عبد الستار العايدي

يشمل حضور بكين المتنامي في دول شمال إفريقيا، وخاصة تونس، أشكالا متعددة مثل التجارة وتطوير البنية التحتية والموانئ والشحن والتعاون المالي والسياحة . وتهيّئ الصين منطقة شمال أفريقيا، تونس والجزائر على سبيل الأهمية، لتضطلع بدور حيوي في الربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. وهو هدف أساسي لمبادرة الحزام والطريق، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ. 

بالنسبة لتونس، فقد تأخّر الاستثمار الصيني بها مقارنة ببقية دول شمال إفريقيا إلى غاية سنة 2017 بعد أن انتبه الصينيون إلى أهميّتها، فقد رأت الصين فيها منطلقًا بحريّاً مهمًّا باتجاه أوروبا، إذ تلعب تونس دور الوسيط المثالي للصين المهتمّة بالسيطرة على الممرات المائية بين شمال أفريقيا وأوروبا كجزء من مبادرة "طريق الحرير الجديد". ويبدو أنّ الصين مهتمّة بميناء بنزرت في تونس، الذي يُسهّل الوصول إلى أوروبا ويقع في مركز هامّ لكابلات شبكات الألياف البصرية البحريّة.

في إطار البحث عن سبل لتطوير التعاون الاقتصادي مع الصين، وقعت تونس في شهر جويلية 2018 مذكرة تفاهم للانضمام إلى ما يعرف بمبادرة الحزام والطريق، التي أسستها الصين سنة 2013. وشاركت في الدورة الثانية من منتدى التعاون الدولي لمبادرة الحزام والطريق من 25 إلى 27 أبريل 2019 ببكين، وقد سبقت ذلك زيارتان لوزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي سنتي 2017 و2018 .

كما تم التوقيع خلال زيارة رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد الى الصين للمشاركة في قمّة منتدى التعاون الصيني الأفريقي، في سبتمبر 2018 ، على اتفاقية لإنشاء ثلاثة مشاريع في البنية التحتية في ولاية مدنين بالجنوب التونسي، حيث تتضمن مشروعاً للربط الحديدي وجسرًا ومنطقة صناعية.

وفي نفس السنة، أي 2018 ، تم تأسيس "مجلس الأعمال التونسي الصيني" ، هذا المجلس الذي يعتبر أهم أساس لتوطيد العلاقات التجارية بين البلدين، استنادا إلى أنّ الصين هي رابع أكبر شريك تجاري لتونس وثالث مُصدر للسوق التونسية.

وفي شهر فيفري 2019 ، وأثناء زيارة وزير الاستثمار والتنمية والتعاون الدولي التونسي السابق زياد العذاري إلى الصين، تم التوقيع على مشاريع استثمارية في البنية التحتية في ولايات صفاقس وبنزرت ونابل، بينها مشروع طريق سريعة وجسور ومترو خفيف.

ووصل حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى 1.53 مليار دولار أمريكي في العام 2017، أي بزيادة قدرها 6. 3 % سنويا.

وفي هذا السياق، يرى بعض المختصين في المجال الاقتصادي أن الصین تعتبر المساھم الأكبر في العجز التجاري الإجمالي لتونس، وذلك بنحو 4،5 ملیارات دینار لسنة 2018 من إجمالي عجز التجارة الخارجیة للبلاد، الذي قُدر في ذلك الوقت  بنحو 4.19 ملیار دینار خلال من نفس السنة.

ورغم  محاولات تونس الرفع من صادراتها إلى الصين لإحداث بعض التوازن في المبادلات التجارية، إلا أن تلك المحاولات قد باءت بالفشل، وقد تأكد ذلك على لسان السفير التونسي لدى الصين ضياء خالد بتاريخ، 25 أفريل 2019 ، بالقول "إنّ الجانب التونسي يعمل على رفع صادراته إلى السوق الصينية لإحداث نوع من التوازن في المبادلات التجارية. ولكن ذلك لم يحدث بسبب عوامل عديدة".

وقد أكد الخبير الاقتصادي التونسي صادق جبنون في تصريح للموقع الإخباري العربي "أخبار الآن"، أن "الصين أحدثت ثغرات كبيرة باقتصاد تونس، وأبرز المجالات المتضررة قطاع النسيج الذي كان مزدهرًا سابقا". وأضاف "الميزان التجاري الأكثر عجزا هو مع الصين، حيث فاق 4 مليار دينار. والصين تعتبر المزوّد الثاني تقريباً لتونس بعد إيطاليا وفي المستوى نفسه فرنسا، وقد تجاوزتها في الفترة الأخيرة"، مشيرا إلى أن "الميزان التجاري بين تونس والصين شهدا تراجعًا بحكم أنّ الصين تزوّد تونس بالمواد النصف مصنّعة، التي تحتاجها الصناعات التونسية بكلفة أقل من الكلفة الأوروبية. ولكن في الوقت نفسه أدّى ذلك إلى تعميق هذا العجز نظرًا لأنّ تونس لا تصدّر إلى الصين لأسباب لوجستية وعدم وجود رابط مباشر".

في المجال العسكري، عبرّت الصين في عديد اللقاءات الرسمية عن استعدادها الدائم لتقديم الدعم لتونس في مختلف الميادين، وخاصة في مجال التكوين والصحة العسكرية، وقد أكد سفير جمهورية الصين الشعبية بتونس زهانغ جيانغهو خلال اللقاء الذي جمعه بوزير الدفاع الوطني إبراهيم البرتاجي بتاريخ 23 ديسمبر 2020 ، أن "بلاده تولي اهتماما كبيرا لأمن تونس واستقرارها"، معبّرا عن استعداد الصين لدعم تونس في مجابهة فيروس كورونا وتقديم الدعم في مختلف المجالات، خاصة في مجال التكوين والصحة العسكرية، بما فيها التجهيزات الطبيّة ومستلزمات الوقاية الفردية". وقد سبق ذلك لقاء جمع بين وزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي بسفير الصين بتونس وانغ وينبينغ، سنة 2018 ، قدمت خلاله الصين هبة للمؤسسة العسكرية التونسية، حيث أن هذا اللقاء الذي أعقب إحداث اللجنة العسكرية المشتركة التونسية الصينية. تحاول الصين، من خلال رفع دعمها لتونس في المجال العسكري واستعدادها الدائم للمساعدة في مكافحة الإرهاب أو تطوير قدرات الجيش التونسي، التغلغل داخل المؤسسة العسكرية التونسية وإيجاد موطئ قدم إلى جانب الحضور الأمريكي القوي داخل نفس المؤسسة.

في المجال الثقافي، أو القوة الناعمة، تعمل الصين منذ سنوات على خلق روابط دبلوماسية أقوى عن طريق التبادل الإنساني والتبادل بين مراكز الأبحاث ودفع التعاون التعليمي والثقافي بين الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق وتسهيل فرص الاتصال الودي والاندماج الثقافي بين الشعوب الواقعة على طول المبادرة، التي انضمت إليها تونس رسميا خلال شهر جويلية سنة 2018.

ولتفعيل الديبلوماسية الثقافية صادق مجلس نواب الشعب سنة 2019 ، على قانون أساسي يتعلق بالموافقة على الاتفاقية المبرمة بتاريخ 13 ماي 2017  بين الحكومة التونسية وحكومة جمهورية الصين الشعبية حول بعث مراكز ثقافية.  وتهدف هذه الاتفاقية إلى تحديد إطار قانوني مشترك لبعث مراكز ثقافية يسمح لتونس ببعث مركز ثقافي تونسي ببكين ويسمح لجمهورية الصين الشعبية ببعث مركز ثقافي صيني بتونس.

أيضا، شمل التعاون الثقافي مجالات التراث والتنقيب على الآثار وتبادل الخبرات في مجال التقنيات الحديثة للإدارة واعتماد التكنولوجيا الحديثة والرقمية. كما أنشأت الصين أول مركز في تونس لتدريس اللغة الصينية في جامعة قرطاج تحت إسم "كونفشيوس". وسعت لرفع نسبة الطلبة التونسيين الساعين للحصول على منح دراسية من الصين، الذين فاق عددهم 500 طالب .

ولقد أكدت السفارة التونسية في الصين أن تونس تحظى بنسبة هامة من فرص التبادل الثقافي والأكاديمي مع الصين، لا سيما خلال السنوات الأخيرة الماضية، حيث يشارك عدد هام من التونسيين من مختلف المجالات في دورات تكوينية وثقافية وإعلامية ومنتديات وملتقيات. وذلك ضمن قنوات مختلفة على غرار منتديات التعاون العربي الصيني والإفريقي الصيني.

من جهة أخرى، تسعى الصين في كل مرة لتطوير الدعم اللوجيستي لتونس في مجال الصحة العامة من خلال تقديم الهبات والمساعدات، أو تمويل إنشاء المستشفيات العمومية، أو إرسال البعثات الطبية. إلى جانب فتح باب الدراسة والتكوين في هذا المجال من خلال تقديم منح للراغبين في الدراسة بالصين.

وخلال جائحة كورونا قدمت الصين عديد الهبات المتمثلة في لقاحات فيروس كورونا ومستلزمات طبية متنوعة. وأكد وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي في مقابلة خاصة مع وكالة أنباء "شينخوا" في 7 ماي 2020 أن "التعاون التونسي-الصيني مستمر ويتقدم ليس بمناسبة مرض فيروس كورونا الجديد. بل يعود إلى عشرات السنين، حيث تعمل بعثات طبية صينية في تونس منذ العام 1973. ونحن راضون على هذا التعاون، ونأمل أن يتطور أكثر فأكثر في المستقبل".

الحضور الصيني في تونس وفي عديد المجالات لم يكشف بعد عن الغايات الحقيقية، التي تخطط لها الصين مستقبلا، خاصة أنها قد ضمنت تواجد تونس ضمن مبادرة الحزام والطريق. مما يفرض عليها دعم هذه المبادرة وتقديم كل أشكال المساعدة لتنفيذ هذا المشروع الصيني الدولي. ويطرح أسئلة عن مدى الفائدة، التي ستعود على الاقتصاد التونسي، في خضم تنفيذ هذه المبادرة، خاصة أن عجز المبادلات التجارية بين البلدين قد قارب 5000 مليار دينار تونسي.