مصطفى حفيظ

يبدو أن سياسة الحياد الإيجابي الذي انتهجتها الجزائر إزاء الصراعات والنزاعات الدولية عادت عليها بالإيجاب، حيث نالت ثناء من روسيا والولايات المتحدة في وقت واحد ويوم واحد، فروسيا تقول إنها تدعم الخط المتوازن الذي تنتهجه الجزائر في الشؤون الإقليمية والدولية، والولايات المتحدة ترى أن الجزائر شريك قوي للسلام والاستقرار في المنطقة وفي القارة، وهذه المواقف جاءت بعد أيام من الهوشة التي أحدثها تقرير السناتور الأمريكي الذي طالب بلاده بفرض عقوبات على الجزائر بسبب شراءها المكثف للسلاح الروسي. فهل يمكن القول بأن الجزائر نجحت بسياستها الحيادية في احتلال مكانة دولية تليق بها كدولة متوسطية وشمال افريقية قوية، إذا أخذنا بعين الاعتبار موقعها الاستراتيجي، وقدراتها الطاقوية والعسكرية؟

يجب الإشارة أولا، إلى أن الجزائر تنتهج سياسة الحياد الإيجابي منذ استقلالها، فهي تقف دوما في الوسط عندما تكون هناك نزاعات بين الدول، سواء في المنطقة العربية، أو في افريقيا، أو حتى في القارات الأخرى، وكثيرا ما كانت مواقفها الدبلوماسية مزعجة، خاصة عندما تعلق الأمر ببعض التحالفات التي حصلت هنا وهناك ضد دولة عربية ما، حيث رفضت دوما المشاركة في تلك الحروب التي كانت مبرراتها غير مقنعة بالنسبة لها، مثلما حدث في التحالف العربي ضد اليمن، أو حتى عندما دخل الناتو إلى ليبيا وأسقط النظام، أو حتى عندما وقف الجميع ضد سوريا من أجل اسقاط نظام الأسد، لقت ظلت الجزائر دوما محايدة، صحيح أنها همّشت، وتدهور دورها الدبلوماسي في بعض الأوقات الصعبة التي مرّت بها داخليا خاصة، يمكن القول هنا، إنها غابت عن الساحة لفترة، والسبب ربما كان الفساد الذي عرفته فترة الرئيس الراحل بوتفليقة، أو صعود قوى أخرى في المنطقة العربية والافريقية التي نجحت في البروز دبلوماسيا وسياسيا في الساحة الدولية كأطراف فاعلة.

واليوم، مع اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا المدعومة من الغرب، كثر اللغط بشأن مواقف الجزائر إزاء هذا النزاع، فبرغم انتهاجها للحياد، اتهمها البعض بالتحالف مع روسيا، لكن موقفها كان متزنا على حدّ وصف وزير الخارجية الروسي لافروف، وها هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث عن الجزائر بشيء من الثناء لدرجة أن البعض اعتقد بأنه اعلان تحالف روسي-جزائري بشكل ما، قال بوتين إنّ "روسيا تدعم الخط المتوازن الذي تنتهجه الجزائر في الشؤون الإقليمية والدولية،" داعيا إلى "مواصلة العمل معا لتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الصحراء والساحل."، قد يبدو هذا من جهة، دعما روسيا لسياسة الجزائر الخارجية ورؤيتها في حل النزاعات الدولية، لكن يؤكد أيضا أن روسيا ترى في الجزائر شريكا استراتيجيا قويا في المنطقة، أو ربما حليفا عسكريا محتملا، بالنظر إلى التعاون في هذا المجال والمناورات العسكرية الجزائرية-الروسية المرتقبة قبل نهاية العام، بالمقابل، قد ينظر السياسيون في أمريكا إلى هذا التصريح على أنه تأكيد لما ذهب إليه السيناتور الأمريكي مارك روبيو عندما طالب بلاده بفرض عقوبات على الجزائر بسبب شرائها المكثف للسلاح الروسي. لكن تلك الهوشة الإعلامية التي أحدثها هذا السيناتور، والتزمت الجزائر الصمت ازاءها، جاء الرد عليها من السلطات الأمريكية الرسمية نفسها، حيث امتدحت مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى السفيرة باربرا ليف، على الدبلوماسية الجزائرية، واعتبرتها شريكا قويا للسلام والاستقرار في المنطقة وفي القارة. يبدو أن الولايات المتحدة بدأت ترى في الجزائر فاعلا مهما في شمال افريقيا والشرق الأوسط، لأنه لحد الساعة، لم يصدر أي تصريح رسمي ردا على تقرير السيناتور السالف الذكر، ولا نعرف إن كان هذا يعني أن واشنطن غير متوجسة من تسلح الجزائر برغم علمها بذلك، أو أنها فهمت بأن الجزائر صارت دولة محورية في عملية السلام في المنطقة، زيادة عن كونها شريكا اقتصاديا لا يجب خسارته، خاصة من الجانب الطاقوي، ونحن نرى هذا التهافت على الجزائر من أوروبا، وفرنسا مؤخرا، وكيف بدأت تتنازل عن بعض المواقف خدمة لمصالحها، فمثلا، أصدر مجلس الدولة الفرنسي منذ أيام قرارا بوقف الصادرات الزراعية من أراضي الصحراء الغربية نحو فرنسا. يوضح هذا كيف يتعامل الغرب بمنطق البراغماتية عندما يرى في بلد طاقوي كالجزائر مصلحته.

ما نريد قوله هنا، هو أن الجزائر تمكنت على ما يبدو من فرض فرضت نفسها كلاعب فعّال في الساحة الدولية وكسبت احترام الجميع، أو على الأقل الدول الكبرى، فهي من جهة، لم تتورط مع أي طرف بحكم سياستها الخارجية المبنية على عقيدة الحياد الإيجابي، ومن جهة، نجاحها في تحويل أزمة الطاقة في أوروبا لصالحها، أي أنها استغلت الصراع الروسي مع الغرب لفائدتها، دون أن تخسر تحالفها مع روسيا، وكسبت ثقة الولايات المتحدة برغم حقيقة تسلحها اللافت للانتباه، فهل ستضع قدما لها في المنظومة الدولية الجديدة التي سيفرزها الصراع الروسي مع الغرب في الوقت الراهن، لو فرضنا بأن الصراع سيغير خارطة العالم الجيوسياسية، وافترضنا بأن الجزائر أصبحت دولة قوية طاقويا وعسكريا واقتصاديا؟