كاتب موريتاني .

في خضم موجات الغضب التي تشهدها موريتانيا ضمن ما يعرف بالمقال المسيىء , يبرز من جديد موضوع " حد الردة " هذا الحد الذي عمت البلوى بقراءاته الخاطئة , بما في ذلك التوظيف السياسي للحد لتصفية الخصوم السياسيين فكرياً وبدنياً أو هما معاً "بحجة الردة " و فتنة " القول بخلق القرآن " خير مثال على ذلك , ففي دور سيطرة المعتزلة تمت تصفية خصومهم من السنة وعلى رأسهم علماء كبار أجلاء من أمثال " أحمد بن نصر الخزاعي " لتقوم الضحية بعد ذلك هي الأخرى بتصفية خصومها بنفس " الحجة " فيقتل محمد بن عبد الملك بن الزيات الذي سعى في قتل أحمد بن نصر الخزاعي وفي الأندلس والغرب الإسلامي لن تعدم ضحايا هذا الحد من أمثال ابن الأبار القضاعي صاحب كتاب " التكملة لكتاب الصلة لابن بشكوال " و كاد سيف الردة أن يعصف برأس شيخ المالكية ابن زرقون صاحب كتاب " المعلى في الرد على المحلى "

فكيف يمكن فهم هذا الحد وتطبيقه انطلاقاً من الشريعة , واستلهاماً لروح الحرية الدينية التي كرسها الإسلام , بعيداً عن المطامح والأهواء السياسية .

بداية نحن لا نهدف من هذا المقال إلى نفي هذا الحد جملة وتفصيلاً , ولا نستطيع ذلك , ولا نقره وإنما نسعى إلى قراءة مقاصدية تجمع بين الأدلة التي قد تبدوا للبعض متضاربة , في حين أن الجمع بينها " الأدلة " هو الذي يعطينا رؤية واضحة وقراءة شرعية "للحد" , بحيث لا يبقى مطية للأهواء والأغراض السياسية أياً كانت , فالجمع بين مختلف الأدلة , والسياقات التاريخية لها , هو فيصل التفرقة بين "الردة " التى توجب القتل " حداً " وإلى الردة التى لا توجب ذلك , بمعنى الردة التي يعتبر صاحبها مفسداً في الأرض ومحارباً يهدد كيان المجتمع الإسلامي ووجوده , وبين المرتد غير المفسد الذي تقتصر ردته على اعتقاده الشخصي دون أن يخرج على وحدة الجماعة المسلمة , أو يرفع السلاح عليها محارباً , أو قاطعاً للطريق , أو داعياً لفكر من شأنه هدم المجتمع الإسلامي وتقويضه .

• القرآن والحرية الدينية

في القرآن الكريم آيات كثيرة لا تعد ولا تحصى تدور كلها حول حق الإنسان في الحرية الدينية , وعلى أنه لا سبيل لبعض الناس على بعض في الاعتداء على هذا الحق المقدس , قال تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )125 سورة النحل.

وقال تعالى:( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) 46 سورة العنكبوت .وقال تعالى:( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ )99 سورة يونس " والاستفهام في قوله تعالى (أفأنت ) للإنكار , والإنكار معناه النفي , فهو لنفي الإكراه على الإيمان , لأنَّ الدين لا يكون بالإكراه .
وقوله تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ) 29 سورة الكهف " وهي صريحة في ترك الإيمان والكفر لمشيئة الإنسان , وليس عليه عقاب دنيوي يكره عليه, لأنه ليس له على الكفر إلا ما أعده الله له في الآخرة من العذاب .

وقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )177 آل عمران " وقوله تعالى : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) 256 سورة البقرة " وقد قيل إنها نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين , كان له ابنان نصرانيان , وكان هو مسلماً فقال للنبي صلي الله عليه وسلم ألا أستكرههما , فإنهما أبيا إلا النصرانية , فأنزل الله الآية , وقيل إن النساء كن في الجاهلية ينذرن تهويد أولادهن ليعيشوا , فلما أسلم أهل المدينة أراد من لهم منهم أولاد على دين أهل الكتاب أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت الآية , فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (لقد خير الله أصحابكم , فإن اختاروكم فهم منكم , وإن اختاروهم فهم منهم )

فالدين هداية اختيارية للناس , تعرض عليهم مؤيدة بالآيات والبينات , والرسل رضوان الله عليهم لم يبعثوا جبارين ولا مسيطرين وإنما مبشرين ومنذرين , والإيمان وهو أصل الدين إذعان النفس وخضوعها , ويستحيل أن يكون بالإكراه , وإنما يكون بالبيان والبرهان , وعلماء الإسلام قد أجمعوا على أن إيمان المكره باطل لا يصح.

• حكاية الإجماع على قتل المرتد

رواية الإجماع على قتل المرتد : قال ابن عبد البر في التمهيد (5/306) في الكلام على حديث " من بدل دينه فاقتلوه " وفقه هذا الحديث أن من ارتد عن دينه حل دمه وضربت عنقه , والأمة مجمعة على ذلك , وإنما اختلفوا في استتابته وفي قتل المرتدة .

والحقيقة أن رواية الإجماع هنا ضعيفة لوجود المخالف لها من مختلف العصور فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يقول بقتل المرتد حسب الروايات المروية عنه وإنما يقول باستتابته وحبسه من ذلك ما ذكره ابن عبد البر نفسه في التمهيد (5/308) عن أنس بن مالك أن نفرا من بكر بن وائل ارتدوا عن الإسلام يوم تستر , ولحقوا بالمشركين فلما فتحت قتلوا في القتال قال : فأتيت عمر بفتحها فقال : ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ فعرضت في حديث لأشغله عن ذكرهم , فقال : ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ قلت : قتلوا , قال : لأن أكون أخذتهم سلماً أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء , قلت : وهل كان سبيلهم إلا القتل , ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين ؟ قال : كنت أعرض عليهم أن يدخلوا في الباب الذي خرجوا منه , فإن فعلوا قبلت منهم , وإلا استودعتهم السجن ,وقد استعرض الخلاف في هذا الموضوع العلامة ابن حزم قال في المحلى بالآثار( 12/108-109): (كل من صح عنه أنه كان مسلماً متبرئاً من كل دين - حاش دين الإسلام ثم ثبت عنه أنه ارتد عن الإسلام , وخرج إلى دين كتابي ,أو غير كتابي , أو إلى غير دين فإن الناس اختلفوا في حكمه ؟ فقالت طائفة : لا يستتاب - وقالت طائفة : يستتاب , وفرقت طائفة بين من أسر ردته وبين من أعلنها - وفرقت طائفة بين من ولد في الإسلام ثم ارتد وبين من أسلم بعد كفره ثم ارتد ,

ونحن ذاكرون - إن شاء الله تعالى - ما يسر الله تعالى لذكره : فأما من قال : لا يستتابون فانقسموا قسمين : فقالت طائفة : يقتل المرتد , تاب أو لم يتب ,راجع الإسلام أو لم يراجع , وقالت طائفة إن بادر فتاب قبلت منه توبته , وسقط عنه القتل , وإن لم تظهر توبته أنفذ عليه القتل , وأما من قال يستتاب , فإنهم انقسموا أقساماً فطائفة قالت نستتيبه مرة فإن تاب وإلا قتلناه , وبعد أن عدد الكثير من الأقوال قال : وطائفة قالت : يستتاب أبدا , ولا يقتل).والقول بالاستتابة الدائمة وعدم القتل هو المروي عن إبراهيم النخعي وكذلك سفيان الثوري , كما أن الحنفية يقررون أن المرتدة لا تقتل بلا خلاف بينهم كما يقولون بأن الصبي العاقل تصح ردته ولكن لا يقتل بل يحبس فقط (الكاساني /بدائع الصنائع /7-134)

• امكانية الجمع بين الأدلة

والمتتبع لأدلة الفقهاء الفقهاء المجمعين على قتل المرتد يلاحظ اعتمادهم بشكل كامل على أدلة السنة النبوية , لا على النص القرآني , الذي أنذر المرتد بعذاب أليم في الدنيا والآخرة , وقد ترك طبيعة هذا العذاب الدنيوي مبهمة دون تفصيل , قال تعالى:(يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) "74" التوبة.

ولانريد في هذا المقال البسيط والمتواضع الدخول في جدل عقيم من قبيل اعتبار حديث " من بدل دينه فاقتلوه " حديث آحاد وإشكالية هل يفيد حديث الآحاد العلم أو العمل؟ , ولا فيما قيل عن عكرمة مولى ابن عباس من ضعف وتجريح؟ ولا في هل السنة ناسخة للقرآن أم لأ؟ لأننا لن نخرج بطائل في هذه القضايا في ضوء الدليل ,والدليل المضاد وفي حلقة مفرغة لا تؤسس لمعرفة وعلم ولا يمكن الخروج منها برأي حاسم.

فنحن نسلم بحديث " من بدل دينه فاقتلوه " ولكن في إطار عرضه على غيره من الأدلة الأخرى والتوفيق بينها سواء كانت أدلة قرآنية أو سنة عملية أو قولية ,وكذلك عرضه على السياق التاريخي واللغوي , لإدراك الحكمة المعقولة المعنى التي قصدها الشارع بسن هذا الحد.

ونحن عندما نراجع الأدلة التي تساق من السنة بالإضافة للحديث السابق ( من بدل دينه فاقتلوه ) حديث عبدالله بن مسعود : (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس , والثيب الزاني , والمارق من الدين التارك للجماعة) وكذلك حديث أنس رضي الله عنه عن عكل وعرينة , لا نعدم عليها بعض المآخذ التي تطعن في الاحتجاج بها في قتل المرتد عموماً , فحديث ابن عباس " من بدل دينه فأقتلوه " لايمكن الجمع بينه وبين كثير من الآيات القرآنية التي أشرنا إليها في بداية المقال فيما يتعلق بالحرية الدينية وذلك من قبيل قوله تعالى : (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) 256 سورة البقرة " وقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ) "29 سورة الكهف" , وقوله تعالى :( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ )"99 سورة يونس ".

إذن فمن خلال الجمع والمقارنة بين الأحاديث يمكن الخروج برؤية واضحة تؤسس لحكم شرعي مشترك يجمع الأحاديث ,وينسجم مع هيمنة وحاكمية القرآن ومؤيد كذلك بالسياق اللغوي و التاريخي.

على أن حديث ( من بدل دينه فاقتلوه ) ليس على عمومه عند كثير من الفقهاء , فقد استثنى منه الحنفية المرأة إذا ارتدت وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأة مقتولة فأنكر قتلها وقال : (ما كانت هذه لتقاتل ) وحينئذ يكون عدم قتل المرتدة عند الحنفية لأنها لا تقاتل , فيكون قتل المرتد عندهم لأنه يقاتل , ولا يكون السبب في قتله ارتداده بل قتاله , وعلى هذا يمكن تخصيص هذا الحديث ( من بدل دينه فاقتلوه ) بالمرتدين المقاتلين , فيكون قتلهم جزاء على قتالهم لا على ارتدادهم .

وعبارة (المارق من الدين التارك للجماعة) في حديث عبدالله بن مسعود السابق تصبح أكثر وضوحاً من خلال سنن أبي داود عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إلـه إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم , ورجل خرج محاربا لله ورسوله , فإنه يُقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض , أو يَقتل نفسا فيُقتل بها) وعليه يصبح جلياً من السياق أن الردة المجردة من مفارقة الجماعة والحرابة لم تكن وحدها سببا لإقامة الحد الموجب للقتل , لكونها لا تهدد كيان المجتمع , ولا تعمل على هدم مقوماته , بحيث تكون عقوبتها تعزيرية موكولة إلى الإمام , والعكس صحيح , ويؤيد هذا الطرح كذلك حديث أنس رضي الله عنه عن عكل وعرينة , فلم تكن الردة السبب الوحيد في قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لهم , بل لأنهم بقتل راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطردهم الإبل صاروا محاربين وقطاع طريق , فطبق عليهم حد الحرابة 
والمتأمل في السياق اللغوي يلاحظ أن عبارة " ترك الدين" وردت بشكل مطلق ,و خُصِّصت بمفارقة الجماعة وسيقت بعد :"التارك لدينه" بدون واو العطف,ولنا أن نتصور الجملة مع واو العطف لتصبح كالتالي " التارك لدينه والمفارق للجماعة " عندها سيتمحض لدينا الدليل بأن من ترك الدين وحده عد سبباً قائماً لقتله حداً , وهو ما لايفهم قطعاً من الحديث لعدم وجود العاطف ,والقاعدة الأصولية أن المطلق يحمل على المقيد , مثلما أن العام يحمل على مُخصصه , وعليه فحتى السياق والدلالات اللغوية تؤيد كون المرتد الذي يقام عليه الحد هو المرتد الذي يقترن ردته بالفساد ومحاربة الأمة والخروج عليها .

فالاستدلال به وبالأحاديث السابقة على القتل لمجرد الردة فقط استدلال في غير محله ويمكن الجمع بين الأحاديث السابقة بما فيها حديث (من بدل دينه فأقتلوه ) على إباحة قتل المرتد تعزيرًا.

وفي هذا السياق يقول الشيخ محمود شلتوت (الإسلام عقيدة وشريعة / 281 ):( إن الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم , وإنما المبيح هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم ومحاولة فتنتهم عن دينهم , وأن ظواهر القرآن الكريم في كثير من الآيات تأبى الإكراه في الدين).

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل مرتداً , قال الإمام الشافعي (البيهقي معرفة السنن والآثار 12/251): (وقد آمن بعض الناس ثم ارتد , ثم أظهر الإيمان , فلم يقتله رسول الله صلي الله عليه وسلم ) وقال ابن الطلاع ( عمدة القاري شرح صحيح البخاري11/235): ( لم يقع في شيء من المصنفات المشهورة أنه صلي الله عليه وسلم قتل مرتداً ولا زنديقاً ) والذين قتلهم صلي الله عليه وسلم لم يقتلهم لكونهم ارتدوا فقط , وإنما لكونهم صاروا محاربين .

يقول ابن تيمية في هذا الخصوص (الصارم المسلول على شاتم الرسول/ 333 ) : (وأما ابن سرح وابن خطل ومقيس بن صبابة فإنه كانت لهم جرائم زائدة على الردة, وكذلك العرنيون, فإن أكثر هؤلاء قتلوا مع الردة وأخذوا الأموال, فصاروا قطاع طريق محاربين لله ورسوله )

وعندما نعرج على حروب الردة ,التى يحتج بها دعاة إقامة الحد مطلقاً , فهي للمتأمل والدارس لسياقها التاريخي , حرب ضد متمردين أعلنوا خروجهم على النظام العام للدولة وحاولوا تقويضها وتهديد كيانها الوليد , والحكم عليهم بالردة ليس لأنهم غيروا معتقدهم , بل لكونهم تحولوا إلى لصوص محاربين ,خرجوا على الشرعية السياسية للوطن.
ومن خلال الجمع الذي تعرضنا له بين الأدلة والدراسة التاريخية لسياقها , يصبح جلياً أن المرتد يقتل فقط عندما يتلازم مع الردة خروج على الجماعة, ومحاربتها , أما المرتد الفرد الذي لا يترتب على ردته فساد , ولا تهديد للمجتمع ووحدته وكيانه, فحرية الاعتقاد مكفولة له في الإسلام , مادامت في حدود معتقد الفرد الشخصي بينه وبين خالقه 
وغني عن القول إن المرتد الذي يروج للردة بأي وسيلة كانت ومن أخطرها القلم , ناشراً لكفره و حرابته على مواقع الانترنت محاولاً المس من أقدس قيمة للمجتمع المسلم " محمد صلى الله عليه وسلم " لا يعتبر كافراً بالإسلام فحسب بل هو محارب لله والرسول والأمة ينبغي أن يطبق عليه حد الحرابة بلا رحمة وقد قدر عليه .

ذلك أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا , فمتى تدثرت الردة برداء الحرابة والخيانة وموالاة الأعداء(الخروج على الإسلام ) وتهديد الثوابت الإسلامية طبق على صاحبها حد الردة وهو القتل , ومتى لم يترتب عليها فساد من خروج على الجماعة ودعوة لها "الردة " بحيث بقيت معتقداً شخصيا(الخروج من الإسلام ) لا يتعدى الشخص المرتد للمجتمع فحسابه على ربه , وبهذا يمكن الجمع بين مختلف الأدلة بحيث لا تتنافر بل تتآلف .