لو كنا في حرب مع الطليان من اجل أزمة المهاجرين والدفاع عن مصالح الوطن في طريقة التعامل معها, أو مع الفرنسين من اجل يورانيوم النيجر الذي تحتكره شركاتهم, والذي ينتج %76  من كهرباء فرنسا " فتبيع جزء منه لدول اوربية وتترك اهل النيجر في الفقر المدقع", او كنا نجاهد في حرب شاملة ضد اسرائيل وحاميتها امريكا من اجل تحرير القدس ونصرت اخواننا في الدين وارجاعهم الى ديارهم, ولو..ولو.., لكنا قد اطلقنا لقب الطابور الخامس على المتعاملين مع العدو ومع استخباراته, واللذين يضربون من تحت الحزام, فيهددون الوطن وبنيته التحتية, ويمدون العدو بالإحداثيات والمعلومات "بالأسماء والاماكن...",هؤلاء كان مصيرهم محاكمات عسكرية, وخاتمتهم بالتأكيد الاعدام رميا بالرصاص امام الناس في الساحات العامة.

لكن اليوم هذا السيناريو بعيدا جدا, فالعمل للمخابرات الاجنبية لم يعد عارا, وعملاء المخابرات الاجنبية هم من يتفاخرون بتاريخهم "النضالي", ويتسابقون على من يدل الغرب ومخابراته اكثر على بعض المسلمين ومواطن ضعفهم وحتى "من يتبسم لهم", ثم إنهم يتبجحون على اللذين لم يصافحوا غربيا على الاطلاق, وهم اليوم يمسكون بمفاصل الوطن, وينفدون ما يريده اسيادهم وسط ارتياح عارم ودعم "كبير" من بعض "ممن وضعوا انفسهم اوصياء على دين الله ويوزعون كروت الجنة على الناس ليقتل بعضهم بعضا ويدمروا بلادهم لصالح اليهود والنصارى ". لا تتعجبوا كثيرا من ذلك فالمغيبون عقليا والمسلوبون فكريا وفي "زمن التابعين وفي سبيل ان يكون اسيادهم فقط هم ولاة الامر" لم يجدوا غضاضة في محاصرة بضع عشرات من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومنع الماء عنهم وقتلهم والتمثيل بجثة الحسين عليه السلام, فكيف بنا اليوم وقد تباعدت الازمان, وانقلبت الموازين, واصبح "القابض على دينه كالقابض على الجمر".

اليوم وبعد طوابير الخبز والبنزين والمصارف واسطوانات الغاز اصبح لدى المواطنين الاحرار طابور خامس هو طابور "النافثا أو الديزل", وهو المرشح ليكون اطولها وأدومها في بلد الطاقة من نفط وغاز وشمس ضارية وملتهبة في اغلب ايام السنة "والذي تنتج منها المانيا مثلا عشرات الجيجات  المباركات من الطاقة النظيفة خاصة في ايام الصيف تكفيها اغلب اوقات النهار وما تيسر من الليل".

هذه الطوابير على رأس كل مسبب لهل مافيا من شياطين الانس, تسمى باسمها وتسترزق من منع حقوق المواطنين الاخرين في الحصول على هذه المنافع بالطريقة السليمة السهلة وبالسعر الرسمي ومن المكان الذي تحدده الدولة. 

ظاهرة طابور "النافثا" ونقص المعروض منها في محطات الوقود لها ابعاد عدة وخفايا عجيبة:

-في البداية كان الفشل ملازما لشركة الكهرباء في توفير الكهرباء للمواطنين على مدار اليوم, ورغم تبريراتها بانعدام الامن وغيره, إلا ان الفشل في المحافظة على انتاج 5 جيجة من طاقة انتاجية اسمية فوق 10 جيجة وتوزيعها بسلاسة ليكشف تدني الاعتمادية لمحطات الانتاج بسبب سوء التشغيل والصيانة الفعالة تخطيطا وتنفيذا, وهو ما يعد فشلا ذريعا لإدارة الشركة, ومدعاة للتساؤل عن سر بقائها رغم تسببها في كل ذلك.

-كذلك الفشل الذريع لشركة البريقة في توفير وتوزيع وقود الديزل بسلاسة على المواطنين واضح ايضا, وهو ما جعل الديزل يختفي من محطات الوقود, وكثرة طوابير السيارات المنتظرة لقدومه لأيام طويلة, والخلل في طريقة توزيعه واختلافها من محطة واخرى "حسب درجة امانة كل صاحب محطة".

-ثم هناك تسأل :

هل ما زال الوقود يهرب عن طريق البحر والبر؟ وما هو موقف من اؤتمنوا على حماية الشواطئ والحدود؟ هل يجب علينا أن نستورد قليل من الضمير والوطنية لهم؟ ومن أي البلاد نستورد لهم ذلك؟ هل من اسرائيل ام من ايران "أستر"؟   

قد يكون هناك في كل هذه خدمات من يقوم بعمله على اكمل وجه ولا يمكن تحميله شيئا من القصور أو التقصير, لكن واقع الحال يكشف عن فساد مالي وإداري كبير, وتهاون من المسئولين في الرئاسي واجهزة المتابعة والرقابة والضبط, وغياب قيم النزاهة والصدق في القول والعمل في كثير من الاحيان.

كيف تريدون من الناس ان يؤمنوا برسالتكم وما يعيشونه يوميا ينبئهم عن المستقبل المشكوك فيه معكم؟

إن الفاسدين لا يستطيعون ان يبنوا أمة, ولا أن ينقذوا وطن, ولا ان يؤسسوا نظاما للحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة ولكن الامل في رحمة من الله تهب على هذا الشعب لا زالت باقية, وإن سدت الطرق في دربه وانعدم الخيار الصحيح امامه اليوم..." الى وقت معلوم".

الآراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة