مساء الجمعة الماضي،وصل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم، عبدالله باتيلي إلى العاصمة الليبية طرابلس،في زيارته منذ تكليفه بمنصبه،في 3  سبتمبر/أيلول الماضي، لقيادة جهود المنظمة الاممية،في مساعدة الليبيين لأستعادة الامن والاستقرار وانهاء سنوات من الصراعات والانقسامات التي أغرقت ابلاد في أزمات طويلة.

وكان في استقبال المبعوث الاممي الجديد، وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي، بحكومة الوحدة، عمر كتي،الذي عبر في تصريح صحفي، عن ترحيب  الحكومة بالمبعوث، ودعمه في مهمته، والاستعداد لتقديم الدعم والمساندة له، وتذليل العقبات أمام مساعيه لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والمصالحة الوطنية وإقامة الانتخابات التشريعية والرئاسية في اقرب وقت ممكن.

وعود باتيلي

المبعوث الاممي الجديد،استهل وصوله الى ليبيا،بالتعهد بإطلاق "مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات شاملة ذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة، بالاستناد إلى إطار دستوري متين".وأكّد باتيلي أنّ "استعادة العملية الانتخابية كفيلة بتعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار وتجديد شرعية المؤسسات في البلاد".".

واشار باتيلي الى إنه سيتولى "المساعي الحميدة للأمم المتحدة والقيام بجهود الوساطة من أجل التوصل إلى حل سلمي ومستدام يقوده ويملك زمامه الليبيون"، مضيفا أنه سيتولى الإشراف على عمل البعثة.وفق ما جاء في بيان نشرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على "تويتر".

وتعهد المبعوث الاممي، بالعمل على "التواصل مع جميع الأطراف الليبية في عموم البلاد بمن فيهم المجتمع المدني والنساء والشباب؛ للاستماع إلى آرائهم بخصوص الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية ومعرفة رؤاهم بالنسبة لمستقبل بلادهم".مؤكدا التزام الأمم المتحدة "بدعمها ليبيا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شاملة"، وأنه "لا بد من احترام إرادة الملايين من الليبيين ممن سجلوا للتصويت"، وفق البيان.

واقع الأرض

تبدو وعود المبعوث الاممي الجديد،بداية ايجابية، حيث تبعث تطمينات، لمختلف الاطراف المتنافسة في ليبيا،بأنها ستكون جزءا من المشهد السياسي في بلاد دون اقصاء.لكن واقع الارض،يبدو مختلفا وقد يمثل حجر عثرة أمام تحقيق هذه الوعود.فالخلافات بين الأطراف السياسية مازالت تراوح مكانها،وحالة الاحتقان تزداد وتيرتها.

ساعات قليلة بعد وصول المبعوث الاممي الى طرابلس،أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة،تحذيرا الى المؤسسات العامة في البلاد من التعاطي مع أيّ قرار تصدره الحكومة المنافسة له برئاسة فتحي باشاغا،مؤكدا إن حكومته تُخلي مسؤوليتها من أي التزامات مالية ترتبها الحكومة الموازية في إشارة إلى الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.

ونبّه الدبيبة في منشور عمّمه على الوزراء ورؤساء الهيئات والمصالح والأجهزة والجهات والشركات العامة وما في حكمها إلى أنه لا يعتد بأي قرارات أو إجراءات تصدر عن الحكومة المكلفة من مجلس النواب والتي من شأنها المساس بالمال العام ومقدرات الدولة أو إحداث تغيير في المراكز القانونية بالمؤسسات العامة.

تحذيرات تأتي على ما يبدو ردا على تحركات حكومة باشاغا،التي دعت على لسان أسامة حماد، وزير التخطيط والمالية، مؤسسات الدولة إلى منع التعامل مع حكومة الوحدة مؤكدة أن يد القانون طائلة محذرة من أن تعاملهم مع حكومة الوحدة التي تخالف القوانين الإدارية المحلية والنظم والتشريعات النافذة يقود البلاد إلى الإفلاس".

وأكّد حماد في بيان له، التزام وزارته بالقرارات النافذة للمؤسسات الرسمية للدولة الصادرة عن مجلس النواب الليبي، ومنها سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، واصفا إيّاها "منتهية الولاية مغتصبة السلطة".وشدّد حماد أنّ الوزارة لها صلاحيتها النافذة بمنع إهدار المال العام وتحجيم الإنفاق إذا لزم الأمر بمراقبة النفقات ومتابعة صرفها وإحالة المخالفين للجهات المختصة واتخاذ كافة الإجراءات الرادعة ضدهم.

وتسعى حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا،لماشرة عملها من مدينتي بنغازي وسرت بعد فشل محاولات دخولها العاصمة طرابلس. وأعلنت في وقت سابق، إجراء انتخابات المجالس البلدية في 5 مناطق بعد إعادة تشكيلها اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية التابعة لوزارة الحكم المحلي، كما اعلنت ترقية 588 ضابطاً بوزارة الداخلية.

وتشير هذه التحركات وردود الافعال المتبادلة،الى احتدام الخلافات بين الحكومتين المتنافستين،واصرار كل منهما على التمسك بموقفه.وتتصاعد المخاوف من تحول هذه الخلافات الى صراع مسلح،وهو ما شهدته الاشهر القليلة الماضية من خلال اشتباكات متقطعة في اكثر من مناسبة،تنذر وفق الكثيرين باحتمال تحولها الى حرب جديدة طويلة الأمد.

باتيلي وإرث الفشل

بالرغم من أن تعيين مبعوث أممي جديد، يمثل مؤشرا ايجابيا لحل الازمة الليبية،إلا ان ارث الفشل الذي منيت به البعثات السابقة يلقي بظلاله على مهام باتيلي.وهو ما ذهب اليه عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة،الذي قال في تصريح ل"بوابة افريقيا الاخبارية"،أن باتيلي سيكون مثل المبعوثين الأمميين الذين سبقوه حيث أنه عبارة عن موظف للدول الخمس الكبرى مشددا على أن خلاف هذه الدول بشأن الملف الليبي سيشكل عائقا أمام أي مبعوث أممي.

وأشار بن شرادة إلى أن المبعوث الأممي لن يكون لديه فرصة للعمل بحرية وتنفيذ مخططات تسهم في حل أزمات البلاد.مؤكدا أنه إذا لم تتمكن الدول الكبرى من توحيد رؤيتها بشأن ليبيا فإن أي مبعوث أممي لن يتمكن من المساهمة في حل الأزمة الليبية.

وتسعى البعثة الاممية الى الوصول الى انتخابات تعتبرها مفتاحا اساسيا للازمة الليبية،لكن بعثاتها السابقة فشلت في تحقيق هذا الاستحقاق السياسي،وهو ما سيواصل باتيلي العمل على الوصول اليه في مهمته القادمة.لكن عضو مجلس الدولة عادل كرموس،يرى أن الحل لا يكمن في إجراء الانتخابات دون تأمين الأرضية اللازمة لها.

وأكد كرموس في، تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية، أن حل الأزمة الليبية يكمن في إيجاد توافق بين الأجسام السياسية على حكومة قوية قادرة على بسط سيطرتها على كامل التراب دون خضوع لأي ضغوط محلية أو دولية.مشيرا الى أن حكومة الوحدة الوطنية لا ترغب في إجراء انتخابات في المدى القريب خاصة وأنها عطلت الانتخابات التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021.

يعتبر باتيلي ثامن مبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيا منذ العام 2011،وباءت جميع الجهود الدبلوماسية اللبعثات السابقة بالفشل.ومثل التنافس بين القوى الدولية،حجر عثرة رئيسي امام جهود البعثة الأممية،اضافة الى الفشل في إحداث توازن بين جميع أطياف الصراع الليبي.وبالرغم من التشاؤم الذي يفرضه واقع الارض الصعب والتجارب السابقة،يبقى الامل في نجاح المبعوث الاممي الجديد في اختراق جدار الازمة الليبية قائما وفق الكثيرين.