مصطفى حفيظ

أثارت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الجزائر الأسبوع الماضي الكثير من التساؤلات، سواء تعلق الأمر حول ماذا تريد روسيا من الجزائر، أو لماذا الجزائر بالذات وفي هذا الوقت بالذات؟ هل ترى موسكو الجزائر شريكا استراتيجيا قويا في حوض المتوسط؟ أم أنها تخشى أنت تلعب الجزائر دور البديل عن الغاز الروسي لأوروبا؟ وماذا يريد بوتين من الرئيس تبون خلال لقاءه المرتقب في موسكو؟  

لف زيارة لافروف نوعا من الغموض، فهي لم تكن معلنة، وكأنها جاءت بسرعة لضرورة رأتها روسيا، قد تكون حاجة روسيا لفهم ما يجري بين الجزائر والشركاء الأوروبيين بخصوص مسألة الطاقة، بما أن هذه الأخيرة طُرح اسمها بقوة كبديل محتمل للغاز الروسي الذي هو أهم ورقة ضغط تلعبها روسيا حاليا، إذن، هناك أكثر من احتمال بخصوص أهداف هذه الزيارة غير المعلنة، أولا، هناك احتمال وارد بأن لافروف جاء إلى الجزائر لينقل قلق موسكو من محاولات أوروبا جعل الجزائر كبديل طاقوي محتمل لتعويض الغاز الروسي، خاصة مع توقيع الجزائر لاتفاقيات شراكة جديدة في مجال الطاقة مؤخرا، أي ربما تخشى موسكو من رفع الجزائر لإنتاجها من الغاز الموجه إلى أوروبا نحو إيطاليا، بناء على أخبار كانت قد روجت لها وسائل اعلام غربية مفادها أن سوناطراك الجزائرية كانت قد أعلنت في وقت سابق عشية بداية الغزو الروسي على أوكرانيا أنها مستعدة لدعم السوق الأوروبية بالغاز في حال سجل نقص الإمدادات من الغاز الروسي، لكن سوناطراك سارعت لتكذيب الخبر وعدم نيتها في تعويض الغاز الروسي نحو أوروبا، حتى أن الواقع يؤكد بأن الجزائر لا تملك القدرة على ذلك لأن حجم ما تنتجه لا يقارن ما تنتجه روسيا، إذن، وسط كل ذلك، عرفت الجزائر كيف تحافظ على علاقاتها ومصالحها مع جميع أطراف النزاع، لكن هل أزعج ذلك روسيا؟ يكون لافروف قد أطلع تبون على قلق بوتين حول هذا الأمر، لأن الغاز هو أكبر ورقة ضغط لدى روسيا، ولحد الساعة، يبدو فعلا أن روسيا استطاعت التأثير على مواقف دول أوروبية تعاني من تبعيتها للغاز الروسي، أي أن مواقف هذه الدول بدت معتدلة وأقل تطرفا من مواقف كالولايات المتحدة وبريطانيا مثلا، لذلك، قد ترغب روسيا في مزيد من الضغط الطاقوي على أوروبا الغربية لحملها على التراجع عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على روسيا رفقة الولايات المتحدة، وطبعا، شهدنا مؤخرا كيف بدأت روسيا بالتأثير على ميزان القوى بعد إعلانها فرض التعامل بالروبل الروسي على بعض الشركاء من الدول التي تراها غير صديقة، إذن، احتمال وجود قلق روسي من زيادة الجزائر لحصتها من الغاز نحو أوروبا أمرٌ وارد. 

لكن بالنظر إلى الشراكة الاستراتيجية القوية بين روسيا والجزائر في المجال الطاقوي والعسكري خصوصا، يكون الاحتمال الأكثر توقعا هو رغبة موسكو في تعزيز هذه الشراكة بما يخدم مصالحهما كبلدين طاقويين، فلافروف أعلن ذلك صراحة عندما قال إنّ موسكو تدعم مبادرة جزائرية لتوقيع وثيقة شراكة استراتيجية جديدة بين البلدين، وأوضح في تصريحات أدلى بها خلال هذه الزيارة، بأنّ العلاقات بين روسيا والجزائر عرفت تطورا سريعا في جميع المجالات، ويُنتظر اعداد وثيقة استراتيجية تزيد من حجم هذه العلاقات الثنائية، تريد روسيا تعزيز الحوار السياسي، الطاقوي، التقني، التجاري، والعسكري، ومجالات أخرى كانت قد نصت عليها اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الثنائية الموقعة سنة 2001، وخلال السنوات الأخيرة، بدا واضحا التقارب الروسي الجزائري القويّ في عديد المجالات لا سيما الدبلوماسية، ولعل هذا ما جعل الجزائر لا تتسرع في اتخاذ مواقف معادية لموسكو، أو بعبارة أدق، عرفت الجزائر جيدا كيف تحافظ على تحالفها مع موسكو وعارضت قرارات أممية لم تكن في صالح روسيا، فمثلا، رفضت الجزائر التصويت ضد قرار أممي يقضي بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الانسان الأممي بسبب حربها على أوكرانيا، وهذا الموقف أشادت به موسكو مما يزيد من ثقتها في الجزائر كحليف استراتيجي، علما أن علاقات البلدين قديمة وجيدة، دون أن ننسى بأن روسيا أيام الاتحاد السوفياتي كانت أول دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع الجزائر غداة استقلاها عن فرنسا في 1962، ودون نسيان اعتراف الجزائر بميلاد روسيا الاتحادية كدولة سنة 1991 بعد انهيار "المعسكر الشرقي". 

إن المواقف الحيادية التي اتخذتها الجزائر من الأزمة الروسية الأوكرانية منذ بدايتها، جعلها تكسب الاحترام من الجميع، فهي دولة صديقة لروسيا وأوكرانيا في نفس الوقت، ولديها علاقات شراكة معهما، مع ذلك لم تتخذ مواقف معادية لروسيا، بل اكتفت بالدعوة إلى حل دبلوماسي، وعارضت قرارات لم تكن في صالح روسيا، إذن، يبدو التقارب الروسي الجزائري واضحا، أي ربما، وهذا احتمال وارد، يراها الغرب كحليف سياسي واستراتيجي قوي لروسيا، ويجب اخذه بعين الاعتبار، ربما يؤثر الموقف الدبلوماسي الذي ظهرت به الجزائر منذ اعلان روسيا الحرب على أوكرانيا على مستقبل علاقاتها مع الغرب، على اعتبار أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يرى الجزائر بعين الحذر، لأنها أولا، دولة طاقوية (نفط وغاز)، وتملك جيشا قويا في المنطقة وتسلحها لافت للانتباه، ولديها منظومة دفاعية لا يستهان بها مما يُقلق الضفة الشمالية للمتوسط، خاصة اسبانيا وفرنسا، إذن، قد ترى روسا هذه النقطة مهمة وقد تسعى لتعزيز شراكتها في كل المجالات مع الجزائر بما يزيد من حجم تموقعها في حوض المتوسط، ولعل هذه هي حاجة الجزائر اليوم، أي التموقع فعلا كقوة إقليمية متوسطية وشمال افريقيا، لذلك اتسمت مواقفها الدبلوماسية بالشدّة والحزم منذ وصول الرئيس تبون إلى الحكم، سواء مع المغرب أو فرنسا أو اسبانيا، أي أن رغبة الجزائر واضحة في البحث لنفسها عن موقع في الخارطة الجيوسياسية الجديدة للعالم بعد نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، والتي حتما ستسفر عن ميزان قوة جديد، في حال فوز روسيا ونجاحها في فرض شروطها على الغرب.

يُنتظر أن يلتقي الرئيس الجزائري تبون بنظيره الروسي بوتين في موسكو عن قريب، لكن ما الذي يدور في عقل بوتين بخصوص الجزائر يا ترى؟ ما الذي سيقوله لتبون الذي أشاد في لقاءه مع لافروف بعمق الصداقة الجزائرية الروسية، هل سيطلب بوتين من نظيره أن يلعب دورا دبلوماسيا لحل الأزمة مع أوكرانيا مثلا؟ أم أن هناك حسابات أخرى يتم الترتيب لها، هل سنشهد اعلان اتفاق شراكة جديد من شأنه أن يقويّ التحالف الاستراتيجي بين البلدين؟ وكيف سيؤثر ذلك على علاقات الجزائر مع شركاءها الأوروبيين؟ أو بعبارة أخرى؟ هل سيضع ذلك الجزائر في خانة الدول المغضوب عليها من قبل الغرب؟ أم أن الجزائر ستخرج هي الرابح الأكبر من هذه الشراكة؟