في الوقت الذي استبشر فيه الليبيون بالسلطات التنفيذية الجديدة ،وبمساعيها لجمع الشمل والدفع نحو مصالحة وطنية شاملة ، تحاول قوى الإسلام السياسي عرقلة الحل السياسي بوضع العصي في دواليب الحكومة الجديدة لمنع من التحرك في اتجاه نيل ثقة البرلمان والانطلاق في القيام بمهامها خلال الأجل القانوني الممنوح لها.

ووفق مصادر مطلعة في العاصمة طرابلس ، فإن جماعة الإخوان تضغط من أجل عدم مشاركة نواب غرب البلاد في الجلسة البرلمانية التي دعا إليها رئيس البرلمان عقيلة صالح وحدد لها موعدا مبدئيا وهو الثامن من مارس القادم ، ومقرا استثنائيا ، وهو مدينة سرت ، مشيرين الى أن الجماعة تعتبر اجتماع النواب في سرت انتصارا للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ، باعتباره لا يزال يبسط نفوذه على المدينة ، وطريقا لتمكين الحكومة من ثقة البرلمان ، قبل أن يستجيب رئيسها المكلف عبد الحميد الدبيبة لشروطها كاملة.

وتضيف المصادر أن الإخوان يحاولون فرض عددا كبيرا من الأسماء لتولي مناصب وكلاء وزارات ،وهي المناصب التي تعتمد عليها الجماعة في اختراق أجهزة الدولة ، ووضع يدها على جميع الملفات دون أن تكون في الواجهة ، كما هو الأمر بالنسبة للوزراء.

وأكد عضو مجلس النواب، علي التكبالي، وجود خلافات حول تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، بسبب الضغوطات مما وصفهم بـالمتأسلمين المؤدلجين، والمجتمع الدولي والمليشيات التي شرعنها رئيس حكومة الوفاق، وباتت تسيطر على الأمن في العاصمة طرابلس ،مستنتجا أن رئيس الحكومة الجديدة عبد الحميد الدبيبة،  لن يستطيع تقديم شيئا أمام هذه الضغوطات،  

وتابع التكبالي، أن كل ما يحيط بحكومة الوحدة الوطنية من جدل، هو سيناريو صمم لكيلا تكون هناك حكومة مشرعنة، موضحًا أن هذا السيناريو مفاده أن يذهب الدبيبة إلى لجنة ملتقى الحوار السياسي، بالتوازي مع محاولة المتأسلمين الحصول على الشرعية البرلمانية مع الشرعية التنفيذية.

ووفق الاتفاق السياسي الصادر عن ملتقى تونس ، فإن الحكومة الجديدة في حال عدم نيلها ثقة مجلس النواب ، تعود الى لجنة الحوار السياسي للحصول عليها منه ، وهو ما تطمح إليه جماعة الإخوان ، لكن الاتفاق لم يتطرق الى ما يجب القيام به في حال عدم منح لجنة الحوار ثقة للحكومة

وفي هذا السياق ، قال المحلل السياسي محمود العمامي، إن تصريحات الإخوان تتمحور حول محاولة إقصاء مجلس النواب من عملية منح الثقة، مؤكدًا أن تيار الإسلام السياسي يسعى إلى عدم التئام المجلس في جلسة مكتملة النصاب، حتى تذهب مسألة منح الثقة للجنة الحوار السياسي التي يملك فيها الاخوان بالتحالف مع ممثلي المنطقة الغربية، أغلبية عديدة واضحة.

وأوضح العمامي أن التناقض صار السمة الغالبة، فبينما أعلنت قائمة من النواب، تتكون من 84 اسمًا أنها تدعم تشكيل الحكومة، قبل الإعلان عن أسماء وزرائها وعددهم، خرج نائبان من القائمة وأعلنا عدم مشاركتهما وتوقيعهما، وهما إبراهيم الزغيد، وعز الدين قويرب.

وكان الدبيبة قد اتهم بعض ”شخصيات“ لم يسمها بمحاولة عرقلة تشكيل الحكومة، لكنه قال: “نطمئن كل الليبيين، بأننا مستمرون في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من أجل إنقاذ المواطن، وإنقاذ ما تبقى من الوطن“ ، وصرّح بأنه سيلجأ إلى الخيار الثاني، في إشارة إلى "ملتقى الحوار السياسي" في حال أخفق مجلس النواب في منحها الثقة.

ويرى المراقبون أن الإخوان يحاولون الاستفادة سواء من طرح الحكومة على لجنة الحوار السياسي ومنحها الثقة وفق شروطهم ، أو من فشل الحكومة في الحصول على الثقة وبقاء الوضع على ما هو عليه ، خصوصا وأنها لا يرغبون في تنظيم انتخابات في ديسمبر القادم يعلمون جيدا أنهم سيكونون أبرز الخاسرين فيها.

ويضيف المراقبون أن خطأ المجتمع الدولي أنه أعطى للجماعة دورا سياسيا يتجاوز حجمها الحقيقي ، وخاصة من خلال ملتقى الحوار السياسي ، ما يجعلها تناور بقوة لتحقيق مصالحها على حساب تطلعات الشعب الليبي لتجاوز الأزمة والإنطلاق نحو السلام والمصالحة وإعادة الإعمار.