يبدو ان السياسيين الامريكين يدركون تماما ضرورة التلون والاختفاء والتنكر احيانا . والسؤال هو اين نحن العرب في عقلية صناع القرار الامريكي خاصة بعد ان حلمنا بربيع طال بطول نومنا .

كل المفكرين العرب المهتمين بشأن الشرق الاوسط خلال العقود المنصرمة لم يؤكدوا لنا ان السياسة الخارجية الامريكية كان يوما همها دعم التطرف أوما يسمى بالاسلام السياسي وفجأة نجد انفسنا امام حقيقة ربما فرضتها علينا وثائق ويكليكس وسنودن .

وبعد مرور سنوات من حلم الربيع العربي استيقظنا نحن على كابوس فرض علينا وهو ظهور ما يسمى بالاسلام السياسي المتمثل في الاخوان المسلمين الذي اخفق في ادارة شؤون البلاد في مصر وحاول جادا التشبت الى اخر لحظة في الحكم فيها .

بيد ان مصر العربية من خلال جحافلها السياسيين اكتشفوا ان هذا الجسم الغريب لا يمكن ان يبقى دون مساعدة من الخارج .. وهذا ما حدث بالفعل حينما اكدت التقارير الاستخباراتية ان السفيرة الامريكية في القاهرة كانت تنظم اجتماعات سرية مع جماعات الاخوان المسلمين من اجل دعم الحزب البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة .. الا ان العلاقات ساءت بين البلدين وادت تقريبا الى ما يشبه طرد السفيرة الامريكية السيدة (((  أن باتريسون    )))  الملقبة بالمندوب السامي الأمريكي في مصر واتهامها بالقيام باعمال مشبوهة عن طريق دعم الجمعيات الغير حكومية في مصر .

 

ليبيا وبعد مرور ثلاثة سنوات من الثورة التي كانت اهدافها واضحة بالنسبة للذين ضحوا من اجلها الى حين ان قفز جسم غريب عليها هي الاخرة فانتقلت العدوى المصرية الى ليبيا دون أن يشعر الليبيين بهذا الجسم نتيجة لجهلهم بالسياسة وممارساتها .. ولكن الحال اليوم ينطق بكل اللغات ان ليبيا تتعرض لفرض ايدلوجية متأسلمة تحاول السيطرة على ليبيا بكل ما تعنيه كلمة الدكتاتورية .. وهذا الصراع بين الليبيين والاحزاب الاسلامية لم يكن صراع شريف لكون هذه الاحزاب تتلقى في دعم من الخارج تارة عن طريق قطر ... التي تتبنى دعم وتجهيز وأدلجة الجماعات المسلحة الاسلامية في ليبيا ...وتارة اخرى تترك المجال لأمريكا ذاتها وادواتها .

والغريب اننا نجد شخصية أخرى تقوم بنفس المهمة التي كانت تحاول القيام بها في مصر سيدة أخرى وهي ديبرا جونز سفيرة الولايات المتحدة لدى ليبيا تتحرك في ليبيا بكل حرية واطمئنان لا بل هي تتمتع بحماية وامان اكثر من اي ضابط او ناشط ليبي يقتل كل يوم .

 فهي ومنذ ان تولت مهاهما في ليبيا وكأنها احد افراد الرئاسة الليبية وهذا ليس بسر فعندما تتابع صفحة العلاقات الامريكية – الليبية على شبكة التواصل الاجتماعي تلاحظ ان العديد من الاشرطة المرئية والصور تتحدث عن احداث ومناسبات واحتفالات ومقابلات مع اعلى رؤس الدولة الليبية سواء كانوا من المؤتمر الوطني العام او من الحكومات المؤقتة او حتى مع اركان الجيش ووزارة الدفاع الليبية بعيدا تماما عن اساسيات البرتكولات الدبلوماسية التي تضع حدا لتحركات السفراء داخل البلاد .

 

 

ولكن ليبيا التي يقول عنها البعض انها تقرأ من جهتين صارت تقرأ من جهة واحدة في قاموس السياسة الخارجية الامريكية . نهج واحد . اتجاه واحد ... وهو دعم أحزاب الاخوان المسلمين في ليبيا .

 

في الحقيقة هو نجاح للسياسة الخارجية الامريكية عندما تختار شخصية مثل ( ديبرا جونز ) فهي كما تقول عنها مواقع المعرفة الالكترونية ويكيبيديا والسيرة الذاتية المنشورة لها فهي مخضرمة في الشؤون العربية والدولية ولها ادوار تذكر ومهام لا يمكن الاغفال عنها فالسيدة ( ديبرا جونز ) قصيرة المقام طويلة التصويب للأهداف .

فقد خدمت كاحدى كبار مستشارو الخارجية فقبل ان يرشحها الرئيس أوباما لتكون سفير الولايات المتحدة في ليبيا في مايو 2013 . جونز الباحثة في معهد الشرق الأوسط في الفترة من أغسطس 2012 إلى مارس 2013. وقبل ذلك كمستشار لشؤون الأمن القومي في كلية الحرب البحرية الأمريكية في نيوبورت رود ايلاند. كما شغلت  جونز منصب سفير الولايات المتحدة لدى دولة الكويت 2008-2011 و كانت ايضا موظفة رئيسية في القنصلية الأمريكية العامة في اسطنبول  تركيا عامي 2005-2007 . كما كلفت بمهام إضافية في الخارج منها المشاركات في الأرجنتين والعراق و تونس وسوريا و أثيوبيا ( وكلفت كمسؤولية اقليمية لإريتريا وجيبوتي و السودان ) وشغلت مهام ادارية بمركز ما يعرف بعمليات الطابق السابع ، ومساعد لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى و جنوب آسيا ، وكمستشارة للشؤون العامة بالنيابة للأمين المساعد لشؤون الشرق الأدنى ، ومسؤول عن مكتب الأردن ومدير مكتب شؤون شبه الجزيرة العربية وإيران ، وكذلك رئاسة مجلس الممتحنين للخارجية الامريكية.

انضمت السفيرة جونز الى وزارة الخارجية في عام 1982. بعد ان تلقت شهادة البكالوريوس في التاريخ بدرجة الامتياز تحصلت عليها من جامعة بريغهام يونغ . كما نالت درجة  " الخريجة المتميزة " من كلية الحرب الوطنية بجامعة الدفاع الوطني ثم نالت شهادة  الماجستير في الأمن القومي الاستراتيجي.

 

ومن اهم الورقات التي كتبتها كانت بعنوان " استراتيجية الأمن القومي المنقش " واعتبرتها الوثيقة السياسية التي " تقيم " استراتيجية الأمن القومي في إدارة كلينتون وانها صورة جديدة للقرن "، والتي صدرت في مايو 1997.

درست ديبرا جونز أيضا اللغة العربية في معهد الخدمة الخارجية في روسلين ، فرجينيا

وبمدرسة وزارة الخارجية الميدانية في تونس العاصمة .

وتعتبر ديبرا جونز من فئة الوزراء المستشارين منذ 1982 حيث شملت التعيينات الوظيفية لها في وقت مبكر . فبعد مرور عامين اصبحت مدير مكتب شؤون شبه الجزيرة العربية وايران . وكموظف مساعد لوزير الخارجية ريتشارد مورفي من نفس المكتب وقتما كان هو مسؤول لمكتب الارتباط بالأردن ، كما شملت التعيينات التي كلفت بها في الخارج في وقت مبكر بدأ من بغداد العراق و بوينس آيرس الأرجنتين .

وفي اعوام التسعينيات تنططت جونز بين الشرق الأوسط والعاصمة السياسية واشنطن حيث خدمت رئيس القسم القنصلي في السفارة الأميركية بدمشق سوريا بين 1990-1991 ، ورئيسة القنصلية / بالقسم القنصلي الإقليمي في السفارة الامريكية في أديس أبابا  إثيوبيا منذ عام  1992-1994 . كذلك في واشنطن حيث شغلت منصب القائم بأعمال مستشار الشؤون العامة لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى 1994-1995 .

وبعد حصولها على  درجة الماجستير في عام 1998 اصبحت جونز نائب رئيس البعثة في السفارة الامريكية في أبو ظبي الإمارات العربية المتحدة ، حيث عملت منذ 1998-2001 ، ومن تم عادت إلى واشنطن لتكون بمثابة مدير مكتب الشؤون شبه الجزيرة العربية وإيران 2002-2004 ثم كضابط ارتباط رئيسي في القنصلية العامة في اسطنبول تركيا 2005-2007 .

 

 

ديبرا  جونز  من مواليد 1956 متزوجة من ضابط يدعى ريتشارد جي أولسون والذي كان سفيرا لباكستان منذ سبتمبر 2012 و لديهما ابنتان. وديبرا جونز تتحدث العربية والإسبانية و الفرنسية ... عائلة بعضها من بعض .

فكل هذه المهام خولتها الى ان تترشح خلفا للسفير الامريكي كريستوفر ستيفنز الذي قتل في مدينة بنغازي في ذكرى تفجيرات  11 . سبتمبر   .

 

هل كل هذه المواصفات تجعل من ديبرا جونز الشخص المناسب لرعاية احزاب الاسلام السياسي في بلادنا ؟ ولما لا فالحكومة الامريكية مع النفاق في السياسة الخارجية في حاجة الى مثل تلك الشخصيات ..

ليس ببعيد فان السيدة السامية ديبرا هي الاخرى لها نشاطات عديدة في المجتمع المدني العالمي والاقليمي فهي تقوم يتنظيم والاشراف على معظم البرامج الامريكية المتعلقة بالمعونات التي تتلقاها جمعيات المجتمع المدني ..فما اقامة وجبات الافطار والاجتماعات التي تليها بفندق كورنثيا بطرابلس العاصمة الا خير دليل على التحرك المشبوه التي تقوم به السفيرة السامية ديبرا جونز وكذلك العهود التي تمنحها لبعض الاحزاب السياسية من الدعم المادي من خلال برامج الاعداد التي تتبناها من خلال التزاماتها مع المنظمات الدولية .

 

لا بل تقدم الوعود لبعض المدن لاقامة قنصليات امريكية فيها .. تجارة دبلوماسية .. مادام كل الطرق تؤدي الى اسطنبول فلما .لا. وربما بمباركة نظرائها في المنطقة

نلاحظ انه هناك تشابه ملموس بين اعمال السفيرة الامريكية السابقة في مصر واعمال سفيرة امريكا في ليبيا تشابهت اعمالهم واهدافهم .

 

الحكومة الامريكية وبعد إعلانها عن الكثير من الجماعة المسلحة بانها جماعات إرهابية فلماذا قال مسئول أمريكي أن إدارة الرئيس أوباما لا تدرس أو حتي تناقش إحتمال أن يتم تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية؟ إن الأمريكيين يتحدثون على أنه من المهم أن تكون هناك عملية سياسية ديمقراطية شاملة لكل الأطراف, وتحترم حقوق الإنسان لكل الليبيين, من أجل تحقيق الإستقرار السياسي والتغيير الديمقراطي ومن هنا فهم يضغطون من أجل إشراك الإخوان في العملية السياسية الديمقراطية! . إن الولايات المتحدة القوة الأكبر في العالم تتصرف باعتبارها مسئولة عن نشر الديموقراطية في العالم.

 حسنا ... ولكن للأسف فإن تلك القشرة المثالية تخفي الحقيقة الأهم في السياسة الدولية, وفي سياسات كل الدول, وهي وجود مصالح للدول لاتتسق بالضرورة مع تلك المثاليات. الولايات المتحدة تدعم الإخوان لأسباب عملية ومصلحية أساسية:

 

أولا - لأنهم كانوا أحد أدواتها الرئيسة في محاربة الشيوعية منذ تزعم الولايات المتحدة للعالم الغربي بعد الحرب العالمية الثانية, وانتقال رعاية الإخوان من بريطانيا إليها!

مثلما رعت بعد ذلك أيضا تنظيم القاعدة وبن لادن لمحاربة الشيوعية في أفغانستان واحتضن الأمريكيون الإخوان ايضا لمحاربة دعوة القومية العربية التي قادها عبد الناصر, ودعوا في ذلك الحين إلي إقامة الحلف الإسلامي الذي حاربه عبد الناصر أيضا, وظل الإخوان بعد ذلك علي علاقتهم الوثيقة مع الأمريكيين.

 ثانيا- فالإخوان كانوا هم الأداة الأمثل للحفاظ علي أمن إسرائيل, الذي هو أيضا في مقدمة المصالح الأمريكية في المنطقة, فطبع الصراع بالطابع الديني( اليهودي-الإسلامي) أولا يحقق هدف إسرائيل في إضفاء مشروعية دينية عليها, ومن ناحية ثانية فإن وجود مقاومة إسلامية ممثلة في حماس كان هاما لشق صف حركة المقاومة الوطنية الفلسطينية.

 

نحن في ليبيا يجب ان ندرك هذه الحقائق ونستيقظ من هذا الكابوس المدعوم من امريكا نفسها خاصة بعد فشل المساعي الرامية لقيام حزب الاخوان المسلمين بالمهام الامريكية فهم يحاولون نقلها الى ليبيا .

فهل تنجح العبقرية ديبرا في تحقيق اهداف السابع عشر من فبراير بالطعمة الاخوانية ام ان الشعب الليبي سيشتري الجمل بما حمل ويبع كل شئ في سوق النخاسة عندما يتعلق الامر بمصير وطن وبمصير اجيال قادمة دفع لها الغالي والنفيس  .

تاريخ يجب ان يوثق هذه الحقائق حتى تطرق الاجراس لمن رغب ان يبني وطن قاب ان يلعننا بأفعالنا.