لقد نشرت بوابة افريقيا مقالا المدة الماضية   للكاتب ميلاد مفتاح الحراثي، " القوي السياسية الاساسية في ليبيا " " غسان سلامة" ولم ينتبه اليه احد والاستشراف الذي حمله العمل وتصريحات سلامة بالخصوص، والذي بداءت معالمه في هذه الايام من أن اعضاء المؤتمر الجامع   هم "القوي السياسية" فقط وهي التي تحدد مستقبل ليبيا السياسي، ونظرا لاهمية موضوع المقال، تعيد بوابة اعادة نشره .  

عنوان هذه المطالعة عبارة عن تصريح للسيد غسان سلامة في  تونس من خلال تصريحه مع السيد وزير الخارجية التونسي يوم الاربعاء الموافق ١٩/١٢/٢٠١٨، حيث صرح سلامة " أن المؤتمر الجامع القادم سوف يجمع فقط القوي السياسية  في ليبيا"، ولم يشرح او يحدد ما هي طبيعة تلك القوي السياسية الاساسية في ليبيا، وطبيعة ثقلها القبلي والاجتماعي، وتأثيرها في مسارات المؤتمر الجامع. والامر يبدو هو المستهدف لاعضاء المؤتمر الجامع  في مخالفة وطنية  بأن من يححد مستقبل ليبيا هي القوي السياسية حتي ولو لم تكن جزء من المشهد الحالي او وجوده في ما وراء البحار. 

إن الدفع   بهذا المصطلح في آتون الملف الليبي الان ليمثل نقلة مفزعة في من يمثل  شرائح الشعب الليبي في تقرير مصيره، وفي مثل هذه الترتيبات، لانه من المؤكد أن الشعب الليبي   لا يزال يحترم  قواعد اللعبة الدولية والاقليمية والنزاع القائم اليوم في ليبيا،  ولكن سؤال من يقرر مصيرهُ لا يزال خطاً أحمراً. 

وبعيداً عن مُكر التاريخ، أن أي مؤتمر جامع قادم لا بد له وأن يرتكن الي التمثيل الداخلي القاعدي الحاسم في أي خطوة نحو تقرير المصير لليبيين. وبكل تأكيد لا يرضي الشعب الليبي من هذا المؤتمر إلا بتحقيق استحقاقاته ممثلة في ثوابته الوطنية، ومنها ليبيا دول واحدة موحدة، وتوحيد المؤسسات التنفيذية ذات العلاقة  بخدمات المواطنة، وتحديد الاسقف الزمنية للبدء في الانتخابات التشريعية والرئاسية، وأن لا يكون المؤتمر الجامع مؤتمرأ مفتوحاً ومستمراً، وبانقضاء المؤتمر الجامع واستحقاقاته العملية ينتهي معهُ كل ما يمثلهُ  " النزاع السياسي القائم بين القلة من الليبيين.

وعندما يستعمل السيد سلامة ونائبتهِ مصطلح" القوي السياسية الاساسية في ليبيا" ، لتقرير مستقبل وتقرير مصير الليبيين، فانهما قد حددا من الذي يُقرر ويُفرض اجندتهِ علي عُموم الشعب الليبي، وبالتالي يختزلا عموم الليبيين في شخوص محددة المعالم وبكامل الرضاء عليها. 

 ومن خلال تتبع مسيرة الامم المتحدة وعملها في ليبيا أن البعثة الليبية، ورؤسائها المتعاقبون علي الملف الليبي قد عرفو وحددو من هي القوي السياسية، ولكن بمواصفات اعضاء بعثة الدعم في تونس، وكذلك عن طريق الدور الخفي للسفارات الغربية في تونس. 

مُكر التاريخ هنا يتكرر في عمل  بعثة غسان سلامة، لانه من قال أن هناك قوي سياسية في ليبيا، وعلي اية أسس تُقدر تلك المواصفات لتك القوي، ويتكرر مُكر التاريخ في الذين يتم دعوتهم الي حوارات أو لقاءات تونس، ومن الذي يُعد تلك القوائم، هنا لابد لومُكر التاريخ أن يتدخل.

القوي السياسية هي تلك القوي التي تُنتظم في كيانات سياسية منشئة بقوة القانون، وخوض المراحل التاريخية العاكسة لارادة الشعب. وهذه مشروطية مشروعة، وغائبة في كل ما يسمون " بالقوي السياسية"، ومُكر التاريخ هنا يتجلي في رفض الاصوات والزعامات التي لها طيفها الشعبي الواسع، ويتم منعها من دخول أراضي دول الحوار، والتي لم تري تونس، وبتذاكر سفر من بعثة الدعم الاممية ، او من منظمة الحوار الانساني، أو من المنظمات العاملة في الوحل الليبي. ويظل مصطلح "القوي السياسية الاساسية" وجه أخر  من مُكر التاريخ. أيضا الي متي تظل الاوضاع الليبية، وبهذه الحالة، ومنذ ثماني سنوات عجاف، أكلت الاخضر واليابس؟  ليس هناك مجال للشك إلا بفضل مُكر التاريخ.

ليبيا دولة وطنية عمرها 60 سنة وبمؤسساتها، ونظمها وبقادتها، ولكن مُكر التاريخ يحاول أن  يجردها من كل مقوماتها، والاستمرار في الاستهلاكات المغايرة للذات. وومُكر التاريخ أيضا يُخادعنا  بأن هناك قوي سياسية أساسية في ليبيا هي التي لها حق تقرير مصير الليبيين! وأنه ليس هناك شعب يحتضر له القول الفصل في مصيره. 

دول الجوار وليبيا يتجدد معها مُكر التاريخ، فهي لم تستدرك معاني وطبيعة علاقات الجوار، وهي تحاول التورط في المسألة الليبية بكل عنفوانها، وبرجماتيتها المظُللة للراي العام. ومُكر التاريخ تجدد  ايضا في منابر كل من الصخيرات، وباريس وباليرمو، ليُعزز أن الذي يدور في هذا البلد هو صراع، وتعثر المصالحات، وشعب يريد التقسيم، والانقسام كعلامة من علامات مُكر التاريخ الذي تمارسهُ  بعثة الدعم الاممية في ليبيا.

الامم المتحدة هي التي صنعت  المشاهد المؤلمة في ليبيا، باستشارتها " للقوي السياسية الاساسية في ليبيا"   وها هي اليوم تستعين بها، وتستشيرها، وتقدم لها ما يمكن من دعم مالي ومعنوي ومواقع للعمل معها. ليس ذلك فقط ولكن سعادة الممثل الخاص للامم المتحدة في ليبيا، وهو الرابع، نظرا لفشل خلفائه السابقين، يعلنها رسميا وعلي الملأ أن المؤتمر الجامع المزمع عقده يجمع فقط " القوي السياسية الاساسية في ليبيا".  فيستمر ومُكر التاريخ في ممارسة دورهِ أن هذه المنظمة لا تزال  ترفض تحمل مسؤلياتها عن كل ما آلت إلية الامور في ليبيا، ولكنها تتواجد في ليبيا  لكي تغطي علي مساويء ومُكر التاريخ ودهائه. 

ولكن الحقيقة المُرة والتي يتوجب الاعلان عنها، أن الذي جري ويجري في هذا البلد هو مجرد   نزاع وليس صراع، وهذا النزاع يقع في اقصر نطاقه، ولا يتجاوز حدود من يملك القوة علي الارض، بفعل شعبي جماهيري، أو بفعل دعم خارجي دولاتي واستخباراتي، ومالي، ممثلا في المال السياسي المخصص للتمكين في مفاصل الدولة. 

من مصادفات مُكر التاريخ أنه لا يريد تصنيف المشهد الليبي بأنهُ  نزاع، ليس بين مناطق ليبية، أو نزاع بين أحزاب، وهي اصلا غير قائمة، وإنما افراد ممكين بالمال السياسي لتصدر المشهد دولياً واقليمياً، وليس داخلياً، أو حتي بين قبائل ليبية، ونزاعات مناطقية، والحقيقة المجردة تقول أنهُ نزاع بامتياز يدور حول " الدور، والمال والسلطة" . ويظل المال والدور والسلطة محور أسس النزاع داخل ليبيا. 

نعم إنه   نزاع بين قادة وليس بنزاع وطني وشعبي، وهنا وجب الذكر أن مؤسسات القوات المسلحة والتي تدفع دمائها عبر أنهر من الدماء والقوافل ليست ذات صلة بكل ما يحدث في هذا البلد، وهي أيضا غير معنية بما يسمي بمفردات" الحوار والمصالحة والنزاع" ، وإذ لم يتم تفكيك شفرات   هذا النزاع، فأن الامر سوف يرواح في مكانه ولعقود  قادمة من الزمن. 

فالحوارات والمصالحات هي بالاساس ليست خليقة بهذا الشعب المعتدل والمتجانس، وعبر تاريخه الحافل بالتسامح، والتنازلات المؤلمة، وهي عبارة عن مراهم ومسكنات من كثرة أوجاع مُكر التاريخ، ومُسكنة  للوعي الوطني، ومن أوجاع الدهاء المُهلك للوطن.

نحن نتحدث عن مُكر التاريخ ودهائهِ المُضني والمعُطل لوعي ورغبات الليبيين، في الامن والاستقرار، وأختيار من يمثلهُ، بعيدأ عن نظرية النُخب المبتذلة، والاقلية الراغبة في حكم الاكثرية المعُطلة، وبعيدأً عن توظيف المال السياسي، واستغلال الارقام الوطنية وتزويرها، وبعيدا عن المحصاصة الفتنوية، وبعيدا عن الشوفينية الكاذبة، وبعيداً عن افواه فرسان الكلام والتسحير الذهني، لانهُ لا يقبل أنصار مُكر التاريخ وضع العربة خلف الحصان.  فهل المؤتمر الجامع القادم  سوف يشمل فقط من هم في تصنيفات سلامة التي وردت في تصريحه ام الامر مخالف، ولكن كاتب المقال يرجح   انتصار توجهات سلامة ؟ !