويجعلونا نتسول، ويمنون علينا بصنيعهم الذي لم نشكرهم عليه، لأننا شعب جاحد عديم الوفاء، لا يقدر من يعمل لأجله، ويناضل في كل فندق ليؤمن لنا الطريق نحو الجنة، أليست الآخرة خير وأبقى!! 
لا (باليرمو) ولا سواها من محطات قادمة، سيتوقف فيها القطار لأجلنا، فمن يأبه بشعب محتسب صابر قانع خانع، فعلى مر التاريخ لم يحدث أن تخلى متجبر عن جبروته رأفة بشعب لا يرى فيه إلا قطيع يلهو به كيفما يشاء وقتما يشاء، وفي الأمثال يقال (أنا راضي وأبوها راضي وأنت ما علاقتك يا فاضي).

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة