ليس غريبا أن تاريخ بدء قصف العراق للإطاحة بنظام صدام حسين كان هو ذاته تاريخ بدء القصف على ليبيا للإطاحة بنظام معمر القذافي ، ليكون أمام  العرب أن يحيوا كل ليلة 19 \ 20 مارس من كل عام ذكرى المأساة في وجهيها العراقي والليبي .

وما حدث في العراق وليبيا إستهدف نظامين عقائديين يحظيان بدعم نسبة مهمة من أبناء شعبيهما ، وكان الهدف منه الإطاحة بقيادتين موسومتين عند أعدائهما بالديكتاتورية ، ومعروفتين بعدائهما للغرب ولإسرائيل وبتبنيهما للمشروع القومي العربي وإن كان برؤى مختلفة، وبأنهما كانتا تضعان يديهما على ثروات طائلة من النفط والغاز بعد أن قامتا بإفتكاكها من أنياب الشركات العالمية الكبرى وبتأميمها والسيطرة عليها .

وفي العراق كما في ليبيا تم القضاء على القآئدين العقائديين بعد تشويه صورتيهما إعلاميا وتقديمهما على أنهما وحشان بشريان يمثلان خطرا على الإنسانية ، فإغتيل صدام حسين شنقا بعد حكم صوري عليه بالإعدام ، وإغتيل معمر القذافي بالرصاص بعد القبض عليه من قبل ميلشيات مصراتة 

وللإطاحة بصورة صدام حسين في عيون مريديه  تم الترويج لصورة الحفرة التي قيل أنهم عثروا عليه فيها ، ولتشويه القذافي قيل أنهم عثروا عليه في أنبوب مهمل ، غير أن ما يجمع بين الرجلين أنهما تعرضا للخيانة من مقربين منهما ، وأن القبض على صدام كان بالقرب من مسقط رأسه وقتل القذافي كان كذلك بالقرب من مسقط رأسه 

وكما تم تبرير الحرب على صدام بجملة من الأكاذيب التي تم الترويج لها عبر وسائل الإعلام المأجورة والمتأمرة ومن خلال تصريحات ساسة الغرب والشرق ومنها إمتلاكه لسلاح الدمار الشامل وتعاونه مع الإرهاب وتمثيبه خطرا على العالم ، بّررت الحرب على القذافي بأكاذيب أخرى منها قص طائراته  للمدنيين وإعتماده على جيوش المرتزقة الأجانب وإغتصاب جنوده للنساء وقمعه الوحشي للمحتجين السلميين 

وكما كان للجامعة العربية دورها في غزو العراق كان لها دورها في غزو ليبيا ، وكما تم اللعب على وتر الطائفية في العراق ، لعب التحالف على وتر الجهوية والعرقية في ليبيا التي ينتمي شعبها الى طائفة واحدة ، وكما تم الترويج لفكرة التقسيم الفيديرالي غيرالعراق الى سنة وشيعة وأكراد ، لا يزال الترويج يجري في ليبيا لتقسيم البلاد الى أقليم برقة وطرابلس وفزان .

وكما أقنعوا جنوب العراق بأنه كان محروما من ثروته أقنعوا شرق ليبيا بأنه كان محروما من ثروته ، وكما تسبب غزو العراق في حل الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة في إطار خطة ممنهجة ، تسبب غزو ليبيا في الإطاحة بالدولة ومقومات وجودها وقوتها .

وكما تم تهجير  العراقيين من داعمي النظام السابق من بلادهم تم تهجير الليبيين بدعوى ولائهم للقذافي ، وكما تم تغيير العلم العراقي غيروا العلم الليبي ،وكما ألغوا النشيد الرسمي العراقي ألغوا النشيد الرسمي الليبي ، وكما أمسك مسلحو الميلشيات العراقية بشؤون البلاد ، أمسك مسلحوا الميلشيات بأمر ليبيا ، وكما إنطلق مهرجان القتل على الهوية في العراق إنطلق في ليبيا ، وكما إتسعت دائرة النهب والسرقة والسطو على الإملاك العامة والخاصة في العراق حدث الأمر ذاته في ليبيا 

وإستمرارا في سياسة التماهي ، تحولت سرت الليبية الى تكريت العراقية ، لتدفع كل منهما فاتورة أنها مسقط رأس « الطاغية » ، وكما تعرضت أثار العراق للنهب تعرضت أثار ليبيا للنهب ، وكما سرقت مقدرات الدولة لتظهر طبقة من الثوار  الأثرياء أصحاب الشركات العابرة للحدود في العراق حدث الأمر ذاته في ليبيا ، وكما تحوّل المجرمون والقتلة والخونة والعملاء الى قادة وزعماء وأبطال وشرفاء في العراق تحولوا الى مناضلين من أجل الحرية في ليبيا .

وكما الصحوات في العراق إنتشرت مراكز الثوار واللجان الأمنية في ليبيا ،وكما أصبحت العصابات المسلحة عصا في يد حكومة المنطقة الخضراء لتأديب القبائل والمناطق  في العراق ، أضحت الدروع عصا الحكومة المؤقتة في ليبيا لتأديب العجيلات وورشفانة وبني وليد وسبها وغيرها.

 وكما راجت ثقافة التفاخر بالجريمة والقتل وتصفية الأزلام في العراق راجت ثقافة الثأر والتشفي والإنتقام في ليبيا ، وكما جيء بالعملاء والمتآمرين وأذناب المخابرات من أصحاب الجنسيات المزدوجة ليحكموا العراق جيء بهم ليحكموا ليبيا.

وكما تصدر المشهد السياسي في العراق أناس لا علاقة لهم بخصوصيات المجتمع العراقي حدث الأمر ذاته في ليبيا  ، وكما ظهرت في كل مدينة عراقية قناة فضائية تبشر بالزمن الأمريكي الجديد حدث الأمر ذاته في ليبيا .

وكما وجد الإرهاب مأوى له في خراب العراق ، وجد مأوى له في خراب ليبيا ، فإنتشر المسلحون وراجت تجارة السلاح والمخدرات وتبييض الأموال وسرقة النفط تحت شعارات الدين والحرية ، وكما أنتجت الديمقراطية الأمريكية هيمنة رجال الدين في العراق إنتجت هيمنتهم في ليبيا .

وكما أثارت النعرة الطائفية والعرقية في العراق أثارت النعرات الجهوية والعرقية والقبلية في ليبيا ، وكما بات المواطن العراقي يجوع وهو على أرض من ذهب بات الليبي يجوع لأنه لم ينخرط في مسيرة فبراير .

وكما تحولت أملاك الدولة ورموز النظام والمقربين غنائم للثوار والعصابات والساسة المستوردين في العراق حدث الأمر ذاته في ليبيا ، وكما تعرضت الخبرات العسكرية والأمنية العراقية للإغتيال في العراق لا تزال تتعرض للإغتيال في ليبيا ،،، والفاعل مجهول. 

وكما تم تهجير  الكفاءات العراقية هجرت الكفاءات الليبية لتترك مكانها لمن لا كفاءة لهم، وكما كان الهدف هو تدمير الدولة وتغيير المجتمع في العراق كان الهدف ذاته في ليبيا .

وكما تمت محاكمة رموز النظام السابق في العراق تتم محاكمة رموز النظام السابق في ليبيا ، وكما فرحت إسرائيل للإطاحة بصدام حسين فرحت بالإطاحة بالقذافي ، وكما ترعرعت القاعدة في العراق تترعرع اليوم في ليبيا .

يبقى هناك أمر واحد مختلف وهو أن قبر صدام معروف وتمنع زيارته أما قبر الذافي فمجهول ، ربما حتى لا يكرر واضع السيناريو نفس الخطأ حيث أكتشف أن قبر صدام سيتحول الى قبلة لحج أنصاره وهو ما لا تريد أن يتحقق في حالة القذافي .