كنت من أوائل الذين طالبوا السيد علي زيدان بالرحيل بعد ان عجز وعجزت حكومته عن تحقيق ما كانت تطمح اليه جماهير الشعب الليبي من الامن والأمان والاستقرار والتنمية. وقلت انه ضعيف الشخصية وضعيف الإرادة ولا يحسن الا شيئا واحدا هودعوة الليبيين الى الصبر.! ثم تبين لي فيما بعد ان هذا "الصبر" الذي يبدوان السيد علي زيدان يحمل الكثير منه هوالذي وفر له النجاة اخيراً من "وادي الذئاب" التي تكالبت عليه من كل مكان ولم تترك صغيرة ولا كبيرة لعرقلة حكومته وتعطيل برنامجه بل انها تجرأت على اختطافه من غرفته في احد الفنادق وربما كانت تنوي اغتياله ايضا.!؟ كتبت ما كتبته وقلت ما قلته وانا كما انا دائماً صادق مع نفسي ومع الناس لا ابتغي غير صالح الوطن...

كنت مقتنعا انه ليس رجل المرحلة وانه غير قادر على السباحة في بحر ليبيا الهائج والمليئ بأسماك القرش وبالحيوانات البحرية السامة وبالحفر المائية الخفية التي تسحب الناس الى القاع ثم تنتهي حياتهم غرقا في أسفل سافلين. كنت أقول واكتب ذلك وانا مشفق على الرجل ولكنني لم أشك قط في وطنيته وفي نزاهته وفي إخلاصه لليبيا والليبيين. كنت أقول واكتب ذلك وانا مقدر لدوره في معارضة نظام الطاغية قبل الثورة ومقدرايضا لدوره في دعم الثورة والدفاع عنها في المحافل الدولية في وقت كانت تلك الثورة في امس الحاجة الى جهود أمثاله من الليبيين القادرين على تقديم وجه جديد لليبيا ١٧ فبراير بعد ان بات ذلك الوجه البريء وجها منبوذا من دول العالم اجمع تستعيذ الناس منه كما يستعيذون من وجه الشيطان الرجيم.!!

كنت بالطبع اتابع ما يقال وما يكتب عن قصص الفساد والسرقات وإهدار المال العام والفساد الاداري وغير ذلك من التهم التي يرددها خصومه ومن كانوا ينتقدونه ولكنني لم اكن اصدق كل ما يكتب وما يقال مما لم يقم عليه دليل امتثالا لقول الله تعالى : "يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. " والبينة كما افهمها هي الدليل القاطع الذي يقتنع به ضمير القاضي النزيه بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات والمعايير المتعارف عليها طبقا للقانون ثم يصدر حكما بالإدانة وحتى يصبح ذلك الحكم نهائيا وعنوانا للحقيقة كما يقول رجال القانون. اما ما تتناقله شبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من اتهامات فانه يظل مجرد ادعاء لا دليل عليه. ولكن الأسئلة الاهم قبل كل ذلك وبعده هي:

هل هذاهوالوقت المناسب لإقالة السيد علي زيدان!؟... هل يملك الذين اقالوه السلطة لإقالته بعد انتهاء صلاحية المؤتمر الوطني العام يوم 2014/2/7!؟... هل يجوز سحب الثقة من رئيس الحكومة وحده دون باقي أعضائها!؟... هل الطريقة التي تم بها التصويت مطابقة لما تنص عليه اللائحة الداخلية للمؤتمر المنتهية صلاحيته!؟... هل كانت هنالك حقاً الأغلبية المطلوبة لحجب الثقة!؟... ام ان العملية كلها كانت مسرحية ماكرة دبرت بليل!؟. ماذاكان الهدف الحقيقي من إقالة علي زيدان!؟... من هم المستفيدون من إقالة علي زيدان!؟... هل كان قرارعلي زيدان بالرحيل بعد إقالته صائبا!؟. وقد تكون هناك عشرات من الأسئلة الاخرى التي من شانها ان تلقي ظلالا كثيفة من الشك حول مدى دستورية ما حدث وحول ما اذا كان هذا هوالوقت المناسب لسحب الثقة من اية حكومة تحت هكذا حال.

فماذا كان حال ليبيا عشية إقالة رئيس حكومتها!؟.... احتقان سياسي بلغ مداه يهدد وحدة الوطن.!! تأهب واستنفار في صفوف الكتائب والجماعات المسلحة يهدد باشتعال حرب أهلية بين أبناء الوطن الواحد.!! أزمة "سيادية" غير مسبوقة بسبب دخول ناقلة نفط بصورة غير شرعية الى احد الموانئ النفطية وبدء شحنها بالنفط الخام تحت حماية جماعة مسلحة خارجة عن سلطة الدولة وعجز "الدولة" عن القيام باي شيئ لمنع ذلك.!! تضارب واختلاف البيانات التي تصدر عن الناطق باسم "الحكومة" وباسم الجماعات المسلحة  حول حقيقة ما يجري.!! احتقان وغضب في أوساط الجماهير الليبية التي لم تعد تعلم الحقيقة حول هذه القضية وسط التخبط والتناقض في البيانات والتصريحات.!!

نام الناس على تصريح بعد منتصف الليل من احد وزراء الحكومة بانه قد تمت السيطرة على الناقلة وانه يجري اقتيادها الى احد الموانئ النفطية الخاضعة لسلطة "الحكومة" في غرب البلاد ليكتشفوا في صباح اليوم التالي ان الباخرة خرجت من المياه الإقليمية الليبية ودخلت المياه الدولية بحمولتها غير الشرعية من النفط الليبي الى وجهتها الغير معروفة!. وفي نفس الليلة ووسط كل هذا الاضطراب السيادي والغضب الشعبي والغياب التام للمصداقية والكذب "المفلق" على الناس تتم إقالة رئيس الوزراء وتكليف وزيرالدفاع الذي فشلت وزارته في إنقاذ "شحنة" مسروقة من النفط الخام. لتولي رئاسة "الحكومة" لانقاذ "الوطن" من كل هذه المشاكل القائمة.!! ثم نشرت بعض المواقع صور بعض اعضاء المؤتمر الفاشل والمنتهية ولايته وهم يرقصون فرحاً بإقالة علي زيدان!! وكأنهم يحتفلون برفع العلم الليبي على سطح القمر.!! اوكما لوانهم لا يعلمون شيئا عن حقيقة المأساة التي يعيشها الليبيون والليبيات.! اوكما لوانهم يعيشون في كوكب اخر!. اوكأنهم لم يستمعوا الى القول المأثور: اذا ابتليتم فاستتروا.!!؟؟ وصدق من قال ان شر البلية ما يضحك.!!

كنت عقب العرس الانتخابي يوم 2012/7/7 اتوقع ان يتولى السيد على زيدان رئاسة المؤتمر الوطني العام وان يتولى السيد محمود جبريل رئاسة الحكومة الانتقالية الاولى طبقا لما أسفرت عنه صناديق الاقتراع حيث صوت اكثر من ثلاثة أرباع الناخبين الليبيين لكتلة التحالف. وربما لوتم ذلك لما وصلت الفوضى السياسية والأمنية في ليبيا الى هذا الحد الذي تجاوز كل الحدود. ولكن المشكلة الحقيقية في الحالة الليبية بدأت بالتآمر من وراء الحجرات كما أقول دائماً على إرادة الشعب الليبي وتم إقصاء كل من زيدان وجبريل من مباشرة مسؤولياتهما كما قرر الشعب الليبي واختار. كانت تلك هي بداية المؤامرة التي أوصلت بلادنا الى حافة الهاوية وكان السيدان علي زيدان ومحمود جبريل اول ضحاياها. والليبيون جميعا يعرفون من هم الذين يعرقلون قيام مؤسسات الدولة ويمنعون اعادة بناء قوات الجيش والشرطة ويتدخلون في عمل السلطة التنفيذية ويتصرف كل واحد منهم كما لوانه رئيس الدولة اورئيس الحكومة وذلك بعد ان منحوا لأنفسهم مرتب ومزايا رؤساء الحكومات.

الان عرف الليبيون والليبيات ان الحكومة الفعلية في ليبيا هي العصابات المسلحة التي اتخذت لنفسها اسماء ما أنزلت الدولة الليبية بها من سلطان وكل منها تنتسب للثورة وترتكب الجرائم باسم الثورة وتسرق وتنهب باسم الثورة وتقطع الطرق باسم الثورة وتعتقل المواطنين وتنشيئ السجون باسم الثورة وتطلق النار على رئيس المؤتمر الوطني باسم الثورة وتخطف وتعتقل رئيس الوزراء زيدان باسم الثورة وتقتحم وتحتل المباني العامة والمقرات الرسمية للدولة باسم الثورة.

ثم جاءت أزمة السيطرة على معظم المرافئ والحقول النفطية في المنطقة الشرقية من احدى هذه العصابات المسلحة والمكلفة بحماية وحراسة تلك المنشآت وتوقف صادرات النفط والغاز ودخل على الخط جماعات مسلحة اخرى أوقفت هي الاخرى إمدادات النفط والغاز من حقول وموانئ الجنوب والغرب بدعوى المطالبة بدسترة اللغة الامازيغية. وأعلنت إدارة منفصلة لإقليم برقة. وكثرت الاغتيالات والسيارات المفخخة في بنغازي وفي مدن ليبية اخرى وسجلت الحوادث كلها ضد مجهول وذلك امام العجز التام للدولة وأجهزتها الغائبة لفرض القانون والنظام. واخيراً جاءت ناقلة السوء حاملة علم كوريا الشمالية ليتم شحنها بالنفط الليبي من ميناء السدرة خارج سلطة الدولة وتحت حراب البنادق والراجمات لما يسمى "بقوة دفاع برقة" وهذه القوة تقول عن نفسها ايضا انها من "الثوار". فالجميع على مسرح الفضائح الليبي ثوار بينما الثوار الحقيقيون احياء عند ربهم يرزقون ولا يرتزقون. لا يغتالون احدا ولا يخطفون احدا ولا يقيمون البوابات الوهمية ولا يسرقون السيارات ولا ينهبون لا المصارف ولا سيارات نقل العملة ولا هم يبيعون ويشترون في أملاك الدولة وأملاك الناس. فرحين بما آتاهم الله من فضله ولكنني لا اعرف ان كانوا مستبشرين بالذين لم يلحقوابهم بعد من" الثوار"  اوانهم مستاؤون منهم. علم ذلك عند الله. تلك إذن كانت حالة الوطن والمواطنين عشية إقالة السيد علي زيدان. فهل هناك في هذه الدنيا الفانية من يفعل مثل ما فعلناه ويقدم على عمل مجنون كهذا ثم يرقص فرحاً بذلك.!!!؟؟؟ اذا كان ذلك هوما حدث فعلا فلا يلومن احد منا السيد علي زيدان على اتخاذه القرار الوحيد أمامه وهوالخروج سريعا من " وادي الذئاب " قبل ان يتم افتراسه!!.

أقول قولي هذا دون ان يعني ذلك عدم محاسبة اي كان ، علي زيدان ، اوغيره حينما يتعلق الامر بجرائم ترتكب ويعاقب عليها القانون ولكن ذلك ينبغي ان يتم وفقا للقانون ووفقا للأصول المرعية وعلى أساس ان الناس متساوون جميعا امام القانون وليس انتقاء اوبتلفيق التهم الباطلة بقصد التشويه اومن اجل أهداف سياسية رخيصة.!! ربما أراح الله السيد علي زيدان وأنقذه من نهاية مأساوية كان يخطط لها خصومه وأعداؤه في مسلسل "نادي الذئاب" الليبي.!! والله وصالح الوطن دائماً من وراء القصد. وحفظ الله ليبيا وشعبها الصابر من كل سوء.