نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية اليوم تقريرا حول آخر مستجدات الأوضاع في ليبيا، وماذا ينتظر الدولة الواقعة في شمالي أفريقيا خلال العام المقبل. 

وقالت الصحيفة الأمريكية أن غسان سلامة الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا قد أشار في بيان إلى مجلس الأمن الدولي أنه ينبغي عقد مؤتمر وطني في بداية عام 2019 من أجل "خلق مساحة لليبيين من أجل بلورة رؤيتهم للانتقال وإلا يستمر تجاهلهم. ويأتي هذا في أعقاب مؤتمر عقد في باليرمو بإيطاليا جمع الشركاء الدوليين وأصحاب المصلحة الليبيين لمناقشة الوضع.

ويشير تعبير سلامة إلى أن المؤتمر سيسعى إلى فرض مسار جديد بغض النظر عن ما قد ترغبه المؤسسات الحالية. بعبارة أخرى  يجري الآن إعادة تشكيل خطة التحول الليبية التي أُنشئت في عام 2012 ، في أعقاب عدم إحراز تقدم مؤلم على عدد من الجبهات. وكانت الخطة الأصلية تتألف من تنظيم استفتاء دستوري تتبعه الانتخابات. تم طرح هذه الخطة موضع تساؤل بعد مجلس النواب الليبي  -وهو هيئة تشريعية منتخبة في عام 2014- والتي أصبحت شرعيتها الداخلية متنازعة الآن، وفشل في اعتماد قانون الاستفتاء المطلوب لمجموعة من الأسباب منها الديناميكيات السياسية الداخلية.

وفي حين أن الولاية المقترحة للمؤتمر وقواعد اتخاذ القرار والإطار الزمني لم يتم مناقشتها علنًا، يبدو أن الفكرة هي إنشاء مائدة حوار لكل أطياف البلد حيث يجتمعون في حدث واحد. وسيكون المؤتمر بمثابة لحظة تأسيس "نحن الشعب" مما يؤدي إلى إحساس بالشرعية والسلطة لوضع قواعد دستورية جديدة لليبيا جديدة. وقد صرحت سلامة فقط أن المؤتمر الوطني سيعطي "منبرا للشعب الليبي ويعطيه صوتا". وقد أدى هذا إلى تكهنات بأن المشاركين سيتم اختيارهم بشكل رئيسي من الدوائر الاجتماعية المختلفة في البلاد بدلا من أن يقتصر على ممثلي القوى السياسية الرئيسية في البلاد.

فهل هذا أفضل طريق إلى ليبيا؟

الدروس المستفادة

والعديد من الدول الأخرى في المنطقة لديها خبرة في المؤتمرات الوطنية التي تقدم دروسا لليبيا. وتظهر تلك التجارب أنه على الرغم من أن المؤتمرات الوطنية تخلق فرصاً هامة إلا أنها محفوفة بالمخاطر.

والسمة الرئيسية في انتقال اليمن الفاشل بعد عام 2011 هو مؤتمر الحوار الوطني، الذي صُمم لإعطاء صوت هام للدوائر الاجتماعية إلى جانب القوى السياسية في البلاد. انهارت عملية الانتقال في النهاية لعدد من الأسباب المعقدة. وتجدر الإشارة إلى أن المناقشات التي جرت في المؤتمر لم تعكس ديناميكيات السلطة المتغيرة بسرعة على الأرض =، والتي فرضت نفسها في النهاية من خلال قوة السلاح. الدرس الواضح بالنسبة لليبيا هو أن محاولات فرض القرارات دون دعم القوى التي تسيطر على الأرض   من المرجح أن تفشل.

إن وضع الصومال في عام 2012 له أوجه تشابه كثيرة مع الوضع في ليبيا في عام 2018. كما أن الصومال كانت غارقة في عملية انتقال طويلة الأمد مليئة بالصراعات. سعت البلاد إلى إطار سياسي جديد وشرعي لبناء دولة جديدة. وكان الصوماليون مع شركاء دوليين يقرون دستورًا لإرساله إلى الاستفتاء. وكما كان الحال في ليبيا كان من المستبعد إجراء استفتاء في مرحلة معينة، وذلك في المقام الأول بسبب الشواغل الأمنية وعدم القدرة على إيجاد توافق في الآراء بشأن القضايا الحرجة.

وبدلاً من ذلك نظم مسئولون دوليون وصوماليون مؤتمراً هو الجمعية الوطنية التأسيسية لإضفاء الشرعية على تبني "الدستور المؤقت". ومن شأن ذلك أن يمهد الطريق لإجراء انتخابات وأساس دستوري أكثر ديمومة للدولة. ومع ذلك وبعد مرور أكثر من ست سنوات لا تزال شرعية الدستور المؤقت والدولة الصومالية ضعيفة، ولم تجر انتخابات شاملة وتستمر الفترة الانتقالية دون تغيير يذكر في النخب السياسية أو حياة المواطنين العاديين.

وتقدم تونس واحدة من التجارب الناجحة القليلة في عمليات الحوار في المنطقة، ولكن السياق وطريقة العمل سيكونان من الصعب للغاية تكرارها في ليبيا. أولاً عقد مؤتمر تونس من قبل عدد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، في حين أن عملية ليبيا يتم إطلاقها فعلياً من قبل الأمم المتحدة وسوف تعتمد بشكل كبير على الدعم الإضافي من المجتمع الدولي. ثانياً استمر المؤتمر التونسي لأكثر من عام وأحرز تقدماً بطيئاً للغاية، وربما كان معظم الليبيين ينظرون إليه على أنه غير مرغوب فيه إلى حد كبير. وأخيراً شجع المؤتمر التونسي على الاتفاق بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد بينما في ليبيا يبدو أن المنطق هو أكثر للمناورة حول النخب السياسية.

الشروط المسبقة للمضي قدما

ليبيا بحاجة إلى وسيلة لتحريك نفسها خارج المرحلة الانتقالية. ويمثل دستور جديد شهادة ميلاد لدولة جديدة وهو عقد اجتماعي وسياسي جديد يتم إرساء شرعيته وسلطته في إرادة الشعب. وعلى هذا النحو هو علامة فارقة في الخروج من الانتقال وبناء الأسس لمجتمع جديد. وفي حالة ليبيا من شأن تسوية دستورية أن تساعد بشكل مثالي على التوفيق بين المطالب المتنافسة للسلطة الشرعية وتوفير رؤية مشتركة يمكن أن تحدث حولها عملية بناء الدولة. ومع ذلك يتطلب وضع أسس حتى وضع شروط معينة مثل الحد الأدنى من الأمن وقبول أصحاب السلطة الرئيسيين الذين يحتاجون إلى العمل معاً، أو على الأقل لتوجيه النزاع من خلال السياسة بدلاً من العنف.

وثم يطرح السؤال نفسه ما الذي يمكن عمله عندما لا تكون تلك الشروط المسبقة موجودة؟ في ليبيا، يبدو أن الإجابة هي عقد حدث وطني شرعي لإيجاد سبيل  لبداية جديدة. واستنادا إلى الخبرة الإقليمية ربما ينبغي أن نكون مستعدين لأن هذا قد لا يكون فجر ليبيا جديدة ، وإنما خطوة واحدة نحو نهاية بداية المرحلة الانتقالية.