عبد الستار العايدي

في كلمته خلال إشرافه على أعمال مجلس الوزراء قال قيس سعيّد "من المفارقات أنّ البعض الذين خرجوا للشوارع وهلّلوا فرحا ليلة 25 جويلية 2021 التي إتخذت فيها القرار لوحدي باللجوء إلى الفصل الثمانين من الدستور، تحوّلوا اليوم إلى معارضين".

إلى جانب تأكيده مرّة أخرى على الوقوف ضد كل محاولات حركة النهضة المتواصلة للعودة إلى المشهد السياسي ، أشار سعيّد أيضا إلى أن بعضا من الطيف السياسي الذي ساند إصداره للإجراءات الاستثنائية ليلة 25 جويلية 2021 يحاول اليوم أن يقف في صف المعارضة ضد ما أسماه بـ"الإرادة الشعبية". تزايد المختلفين مع قيس سعيّد سياسيا في ما سيقدم عليه مستقبلا من إجراءات جديدة ومراسيم بإعتبار تجميد عمل البرلمان ودون إستقلالية القضاء الكاملة عن السلطة التنفيذية ومحاولته إطالة سيطرته الفردية على كل السلط، قد يطرح أمامه عائقا كبيرا في التأسيس لحوار وطني .

لا وجود للإخوان في الحوار الوطني القادم، حسب تأكيده وتأكيد الداعمين لسعيّد، ولا حضور للمعارضة الجديدة لتمشّي رئيس الدولة الفرداني إلا إذا أعلن موافقته على سقف المفاوضات السياسية التي ستجري قبل الدخول في أي طريق يؤدي إلى إنجاح هذا الحوار، ولا حوار مع المساندين له في القرارات التي يتّخذها، كل هذه الأسباب هي إحدى المرتكزات الأساسية لصورة حوار وطني مشوّهة وتفرض على سعيّد أن يجد السبيل الأمثل لإصلاح هذا التشويه ، وهي كذلك إحدى الصواريخ التي ستقصف آليات الحوار الناجح وتعدم قيامه أصلا.

تتزامن فترة الحديث عن هذا الحوار، مع فترة تكليف لجنة من الخبراء في مجال القانون لإعداد مشروعين للنظام السياسي والقانون الانتخابي سيعرضان على إستفتاء شعبي يكون بمثابة إعلان لنهاية الإجراءات الإستثنائية، هذا الإستفتاء الذي من الممكن أن يحظى بعدم موافقة أغلبية الشعب مما يفرض على قيس سعيّد إما الإستقالة بعد فقدانه مشروعيته وعودة النظام السياسي للعمل بدستور 2014 ، أو مواصلة تطبيق الإجراءات الإستثنائية والإعداد لإستفتاء شعبي ثاني ، يحيل هذا على أن رغبة قيس سعيّد غير أكيدة في التأسيس لحوار في ظل إختلاف رؤاه خاصة مع المنظمات الوطنية وبعض مكونات المشهد السياسي.

من الممكن أن يكون هذا الحوار فعلا طريقا نحو الخلاص من الأزمة السياسية، وتكون العلاقة بين قصر قرطاج وباقي الطيف السياسي ضمن المعطى الأفقي ممّا سيحتاج تنازلات سياسية وقانونية من قيس سعيّد وسيفرض عليه تعديل أسس وشكل النظام السياسي الجديد الذي يأتي على شاكلة "الديمقراطية القاعدية" الذي يسعى لبناءه بعد إمكانية نجاح الإستفتاء الشعبي على أسس هذا النظام، وقد يكون هذا الحوار مجرّد ديكور سياسي حتى يضمن لمشروعه السياسي البديل النجاح وصمت المخالفين له وقبول أغلبية الشعب به تحت عنوان محاربة الفساد كما يضمن له اليد العليا داخل المشهد وتواصل العلاقة العمودية بين قصر قرطاج والأحزاب السياسية. فمجرّد العودة إلى الوراء بخطوة قد يكلّف قيس سعيّد شرعيّته وسقوط كل مشروعه المستقبلي في حضيض الرفض الشعبي. 

حوار وطني ينتظر قبره ودفنه حيث اللحظة التي يحظى فيه مشروع القانون الانتخابي المقترح الذي يعتمد على معطى انتخابات المجالس المحلية والجهوية والوطنية، وإقصاء الدعاية السياسية للأحزاب أثناء ترشح الأشخاص كنواب للمجالس المحلية، ورفض الترشح باسم هذه الأحزاب ووجوب الانتخاب على كل مواطن. كما يعتمد القرعة للصعود من المجلس المحلي إلى الجهوي ثم إلى المجلس الوطني  وهذا من الممكن أن يكون مشكلة أمام تمثيل نيابي عادل للجهات في حالة كانت الأغلبية لتيار سياسي معيّن ولكن عملية القرعة قد سمحت بصعود الأقلية، مما سيعيق التواصل الأمثل أو الإختلاف الجذري بين المجالس المحلية والجهوية والوطنية، هذا بالإضافة إلى هنات كثيرة أخرى تضمّنها هذا القانون.

إصرار وعزم قيس سعيّد وضع مشروع قانون انتخابي جديد يحمّل النائب المسؤولية أمام ناخبيه، في إشارة إلى مشروع "الديمقراطية المباشرة" الذي نادى به منذ حملته الانتخابيّة خلق جدلا في أوساط فقهاء القانون الدستوري والطبقة السياسيّة التي أصبحت تجهل كليا ملامح النظام السياسي رغم مناداة بعض السياسيين بضرورة تنقيح دستور2014 التي بات لايخدم توجهات المرحلة القادمة، هذا المشروع الذي يبرز عداء سعيّد لمنظومة الأحزاب وللتمثيلية البرلمانية على شاكلتها الحالية في تونس وقد تجلّى ذلك في كل التصريحات الإعلامية التي أدلى بها منذ سنوات قبل جلوسه على طاولة الحكم بقصر قرطاج.

يرى قيس سعيّد أنه من الأفضل أن تكون طريقة الاقتراع في الانتخابات التشريعية القادمة هي التصويت على الأفراد بدوائر محلية عوض القائمات الحزبية أو المستقلة، وأن يتم تقديم المقترحات والمشاريع من القاعدة نحو القمة والتخلي عن منظومة الأحزاب التي يعتبرها مشاريع ديكتاتورية، وبالتالي يكون للشباب والعمال والفئات الاجتماعية الدنيا فرصة لتقديم الحلول والمقترحات بدل الاعتماد على الأحزاب والحكومة المركزية، وذلك إستنادا إلى أن البرلمان، حسب وجهة نظره، لا يعكس التمثيلية الانتخابية الواقعية للشعب بل يعكس فقط الحضور السياسي للأحزاب في كامل جهات البلاد.

التساؤل المطروح اليوم، كيف لقيس سعيّد أن يقنع مكونات المشهد السياسي، المساندين لقراراته أو المختلفين معه جزئيا، وقواعدها الشعبية بالالتفاف حول مشروعه البديل المدمّر لكل أبجديات المرحلة السابقة في حين يرفض عودة الأحزاب لهذا المشهد إلا من حاول الاندماج والإنصهار داخل مشروعه تحت شعار الجميع يد واحدة لمكافحة الفساد، حيث ألمح سابقا إلى إندثار ما يسمى بالأحزاب مستقبلا في ظل نظام سياسي جديد يسعى لتأسيسه ولا يمثّله إلا رئيس الجمهورية وليس ما يسمى الرئاسات الثلاث،  وماهي الآليات والأساليب التي من الممكن أن يستند إليها لسحب بساط القوة الجماهيرية من تحت أقدام الأحزاب السياسية وضمان الطريق الأفضل لإندثارها؟