أن الهم الأمني في ليبيا اليوم الأكثر إلحاحاً وخطورة، حيث يطالب الليبيون بأن تحل المؤسسات الأمنية الرسمية مكان الكتائب المسلحة - حتى تلك التي استوعبتها الحكومة شكليا.

في شهر نوفمبر الماضي، شهدت البلاد اليوم الأكثر دموية منذ ثورة 2011 عندما فتح مقاتلون النار على المحتجين في طرابلس. وعندما انتشر عناصر الشرطة والجيش النظاميون، في الأسابيع اللاحقة، في مختلف أنحاء طرابلس وتراجعت الكتائب المسلحة، لقيت هذه الخطوة ترحيبا واسعا. وفي بنغازي، أظهر الناس دعما قويا جدا لوحدة القوات الخاصة المحلية وقائدها خلال الصدامات مع أنصار الشريعة.

أن القوى الخارجية تتقدم لملء هذا الفراغ عبر وضع خطط لتدريب جيش وطني وتجهيزه. وقد أبلغ الكونغرس الأميركي مؤخرا بطلب تقدمت به السلطات الليبية إلى الولايات المتحدة لتدريب 8000 جندي ليبي على امتداد ثماني سنوات لتشكيل مايعرف بـ"قوة الأغراض العامة". وتساهم بريطانيا وتركيا وإيطاليا أيضا في هذا المجهود. ويجري التحضير للمشروع منذ الصيف الماضي على الأقل، ويبدو متينا ومتماسكا على المستوى النظر، حسب الكاتب.

أن أحاديث ليبيين من مختلف الانتماءات في نوفمبر الماضي كشفت عن العديد من التحديات والمطبات التي يرتبط عدد كبير منها بالإشراف المدني على "قوة الأغراض العامة"، والهدف الفعلي منها، ومدى شمولها لمختلف الأطراف.

وقال مسؤولون في القيادة العسكرية الأميركية الخاصة بأفريقيا (أفريكوم) إن الهدف من إنشاء هذه القوة هو حماية المؤسسات الحكومية والمسؤولين المنتخبين، من أجل منح متنفس للديمقراطية المتعثرة. وأضافوا أنه من المرتقب أن تحل لاحقا مكان الدور الذي تؤديه حاليا القوة المعروفة بـ"درع ليبيا" - وهي عبارة عن ائتلافات من الكتائب المسلحة تابعة لرئاسة الأركان في الجيش الليبي - من أجل فرض الأمن على الحدود. وبما أن "قوة الأغراض العامة" جزء من الجيش الوطني، يجب اختيار ضباطها وعناصرها من مختلف المناطق والقبائل الليبية.

مصالح متباينة

وصرح قادة إسلاميون في الشرق أنهم يوافقون في المبدأ على خضوع الجيش الليبي للتدريب على أيدي جهات أجنبية. لكنهم يعارضون السيطرة الخارجية: تتردد أخبار عن تركيز الولايات المتحدة حصرا على مكافحة الإرهاب في ليبيا.

ويرى البعض أن "قوة الأغراض العامة" تخدم فقط مصالح "تحالف القوى الوطنية" أو رئيس الوزراء الليبي علي زيدان. أما كبار الضباط في الجيش الليبي فيعارضون ضم مقاتلي الكتائب، ولاسيما الإسلاميين، إلى القوة، إذ يعتبرون أنه يتعذر ضبطهم وأنهم ذوو صبغة أيديولوجية. وكانت للأحداث في مصر تداعيات ملموسة أيضا على العلاقات المدنية-العسكرية في ليبيا.

فى ليبيا اليوم يجب معالجة كل هذه التشنجات لضمان نجاح الجيش الجديد. وقد شكل المسؤولون الحكوميون العديد من مجموعات العمل واللجان الوزارية بهدف دراسة المسائل المحيطة بإنشاء "قوة الأغراض العامة" ومستقبلها.

تخطي العقبات

ويبدو المسؤولون الأمريكيون وشركاؤهم مدركين للمطبات والعقبات. لكن يجب بذل مجهود مواز لتخطي انعدام الثقة الشديد على المستوى السياسي وغياب المصالحة الوطنية. فالخصومات داخل الوزارات، وداخل "المؤتمر الوطني العام" والمؤسسات الأمنية الهشة تهدد بجعل المشروع ينحرف عن مساره الصحيح.

أن ليبيا تحتاج، إلى جانب الحوار، إلى معالجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تقف خلف مواصلة الكتائب المسلحة عملها. ويجب منح العناصر الشباب محفزات لمغادرة تلك الكتائب والانخراط في المجتمع من جديد. وضرورة اعتماد برنامج مستدام لتسريح الكتائب المسلحة ونزع سلاحها وإعادة دمج عناصرها في المجتمع. ويشكل "هيئة شؤون المحاربين"، وهو مشروع على مستوى وطني، انطلاقة جيدة. إلا أن الجزء الأكبر من التقدم الفعلي يتحقق على المستوى المحلي، بتوجيه من المجالس المحلية وشيوخ القبائل ذوي المكانة المرموقة.

أن كل هذه الجهود تبرز أنه ينبغي على الجهات الخارجية الراعية والمانحة أن تأخذ في الاعتبار أن التحديات الليبية تتطلب مقاربة تقوم على النظر في كل حالة على حدة، على أن يتم تكييفها بحسب احتياجات البلدات والمناطق. ومن شأن الاعتماد حصرا على حل هرمي وشديد المركزية، على غرار "قوة الأغراض العامة"، أن يزيد منسوب التشنج في الأجواء المشحونة أصلا.