في سنة 1953، اكتشفت شركات تنقيب ليبية مخزونا هائلا من المياه الجوفية التي يمكن نقلها إلى المناطق الساحلية واستغلالها عوضا عن مياه التحلية، لتتبلور فكرة مشروع النهر الصناعي العظيم، بشكل رسمي، سنة 1983 ويُفعل رسميا سنة 1984. ففي 3 أكتوبر 1984، خرج العقيد معمر القذافي، ليُعلن أنه سيبني مشروعا لإنقاذ ليبيا من كارثة عطش، عبر نقل المياه العذبة عبر أنابيب ضخمة تحت الأرض، وفي 28 أغسطس، من سنة 1984، دشن العقيد الراحل معمر القذافي المشروع.

ويعد النهر الصناعي العظيم أضخم مشروع أقيم في العالم لنقل المياه الجوفية من الصحراء إلى المدن والمناطق الزراعية.

ويبلغ طول شبكة الأنابيب الممتدة في هذا النهر حوالي 4000 كم، فيما يبلغ عدد الآبار المحفورة في محيطه نحو 1300 بئر، وقد استعمل لبنائه أكثر من خمسة ملايين طن من الاسمنت.

وبينت الدراسات الفنية والاقتصادية والاجتماعية إمكانية نقل هذه الكميات الهائلة من المياه الجوفية إلى المناطق التي تتوافر فيها الأراضي الزراعية الخصبة والكثافة السكانية العالية والبنية الأساسية الزراعية حيث سيتم نقل حوالي (6.5) مليون متر مكعب من المياه العذبة يوميا للأغراض الزراعية والصناعية ومياه الشرب وقد خصص ما يزيد علي(75%) منها لاستخدامها في الأغراض الزراعية والتـي بدورها ستخفف من وطأة السحب المتزايد من المياه الجوفية فـي مناطق الشريط الساحلي.

لكن في سياق الفوضى العامة التي تشهدها البلاد لم يسلم هذا المشروع العملاق الذي يحمي الليبيين من العطش من أسهم الإعتداءات مما جعل جعل مياه الليبيين مهددة بشكل متواصل.

حيث وتسبب النهب والإهمال في تدهور الوضع واستغلت الجماعات المسلحة الاضطرابات. وفي مايو أرغم مسلحون، يطالبون المسؤولين بالإفراج عن قريب لهم مقبوض عليه، العاملين بمرفق المياه بقطع الإمدادات عن طرابلس كلها لمدة يومين.

في نفس الإطار،يعيش حوالي 80 في المئة من السكان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة على امتداد ساحل البلاد على البحر المتوسط أو بالقرب منه ويعتمدون على المياه العذبة التي تضخ عبر الأنابيب من خزانات جوفية في جنوب البلاد، حيث تقع أيضا الحقول الغنية بالنفط في ليبيا.

ويقول مسؤولون في هيئة المياه ودبلوماسيون إن المياه الجوفية في المناطق الساحلية مالحة وملوثة بمياه الصرف الصحي، وإن نحو 80 في المئة من محطات التحلية تعطلت عن العمل.

ويقول مسؤولون بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة إن الأنابيب تزوّد ليبيا بأكثر من 70 في المئة من احتياجاتها من المياه العذبة، ولا تزال شديدة الأهمية لأن من الصعب إصلاح محطات التحلية كما أنها عرضة للهجوم عليها.

وفي تقرير لوكالة "رويترز"، تتضح أزمة شح المياه في عدد من المدن الليبية، خصوصًا صعوبة العثور على مياه نقية في الغرب، مع التلفيات التي أصابت نظام التحكم في المياه، بسبب الاشتباكات الدائرة في محيط العاصمة، بين قوات القيادة العامة وقوات حكومة الوفاق.

وقالت هيئة المياه في عرض توضيحي لمنظمات دولية في مارس الماضي إنه إذا لم يتم إصلاح الأضرار فمن الممكن أن يصل الأمر إلى إغلاق شبكة أنابيب المياه الرئيسية فجأة وعلى غير المتوقع وبشكل لا يمكن التحكّم فيه ودون الاستعداد له.

وجاء في العرض أن العواقب ستكون وخيمة لأنه لا يوجد شبكة بديلة صالحة للعمل لضخ إمدادات المياه. ويمثل هذا التحذير من تعطل الشبكة، والذي تردد صداه في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة في الشهر نفسه، أخطر بادرة على انهيار خدمات الدولة في ليبيا التي كانت من أغنى دول شمال أفريقيا.

وو يتوقع خبراء أن تواجه ليبيا فقرا مائيا خلال السنوات القادمة،إذ أن المياه التي يعتمد عليها النهر الصناعي ،غير متجددة فضلا عن مشاكل تواجه مصادر المياه الأخرى ،كما أن نسبة الاستهلاك تقدر بنحو مليار متر مكعب ،في القابل فإن التغذية السنوية للمياه الجوفية في حدود 250 مليون متر مكعب فقط ،وهو ما يخلق عجزا حادا في تلبية الطلبات المتصاعدة على المياه ،يقدر بنصف مليار متر مكعب.

رغم  وجود أكبر مشروع صناعي للمياه في العالم وصرف المليارات لتنفيذه وإيصال الماء من أقصى الصحراء في جنوب البلاد إلى مدن الشمال المطلة على البحر المتوسط، تواجه ليبيا خطر نقص المياه بسبب عدم جاهزية البنية التحتية للمؤسسة المختصة بالمياه للأزمة التي تمر بها البلاد وانشغال الحكومات المتعاقبة بالإقتتال من أجل المغانم.