الجزء الأول  : المملكة السنوسية ( 1969 - 1951 )

المملكة الليبية أو ( السنوسية ) كما أسماها السيد / أحمد الصالحين الهوني ، وزير الأعلام والثقافة في حكومة السيد / عبدالحميد البكوش - أكتوبر 1967م ، لن أقف كثيراً عند هذه المسميات أو القرابين والتي تقدم زلفة للحكام في وطن غابت عنه شمس الحقيقة ، وسيطرت على معالم الناطقين بإسمه تقاسيم الكذب والنفاق والرياء والدجل ، وحفرت دموع الخيانة عليها أخاديدها والتي دفن فيها بقايا وطنية علقت صدفة بجباههم ذات يوم أثناء ركوعهم للمال ..!! .
21 نوفمبر 1949م من هنا ياوطني بدأت رحلتك في سماء الحرية ، والتي طالت هامتك فيها أركان الثريا ، فلقد كتب قرار إستقلالك (289) بدماء أبنائك الزكية ولم يكن هبة لم تتعود يوماً قبولها من الغير أو هدية ، وتم تحديد موعداً لتفعيل هذا القرار أقصاه 1 يناير 1952م ، وشكلت أول حكومة مؤقتة في مارس 1951م والتي تسلم فيها السيد / علي سعد الجربي ، وزارة الخارجية ليصبح أول دبلوماسي ليبي قبل الإستقلال ، أي تحت التاج البريطاني والذي لعب دوراً هاماً في المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر القائم بأعمالها في ليبيا " أندروج لنش " والتي أوصلتها للتوقيع بالأحرف الأولى على معاهدة تسمح لها بإبقاء القواعد على الأرض الليبية مقابل " مليون " دولار سنوياً .

 وتوالت أنتصارات الدبلوماسية الليبية برئاسة السيد / محمود أحمد المنتصر ، في 24 ديسمبر 1951م ليصبح أول وزراء خارجية ليبيا بعد الإستقلال مع إحتفاظه برئاسة وزرائها ، والذي لم يكن كسابقه فلقد قاد مفاوضات مع الولايات المتحدة عبر سفيرها في ليبيا ( هنري فيلارد - برتبة وزير مفوض ) من أجل زيادة قيمة المبلغ المتفق عليه إلى ( 2.3 مليون دولار ) في يوليو 1953م ، وقام السيد المنتصر في نفس الشهر بالتوقيع على معاهدة التحالف مع بريطانيا والتي منحت فيها بريطانيا رسمياً حقوق إنشاء قواعد على الأرض الليبية ، وكعادة الملوك في تغيير الحكومات وقلب الكراسي فيما عدا كرسي الفخامة أنتهت رحلته الدبلوماسية ليسلم الراية لخلفه السيد / عبدالسلام البوصيري ، في فبراير 1954م والذي أستمر لحكومتين متتاليتين ، ولم يكن أقل حنكة أوخوفاً على مصالح الوطن من سابقه ، فلقد خاض هو الآخر غمار المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية لرفع قيمة المعاهدة لتتوج بالموافقة في حكومة مصطفى بن حليم وتم الأتفاق على رفع قيمة المبلغ إلى ( 5 مليون دولار في السنة الأولى ومبلغ 2 مليون دولار سنوياً لمدة عشرين عاماً ) .

 وتسلمت ليبيا في ديسمبر 1954م عبر السفير الأمريكي الجديد " جون تابين " كمية من القمح ( 3 مليون طن ) كهدية من الولايات المتحدة ، وأيضاً في ديسمبر 1954م ضم السيد / مصطفى أحمد بن حليم ، حقيبة الخارجية مع أحتفاظه برئاسة الوزراء ، وهنا أثبت مصطفى بن حليم مدى قدرته على الأقناع لدرجة الأبهار ليؤكد للجميع على أحقيته بقيادة الوطن عبر أكثر من منصب ، فلقد أستطاع تعديل المعاهدة مع الولايات المتحدة في إبريل 1956 بإضافة ( 5 ملايين دولار ) فوق قيمة ( 2 مليون ) السابقة ليصبح المبلغ ( 7 مليون دولار سنوياً ) ، وقبل إستقالة حكومته سلم حقيبة الخارجية للسيد / علي سليمان الساحلي والذي لم يستمر طويلاً ليسلم الأمانة للسيد / وهبي أحمد البوري ، والذي قام بتوقيع إتفاقية التسليح مع أمريكا في يونيو 1957م لتثمر هذه الإتفاقية عن تسلم ليبيا لمعدات بقيمة ( 15مليون دولار ) في نوفمبر 1957م ، وفي أكتوبر 1958م تولى السيد / عبدالمجيد الهادي كعبار ، وزارة الخارجية مع أحتفاظه برئاسة الوزراء ، والذي لم يكن أقل حضوة عند الولايات المتحدة من سابقيه ، فلقد أستطاع رفع قيمة المعاهدة إلى ( 10ملايين دولار ) ولمدة خمس سنوات وذلك في يونيو 1960م .

 وفي أكتوبر 1960م سلم المنصب لخلفه السيد / عبدالقادر علي العلام ، ليسلمه بدوره في مايو 1961م للسيد / سليمان إبراهيم الجربي ، ليستلمه منه في يونيو 1962م السيد / ونيس محمد القذافي ، تاركاً إياه في مارس 1963م للسيد / عمر محمود المنتصر ، ( وأصبحت هذه العائلة فيما بعد رمزاً للدبلوماسية الليبية وجمعت في عصمتها مملكة وجماهيرية ، وذلك بتولي أبن عمومته السيد / عمر مصطفى المنتصر ذات المنصب أبان حكم القذافي ) ، ولكن لم يدم له الأمر سوى ( 12يوماً ) ، 19 مارس 1963م تولى السيد / محي الدين محمد فكيني ، منصب وزارة الخارجية مع إحتفاظه برئاسة الوزراء ولم يدم له الأمر طويلاً بعد أن تم تقديمه قرباناً للملك على خلفية أحداث 14 - 13 يناير 1964م والتي راح ضحيتها خيرة شباب الوطن قنصاً برصاص البوليس الليبي آنذاك ، 22 يناير 1964م تولى السيد / حسين يوسف مازق ، قيادة الدبلوماسية بحنكة من سبقوه ، ليمنحها بعد أن تولى رئاسة الوزراء في مارس 1965م للسيد / وهبي أحمد البوري ، والذي بدوره سلمها للسيد / أحمد عبدالرازق البشتي ، ليستمر فيها لثلاثة حكومات متعاقبة ولم تشهد فيها ليبيا أي تعديلات في سياستها الخارجية اللهم تزايد الغليان الرافض لهذه السياسات بين أفراد الشعب الليبي ، يناير 1968م السيد / ونيس محمد القذافي وزيراً للخارجية والتي لم يعد لها أي قيمة سواء بالسلب أم بالإيجاب .
 فللأسف تتغير الوجوه وتتقلب الكراسي وتبقى الأخيلة هي من تحكم ، سبتمبر 1968م تسلم السيد / شمس الدين عرابي بن عمران ، حقيبة الخارجية من السيد ونيس القذافى الذي أصبح رئيساً للوزراء ، وفي يونيو 1969م سلم السيد شمس الدين الأمانة وللمرة الأخيرة في حقبة السنوسية للسيد / على حسنين والذي بات آخر دبلوماسيين المملكة الليبية .. وللأسف لازالت قواعد المستعمرين جاثمة فوق الأرض الليبية ولم تجدي دبلوماسية من ذكرت سابقاً نفعاً إلى أن حدث الإنقلاب العسكري في 1 سبتمبر 1969م ( ثورة الفاتح ) .

الاراء المنشورة ملزمة للكاتب و لا تعبر عن سياسة البوابة