نشرت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب إحصائيات حول العنف، بعد بحث ميداني شمل عينة من 3000  شخص من مختلف الأعمار، و المفاجئة كانت أن الدراسة كانت حول العنف ضد الرجل،إذ تؤكد  تعرض الرجال للعنف من طرف الرفيقة أو الزوجة، بنسبة تفوق 40%و46% منهم بالمجال الحضري، و35% بالعالم القروي. كما أن 70% ممن شملتهم الدراسة أكدوا تعرضهم للعنف مرة واحدة على الأقل في حياتهم، 75% منهم بالمدن، و61% في العالم القروي. و توضح المندوبية السامية أن 40% من المعنفين متزوجون، بينما 46% منهم عزاب والواقع أن الأمر ليس خافيا، فلعل أغلبنا يعرف شخصا على الأقل تعرض لنوع من أنواع العنف، سواء العاطفي أو المادي أو الجسدي، دون الحديث عن التحرش الذي تمارسه بعض النساء أيضا، على الرجال في مواقع معينة، كوسيلة للوصول إلى  أهدافها

 وإذا كانت الإحصائيات قد قدمت نسب مقلقة للعنف ضد الرجال، فقد عللت ذلك بظروف الرجل الإجتماعية والإقتصادية كأحد أسباب العنف، كما وضحت أن غيرة المرأة وموجات الغضب تقف خلف عنفها تجاه الزوج أو الرفيق.

لكن هذه الإحصاءات تساؤلنا كمجتمع، وتدعونا إلى البحث أكثر عن الأسباب الكامنة خلفه، و بملاحظة بسيطة للمجتمع يمكن عرض أسباب  أخرى، غير التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط، تتجلى خصوصا في سيطرة الفكر المادي على المجتمع مقابل تراجع القيم الأخلاقية، وقيام العلاقات على المصالح وانتفاء المشاعر الإنسانية الصادقة التي أصبحت شيئا نادرا. بالإضافة إلى ضغوطات الحياة اليومية التي تعاني منها جميع فئات المجتمع مما يؤدي إلى ظهور مظاهر عنف كانت حتى وقت قريب غريبة عن مجتمعاتنا المغاربية،
 ويأتي تغير الأدوار داخل الأسر في مقدمة الأسباب كذلك، بحيث لم تعد القوامة للرجل فعليا، باعتبارها مرتبطة بالإنفاق، فقد أصبحت المرأة هي المعيل الوحيد داخل الكثير من الأسر المغربية، وحسب المندوبية السامية للتخطيط،فقد بلغ عدد الأسر التي تعيلها نساء،
  6 ملايين و916 ألفا سنة 2010, وهي النسبة التي تصل إلى 19.1% من العدد الإجمالي للأسر بالمغرب.

 و مع خروج المرأة للعمل وتحقيقها للاستقلالية المادية لم تعد متقبلة لتعامل الرجل الذي ظل حبيس فكرة سلطويته، و رهين رغبته في السيطرة على المرأة والتحكم بها، الشيء الذي يؤجج الصراع ويؤدي إلى تطور الأمور واصطدام بشكل من أشكال العنف،كما أن تفسخ العلاقات الأسرية يعد سببا أساسيا من أسباب العنف، حيث لم تعد قائمة على المودة، وعلى الإحترام للأكبر سنا، وأصبح بر الوالدين مقتصرا على فئات قليلة، بعد أن شهدنا انتشار دور رعاية المسنين.

 ولا يمكن تجاهل التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت عنصرا من عناصر التنشئة الاجتماعية. ودور الإعلام وبرامج التلفزة أيضا، والتي أصبحت تقدم برامج عنيفة تتضمن الكثير من لقطات الاقتتال، حتى ببرامج الرسوم المتحركة، وأفلام الكرتون، وكذا الأفلام، المسلسلات.. وفي العشر سنوات الأخيرة،  ظهر جيل جديد من الألعاب الإلكترونية مبنية على العنف والقتل.. وزيادة على ما سبق، ينضاف انتشار العنف بالشارع العام، التي أصبحت مسرحا للتحرش، وسوء التعامل

 وفوق كل هذا، تعاني المرأة من ضغط ظروف الشغل بعد خروجها إلى العمل خارج المنزل، مع استمرارها في القيام بأشغال المنزل، و تكفلها برعاية الأطفال..  إن هذه الإحصائيات تدق ناقوس الخطر، وتنبهنا إلى أن الأمور قد خرجت عن السيطرة، بعد أن أصبحت لغة العنف هي السائدة داخل الأسرة، التي تعتبر نواة المجتمع إذا صلحت صلح المجتمع و إذا فسدت فسد المجتمع.