محمد الأمين ولد الفاضل، قيادي في المبادرة التي تقدمت مؤخرا بخارطة طريق للخروج من "الأزمة" السياسية في موريتانيا، وهو أحد الأعضاء الخمسة المكلفين بالتحدث والتفاوض باسمها،  وهو أيضا  ناشط جمعوي يرأس مركز الخطوة الأولى للتنمية الذاتية وهي منظمة غير حكومية.

ولد الفاضل التقت به بوابة إفريقيا الإخبارية وأجرت معه حوارا في نواكشوط، تناول (نداء الرابع من ديسمبر) وهو عنوان المبادرة التي أجرى قادتها مؤخرا عدة لقاءات مع الزعماء السياسيين في موريتانيا ، وأصدرت خارطة طريق بخصوص الانتخابات الرئاسية القادمة ودعت المعارضة الموريتانية لتأسيس جبهة موحدة ومقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة والعمل على إفشالها، إذا لم يستجب النظام للشروط التي تضمنتها خارطة الطريق المذكورة.

سؤال: بداية حبذا لو تحدثتم لنا عن طبيعة مبادرة (نداء الرابع من ديسمبر)، وما أهم أهدافها؟

جواب: نداء الرابع من ديسمبر هو صرخة شبابية أطلقتها مجموعة من الشباب الموريتاني المهتم بالشأن العام فيما بين الشوط الأول والشوط الثاني من انتخابات 23 من نوفمبر. وهو ثورة على أساليب المبادرات التقليدية التي كانت تأتي في الأساس من طرف السياسيين، هذه المرة جاءت المبادرة من الشباب الذي قرر أن لا يترك المبادرات والحلول في أيدي السياسيين لوحدهم، وأن يشارك بآرائه وبأفكاره في البحث عن مخرج من هذه الأزمة العميقة التي تتخبط فيها بلادنا منذ فترة.

 وهذا النداء يهدف أساسا لإنقاذ الديمقراطية في موريتانيا، وذلك من خلال مدخل فرض التناوب السلمي على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، لأنه في ظل غياب إمكانية التناوب السلمي على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، فإن هذا التناوب سيحصل حتما عبر آليات أخرى كالانقلابات والتي لم نعد بحاجة إلى مزيد منها في موريتانيا، أو عن طريق الثورة والتي نعتقد بأنها قد لا تكون مأمونة في بلد كبلدنا ما تزال لحمته الاجتماعية هشة جدا.

سؤال: أجريتم في نداء الرابع من ديسمبر عدة لقاءات مع زعماء سياسيين من مختلف الطيف السياسي الموريتاني، وتوجتم ذلك بإصدار خارطة طريق بخصوص الانتخابات الرئاسية القادمة، كيف كان تجاوب كل طرف معكم بخصوص تلك المبادرة؟

جواب: لقد أطلقنا هذا النداء في لحظة سياسية كانت مربكة للجميع، مربكة لأولئك الذين شاركوا في انتخابات 23 من نوفمبر، وكذلك للذين قاطعوها على حد سواء، فالكل قد خرج من انتخابات 23 من نوفمبر مرتبكا (السلطة مرتبكة لأنها تعلم بأن انتخابات 23 من نوفمبر لم تخرج البلاد من أزمتها السياسية، المعارضة المقاطعة مرتبكة لأنها لم تستطع أن تعرقل انتخابات 23 نوفمبر، والمعارضة المشاركة مرتبكة هي أيضا بسبب ضعف ما حققت من نتائج).

في ظل هذا الارتباك الذي عم الجميع تم إطلاق نداء الرابع من ديسمبر، ولذلك فلم يكن بإمكان السياسيين أن يرفضوه لأنه ليس هناك أي بديل له، أما من حيث القبول فيمكن القول بأن الجميع قد تقبل النداء، وإن كانت درجة القبول تختلف من حزب لآخر، ومن كتلة لأخرى.

وفي المجمل يمكنني أن أقول لكم وباطمئنان، بأن التجاوب مع النداء كان مقبولا ومشجعا لدرجة شجعتنا على مواصلة الجهود حتى نتوصل إلى اتفاق بين أحزاب المعارضة الموريتانية التي تعيش اليوم تفككا غير مسبوق.

سؤال: دعوتم في وثيقتكم الأخيرة الصادرة بتاريخ 09 ـ 01 ـ 2014، لتأسيس جبهة تجمع أحزاب المعارضة المقاطعة منها والمشاركة في الانتخابات الأخيرة، وأن تتخذ موقفا موحدا من الانتخابات الرئاسية القادمة، هل تعتقدون أن المعارضة التي خاضت الانتخابات الماضية، يمكن أن تتراجع عن خيار المشاركة الذي اعتبره أحد أطرافها خيارا استراتيجيا بالنسبة له؟

جواب:  الانتخابات الرئاسية ليست كالانتخابات التشريعية والبلدية، فهي لن يفوز فيها إلا مرشح واحد، ولذلك فقد لا يكون مغريا لأحزاب المعارضة الدخول في هذه الانتخابات التي لن ينجح فيها إلا مرشح واحد، ولذلك فمقاطعتها قد لا تكون صعبة على حزب معارض كما هو الحال مع مقاطعة الانتخابات التشريعية أو البلدية، والتي يبقى حصول المشارك فيها على نائب هنا أو عمدة هناك احتمالا قائما وقويا مهما كان حجم ذلك الحزب.

 في الانتخابات الرئاسية لا يمكن لأحزاب المعارضة أن تبرر مشاركتها في هذه الانتخابات بأنها لا تستطيع أن تفرط في العدد القليل الذي يمكن أن تحصل عليه من النواب أو من المستشارين البلديين، وذلك لأن المقعد المتنافس عليه في الانتخابات الرئاسية هو مقعد واحد، فإما أن تحصل عليه كاملا، أو تخسره كاملا، ومن هنا فنحن نرى بأن مقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون أكثر سهولة على بعض أحزاب المعارضة من مقاطعة الانتخابات التشريعية والبلدية، خاصة أن هذه الانتخابات ستنظم بعد انتخابات تشريعية عانت فيها المعارضة المشاركة من عمليات تزوير فاضح، ومن تدخل غير مسبوق للحكومة وللدولة في مجريات العملية الانتخابية. 

سؤال: قرأ بعض المراقبين من نبرة وثيقتكم الأخيرة بخصوص خارطة الطريق، انحيازا لخط المعارضة بدعوتكم لهذه الأخيرة بإفشال الانتخابات الرئاسية إذا لم يستجب النظام للشروط التي طرحتم في الوثيقة، فما هو تعليقكم على ذالك؟

جواب:  قد يفهم البعض بأننا أكثر انحيازا للمعارضة، ولكن الحقيقة هي أننا أكثر انحيازا للديمقراطية، وللدولة الموريتانية . ونحن في اعتقادنا بأن مصلحة الديمقراطية في موريتانيا تفرض على الجميع أن يعمل من الآن لكي تكون الانتخابات الرئاسية القادمة مختلفة تماما عن الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية التي أعادتنا للأسف إلى عهد القبيلة والعرق والجهة.

فالدولة الموريتانية، وديمقراطيتها الناشئة بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى معارضة قوية قادرة على فرض الشروط اللازمة من أجل انتخابات رئاسية شفافة، أو على إفشال أي انتخابات غير توافقية أو غير شفافة في حالة رفض السلطة لتلك الشروط التي أصبح لابد منها من أجل تنظيم أي انتخابات تتوفر على الحد الأدنى من الشفافية ومن التوافق. وفي الأخير فإننا نعتقد بأن الانحياز في مثل هذا الوقت للمعارضة الموريتانية هو انحياز للسلطة القائمة، لأنه في ظل غياب معارضة قوية، وفي ظل فقدان الجميع للأمل في التناوب السلمي على السلطة، وفي ظل استمرار تنظيم انتخابات غير شفافة، فإن احتمال حدوث انقلاب أو ثورة سيظل في تصاعد، ومن المؤكد بأن مصير السلطة القائمة لن يكون مريحا في حالة حدوث انقلاب أو ثورة.

سؤال:  ما هو تقييمكم للانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة؟ وكيف ترون مستقبل الساحة السياسية في موريتانيا؟

جواب:  كانت انتخابات سيئة جدا، وكانت اللجنة المشرفة عليها سيئة أيضا لدرجة أنها جعلت البعض يحن إلى ذلك الزمن الذي كانت تشرف فيه وزارة الداخلية على العملية الانتخابية، فوزارة الداخلية كانت على الأقل تمتلك شيئا من الحرفية والمهنية في عمليات التزوير، وهو الشيء الذي افتقده اللجنة الحالية.

أما مستقبل الساحة السياسية فهو لا يبشر بخير، وذلك بعد أن أفرزت الانتخابات الماضية مجالس بلدية وبرلمانية تتشكل أغلبيتها من غير السياسيين، وإنما من أشخاص اعتمدوا في نجاحهم على القبيلة أو على الجهة أو على أشياء أخرى لا صلة لها بالسياسة ولا بالبرامج الانتخابية.

وعموما فإن الانتخابات الأخيرة قد زادت من تفكك وتشتت المعارضة. كما زادت من تفكك وتشتت الموالاة وهو ما سيزيد الأمور تعقيدا.

سؤال: تتباين الآراء حول "الثورات" التي اندلعت 2011 في بعض الدول العربية أو ما سمي "الربيع العربي" ، كيف ترون نتائجه لحد الآن؟

جواب: لاشك أن "الربيع العربي" قد فقد الكثير من ألقه وبريقه، ولاشك بأنه لم يعد مغريا للكثيرين كما كان في مطلع العام 2011، ولا شك بأنه لم يعد في العام 2014 مطلبا جذابا يمكن أن تلتف عليه جماهير الشعوب التي تعاني من الاستبداد، ولذلك فنحن في النداء قد استبعدناه في وثيقتنا، كم استبعدنا الانقلابات، ولذلك فإن جهدنا سينصب على العمل من أجل إيجاد آليات قادرة على فرض التناوب السلمي على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، وذلك حتى لا نفتح المجال لثورة أو لانقلاب لا أحد يمكن أن يتنبأ بخواتمهما.

سؤال: هل من كلمة أخيرة تودون إضافتها؟

أود أن أشكر كل أولئك الذين وقعوا على نداء الرابع من ديسمبر، ومنحونا ثقتهم بتلك التوقيعات. كما أود أن أتوجه إلى من لم يوقع حتى الآن بأن أطلب منه أن يوقع، وذلك لأن النداء لا يستمد ثقله إلا من حجم الموقعين عليه من الشباب الموريتاني.

حوار/ سيدي محمد بن محفوظ