التجدد سمة تمد الحياة بالاستمرار والتنوع المتميز، فكثير من المنظرين وضعوا خططا متباينة لمد الفكر التربوي بالكثير من عناصر التجدد والحيوية، بعض تلك الخطط تم تنفيذها فعليا في الميادين التعليمية وصارت مَهمة من مهام العمل التربوي في المجالات العديدة، و معمولا بها حتى أن العاملين في مجال التعليم لا يستطيعون تخطي تلك النظريات أو استبدالها ، وكادت أن تصبح دستورا معتمدا  في مجال التدريس والتربية . 

بينما هناك خطط أخرى قيدت في إدارات مراكز الأبحاث والتدريب وربما تركت لوقتها وحينها ولم تفعَّل حقيقة لإضافة جديد في مجالها .

ففي الوقت نفسه الذي نحتاج فيه لخطط متجددة تتناسب وبيئات العصر والحياة بكل متغيراتها وجب أن نعلم أن المنهج الموضوع بطريقة الحشو التقليدية والتركيز على نقاط قد لا تكون ذات أهمية مستقبلية للأجيال الجديدة، حيث الحياة تفتح مصراعيها لكل جديد مطبق يحمل في ذاته سمة العصرية الحركية التي تناسب العقل الذي يعتمد على المهارات والاكتشاف لا العقلية النظرية التي تعتمد على الإنشاء والحفظ وبات هذا جليا حتى في المناهج العلمية حين نقوم بتخريج دفعات كبيرة من طلاب الأقسام العلمية في مجالات العلوم التطبيقية والطب والهندسة والفلك؛ ثم حين يوظفون سيصطدمون بواقع سوداوي يعتمد على النظريات المحفوظة دون تطبيق عملي في المجال ذاته وهذا يتضح حين يدخل الطبيب لممارسة مهنته التي أنفق  على تعلمها الكثير من الوقت والجهد والإمكانيات ولا يجد الأجهزة والآلات التي تدرب عليها طوال سنوات دراسته في المجال العملي ! والأمر نفسه لدى المهندس والفلكي ، والمعلم الذي يدخل مجال التعليم فيجد أنه أمام منهج نظري معبأ في كتب كعلب تحتاج للفتح والتفريغ ! 

وبما أن أحداث اليوم أعطت متغيرات لها تأثير مباشر على واقع العملية التعليمية؛  فإنه صار من المُلِح أن نتعامل بطرق أكثر جدوى في التعامل مع المناهج الدراسية وتكييفها زمنيا وواقعيا وعمليا ، فنحن قبل أن نسهم بوضع كثافة منهجية يؤدي جزء يسير منها أهداف العملية التربوية وما تصبو له الإدارة التعليمية ، وجب علينا الآن أن نخطط لمنهجية يؤدي قسط كبير منها الأهداف التي من أجلها يدرس ويتعلم الطالب (الجانب العملي الوظيفي) طالب متعلم متدرب مهيأ لأداء وظيفته التي تدرب عليها في النطاق التعليمي سواء كان في الدائرة التي خصصتها الدولة ونسبته إليها أو كان في قطاع خاص يعرف كيف يقدم خدماته على أكمل وجه .

والعلوم الإنسانية صارت أكثر جدلا في التعليم العام الثانوي أو الجامعي؛ وبما أن الثانويات العامة هي الجسر الذي من خلاله سيقطع الطالب نصف العمر التعليمي ، كان الاهتمام أوجب بوضعية وطريقة تخطيط المنهج الثانوي للعلوم الإنشائية أو النظرية كاللغة العربية وفروعها والتاريخ وعلوم التربية والنفس والاجتماع أو القسم الأدبي بفروعه. فإذا نظرنا لمادة المطالعة أو القراءة : لن تجد ذلك الانجذاب الذي يجعل من الطالب في المستقبل مكبَّا على القراءة محبا لها يطالع كل ما تطاله يداه من كتب وقصص ومجلات وصحف، ومن هنا جاء منهج بناء الطالب القارئ وبالتالي الإنسان الذي يعشق القراءة ويعمل لها جزءا كبيرا من حياته في تأسيس رفٍّ ثقافي في حياته. فالمطالعة- لو راجعنا بعض الدروس المقررة سنجد أنها مقالات تتسم بالخمول ونجد صعوبة لدى الطالب في محاولة فهم فكرة الكاتب الأساسية هذا ما حدث في بعض دروس المرحلة الإعدادية لمادة القراءة؛ فالدرس المقالي يتحدث عن فكرة ما ثم تأتي أسئلة الاستنباطات التي تحير الطالب في الإجابة عنها أو لا يشبع غرور المعلم المفكر بالإجابة النموذجية حين يقرب الطالب وجهة نظره حيال الموضوع . 

لهذا وبإيجاز لأن الموضوع يحتاج منا تفصيل كل درس على حدة : القراءة، النصوص.. أن يكون هناك برنامج تفعيلي في ترسيم منهج القراءة اللغوية الممتعة التي تجعل الطالب أكثر حماسا وتفكيرا وتخمينا لوحدات الدرس وهذا الموضوع يتلخص في السؤال التالي : 

لماذا لا يخصص نصف مادة المطالعة أو القراءة (قصصا وروايات) ذات حبكة قوية وموضوع واحد جذاب مؤثر؛ يستطيع المعلم من خلاله والطالب التذوق الأدبي البليغ وإعمال الذائقة البلاغية والتفكير الناقد لتحليل جزئيات القصة والتدرب على عناصر التعبير الشفوي والتحريري . 

إذن يُبْتَدَأُ ببناء التفكير الناقد لدى الطالب وإعمال البحث والاكتشاف من خلال مواد العلوم اللغوية المتمثلة في مادة القراءة؛ فيختبر مستوى الطالب وميوله العلمية من خلال القراءة والاطلاع والتفكير والتعبير وطرق الإلقاء؛ وتجدد العادات المتمثلة في المكتسبة والعادات الراسخة ؛ فيستبعد السلبية منها ويستقبل محتوى الإيجابية بالفاعلية والتفكير والتدرب على الاكتشاف والاستنباط والتحليل، فنحن بهذه الطريقة نكون قد بنينا قاعدة علمية تربوية لمنهج واحد يتفرع بطريقة "خرائطية" لباقي المناهج العلمية التي من خلالها يصبح الطالب مكيفا علميا للمادة التي يميل إليها ويرغب فيها؛ وسيكون حريصا على بذل مزيد المجهودات من أجل التجديد فيها لا حفظها فقط ..

 فالتدريب التربوي على التفكير والاستنباط والاكتشاف والتحليل هو أولى مراحل الطريق لبناء فكر تعليمي تربوي متجدد يمنحنا الكثير من المخرجات ذات الكلفة الثمينة التي إن صرفنا عليها من الميزانية التعليمية فإننا لن نخسر شيئا بل نكسب الأكثر حيث إن هذه العملية تعطينا أضعاف ما نحن نخطط له ألا وهو الطالب المتميز الذي سيسهم في بناء المجتمع وتقدم الوطن .

ثم تأتي العملية التالية لمادة القراءة وهو التطبيق النحوي على فروع المادة ومنهجيتها : كيف يقرأ الطالب القراءة الخالية من الأخطاء النحوية والأهداف التي سيستخرجها من الدرس المقروء (لم هذه الكلمة مرفوعة، ولم حذف حرف العلة من الكلمة وما الذي سبقه ؟ ثم كيف جاءت هذه منصوبة .. من خلال تطبيق قواعد النحو على المقروء والمسموع دون التقيد بتدوين القواعد وتفتيتها، بل تطبيق أيضا وجوه الإعجاز والبلاغة والتشبيه والاستعارات ومعرفة الكنايات والتورية والمطابقة والمقابلة والسجع وغير ذلك من خلال دروس القراءة التي يجب أن تكون كتبا في كتاب واحد ومناهجا في منهج واحد : تنتج لنا الطالب القارئ والمتذوق والمحلل والمستكشف، إلى جانب تربية قريحة الكتابة والتعبير والإلقاء وتهذيب كل ذلك من خلال المنهج المرن المتجدد المعتمد على الأسس الواقعية وعامل للانجذاب والترغيب والدافعية .

ولا يمنع أن تكون قواعد الإملاء من خلال التقييم والتقويم مما استجد من دروس القراءة المتنوعة المعتمدة على الإلقاء، والشرح، والتعبير، والاستنباط، والاكتشاف، والتحليل، والتفكيك، ثم الإملاء . حقيقة ستكون المادة مكملة لكثير مما كان ينقصنا في تقريب الصورة المتباعدة عن فكرة الطالب (كتاب القراءة الذي يحمل مادة اللغة العربية التطبيقية ) فالطالب يقرأ ويطبق كل ما يتعلمه في هذا الدرس أو ذاك . 

إن تشتيت الطالب في فروع كثيرة وهي تشكل جسدا واحدا في اللغة العربية ما هو إلا إضاعة وقت ولملمة غير موفقة لا تساعد على استيعاب الطالب وتهدر طاقاته الإيجابية التي يمتصها وقت الحصة الناقص والمشوش والمستقطع منه في كثير من العوامل المتداخلة . 

وسنكون بإذن الله منصفين إذا ذيّلنا هذه المقالة بمقالة قادمة توضح أكثر، بناء السلّمية الحقيقية لمنهج مادة اللغة العربية التطبيقي في جعل المواد العلمية مرنة متجددة تحقق طموحنا التعليمي وتساهم كثيرا في استدراك الوقت الضائع بسبب ما يطرأ من متغيرات على الساحة الحياتية .

[email protected]

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة