بعد مرور أكثر من تسع سنوات على اندلاع أحداث فبراير 2011، تعيش حرية الإعلام أزمة غير مسبوقة في البلاد، حيث أصبحت ممارسة الصحافة مغامرة محفوفة بالمخاطر في ظل حكم المجموعات المسلحة و غياب الأمن ما أدى حتما إلى إنتفاء الإستقرار.
وتتواجد ليبيا في أواخر قائمة التصنيف العالمي لمؤشر حرية الصحافة التي تصدرها العديد من المنظمات الدولية، فكل المعايير المتعلقة بحرية التعبير والإعلام؛ كالضمانات الدستورية والقانونية للصحفيين، والإصلاح الهيكلي للإعلام، وتزايد أعمال العنف والهجمات الدامية، والاعتداءات الجسيمة، من الطبيعي أن تضع ليبيا في مؤخرة دول العالم.
وفي تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود مؤشر حرية الصحافة لعام 2018، وصدر في الـ25 من أبريل/نيسان، والذي يقيس أوضاع الصحافة في 180 بلداً حول العالم، احتلت ليبيا المرتبة 162 على المؤشر محققة تقدماً لمرتبة واحد عن العام 2017، وهي في المرتبة 15 عربيا، والأخيرة بالنسبة لدول إفريقيا الشمالية. وذكرت المنظمة أن العمل الصحافي في ليبيا محفوف بالمخاطر ووصفتها بأنها واحدة من أخطر دول العالم.
وأرجعت منظمة مراسلون بلا حدود الترتيب المتدني لليبيا إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني والصراع المفتوح الذي دفع بالصحفيين إلى الفرار من البلاد خشية العمليات الانتقامية، إضافة إلى أن أطراف الصراع في البلاد تفرض مزيدا من القيود على حرية الصحافة وفق المنظمة. وجهت المنظمة انتقادات للسلطات الليبية، قائلة إنها لم تتخذ خطوات لتوفير الحماية للعاملين في الإعلام، وغالبا يصبح المنفى الاختيار الأفضل للعاملين في هذا الحقل.
وتظل ممارسة العمل الصحفي في ليبيا هاجسًا يتسم بالحذر والخوف، كون البيئة الإعلامية لا يتوفر فيها الحد الأدنى من السلامة والحماية، خاصة مع استمرار مسلسل الفوضى المتصاعدة، وحالة الاستقطاب السياسي بين الأطراف كافة.الأمر الذي جعل الصحفي الليبي والأجنبي على حد سواء، في مرمى حجر واحد، مهدّدين بسلامتهما وفق صور شتى، وجعل رحلة البحث عن الحقيقة ونقل الأحداث، تعتريها صعوبات وتحديات لا حصر لها.
واقع عبرت عنه مرارًا و تكرارا اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،التي أعربت عن ادانتها واستنكارها الشديدين إزاء تصاعد حالات الاعتداءات والاستهداف التي يتعرض لها الصحفيين والإعلاميين بالعاصمة طرابلس من قبل عناصر الأجهزة الأمنية أثناء أدائهم لأعمالهم الميدانية ، وكذلك في أثناء زياراتهم للوزارات لتغطية المؤتمرات الصحفية وتغطية المناشط الرسمية.
ورفضت اللجنة في بيان لها، "المساس بحرية العمل الصحفي، وممارسات التهديد والابتزاز والإرهاب المسلح، التي تمارس بحق الصحفيين والإعلاميين، لأسباب تتعلق بعملهم".مطالبة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ووزارة الداخلية ومكتب النائب العام، وكل الجهات ذات العلاقة، "بالتحرك العاجل لوقف الممارسات المشينة بحق الصحفيين والإعلاميين.
وأعربت عن تضامنها مع الصحفيين، جراء الانتهاكات والممارسات التي ارتكبت بحقهم، واعتبرتها جريمة أخري تضاف لسلسلة الجرائم التي تستهدف حرية الصحافة والإعلام، وبقية الحريات الأساسية في ليبيا.محذرة  من خطورة استمرار الإفلات من العقاب، وانعكاساته المدمرة على حرية الإعلام الرأي والتعبير، وحق المواطن في المعرفة والمشاركة والوصول للمعلومة.
وتواجه حكومة الوفاق الليبية إتهامات بعرقلة عمل الصحفيين،ففي يوليو 2018،طالبت منظمة "مراسلون بلا حدود"،في بيان لها، حكومة الوفاق الوطني بوقف عرقلة عمل الصحفيين الدوليين والليبيين والمراسلين ووسائل الإعلام الأجنبية في ليبيا، معتبرة أن حكومة السراج، التي تحكم منذ 30 مارس 2016، بينت أنها معادية للصحفيين الذين يعملون لفائدة الصحافة الأجنبية.
وأشارت المنظمة، إلى أن السلطات الليبية تصعب الحصول على التأشيرات للصحفيين الأجانب، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على ترخيص العمل الميداني من قبل إدارة الإعلام الخارجي التابعة لحكومة الوفاق، بحسب نص البيان.ولفتت المنظمة إلى أن العمل في ليبيا أصبح مهمة مستحيلة بالنسبة للصحفيين الأجانب والمراسلين المحليين، مشيرة إلى أن أهل المهنة الذين حاورتهم المنظمة يفضلون عدم ذكر أسمائهم بسبب الضغط الشديد المسلط عليهم، وفق قولها.
من ذلك،يرى مراقبون أنه في ظل غياب المعايير المتعلقة بحرية التعبير والإعلام، كالضمانات الدستورية والقانونية للصحفيين والإصلاح الهيكلي للإعلام، ومع تزايد أعمال العنف والهجمات الدامية والاعتداءات الجسيمة، لا يجد الصحافيين في هذا البلد من خيارات سوى المغادرة أو الإقلاع الإجباري عن مزاولة العمل الصحفي.
قصارى القول،في غياب سلطة الدولة وعدم وجود أي جسم تشريعي يحدد المعايير المتعلقة بحرية التعبير والإعلام؛ كالضمانات الدستورية والقانونية للصحفيين، والإصلاح الهيكلي للإعلام،إضافة إلى الغياب التام للمؤسسات القانونية والقضائية في البلاد،بالتزامن مع سيطرة انتشار العنف،باتت الجرائم المرتكبة ضد حرية الإعلام دون حسيب ولا رقيب، علماً أن الجناة ينعمون بإفلات تام من العقاب.