شهدت ليبيا في الآونة الأخيرة حالة من التصعيد بين الأطراف الليبية،وذلك على خلفية العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني الليبي في محاولة لتطهير الجنوب الليبي من سيطرة التنظيمات الارهابية والعصابات الأجنبية التي تنتشر في هذه المنطقة مستغلة غياب سلطة الدولة لتمارس أنشطتها الاجرامية.

وقوبل تحرك الجيش الليبي بالرفض من طرف حكومة الوفاق الليبية التي انتقدت العمليات العسكرية وحاولت عرقلتها بشتى الطرق.وفي ظل التأييد المحلي الواسع الذي بات يحضى به الجيش الليبي،تتجه حكومة الوفاق للبحث عن الدعم ومحاولة لإقناع أصحاب القرار على المستوى الدولي بالوقوف في صفها.

إلى ذلك،ناشد رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج الجنرال توماس والدهاوسر، قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، بزيادة وتوسيع نطاق التنسيق الأمني والعسكري مع الأجهزة العسكرية والأمنية الليبية، وألّا يقتصر التعاون الاستراتيجي على مكافحة الاٍرهاب. وطالب السراج على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الجنرال توماس والدهاوسر بإعداد برنامج تدريبي ميداني لوحدات عسكرية خاصة بالاستعانة بمدربين من "الأفريكوم".

واعتبر خبراء في الشأن الليبي، أن توسعة عمل قوات الأفريكوم في ليبيا، يمكن أن يتجه نحو إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضي الليبية.وفي وقت سابق، كشف مركز دراسات أمريكي، عن وجود قوات أمريكية ومركز تدريب تابع للجيش الأمريكي في الجنوب الليبي، تستخدم فيما أسماها "الحرب على الإرهاب ضد تنظيم داعش".

ونشر معهد "واتسون" للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون الأمريكية دراسة عن الحرب الأمريكية على الإرهاب منذ العام 2001 وحتى سبتمبر/ أيلول، وقال المعهد إن نفقات الولايات المتحدة على العمليات في الخارج منذ 2001، ستصل إلى 5.6 تريليون دولار، بحلول نهاية العام المالي (30 سبتمبر/ أيلول) 2018.

وتثير مطالبة رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، للجنرال،لقوات "أفريكوم"، زيادة وتوسيع نطاق التنسيق الأمني والعسكري مع الأجهزة العسكرية والأمنية الليبية، وأن لا يقتصر التعاون الاستراتيجي على مكافحة الاٍرهاب بل يشمل دعم وبناء القدرات والتدريب، يحمل الكثير من علامات الاستفهام.

ويأتي هذا،في أعقاب نفي القوات القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا،تنفيذها لغارة جوية في منطقة أوباري بجنوب ليبيا،وهو النفي الذي أحرج بشدة حكومة الوفاق التي أعلنت عبر محمد السلاك الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي،إن القصف الجوي الأميركي لضواحي مدينة أوباري "يأتي في إطار التنسيق المستمر، والعلاقة الاستراتيجية بين ليبيا وأميركا في حربهما على الإرهاب".

وإعتبر مراقبون أن حكومة الوفاق حاولت إستثمار الغارة الجوية التي إستهدفت عناصر إرهابية تنتمي لتنظيم "القاعدة"،في محاولة لإثبات وجودها في منطقة الجنوب الليبي الذي باتت أغلب مناطقه تحت سيطرة الجيش الليبي وذلك في إطار عمليات تطهير الجنوب التي إنطلقت في وقت سابق.

وتتزامن دعوة السراج "لأفريكوم" بزيادة وتوسيع نطاق التنسيق الأمني والعسكري مع الأجهزة العسكرية والأمنية الليبية،مع تكثيف المسؤولين في حكومة الوفاق من تصريحاتهم المشيدة بالموقف الأميركي الداعم لهم.حيث قال وزير الخارجية الليبي، محمد طاهر سيالة الأحد، إن ليبيا ترحب بأي جهة تعمل على رفع كفاءة القوات الأمنية الليبية، مستبعدا إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية أميركية داخل بلاده.

من جهته،ثمن وزير الداخلية فتحي باشاغا بيان الولايات المتحدة الذي أبدت فيه قلقها من التوترات المستمرة في الجنوب الليبي، ودعت جميع الأطراف إلى وضع ترتيبات أمنية مقبولة للطرفين وضمان سلامة المؤسسة الوطنية للنفط والسماح باستئناف عملها. وأضاف في تصريحات إعلامية على هامش زيارة يؤدّيها إلى واشنطن "إن هذا البيان قد يجعل الطرف الآخر يلجأ إلى التعقل.

وأكد باشاغا أن هناك عدة دول عربية وأروبية  تتدخل في ليبيا وأن هذه التدخلات تعمق المشاكل بدلا من حلها.وعبر عن اعتقاده "أن الشراكة مع الولايات المتحدة الأمنية والاقتصادية والاستثمار من شأنها أن تقي ليبيا شر هذه التدخلات وهذا ما نعمل عليه الآن".وأشار إلى أن "الولايات المتحدة واضحة، وهو الاهتمام بالملف الأمني من ناحية مكافحة الإرهاب واستقرار ليبيا ودعم حكومة الوفاق والبحث عن الوفاق وتوحيد ليبيا وحماية مؤسسة الاستثمار ومصرف ليبيا ومؤسسة النفط".

وتشير تحركات حكومة الوفاق إلى إستمرار محاولاتها لعرقلة تقدم الجيش الليبي في جنوب البلاد، والتي وصلت حد مطالبتها عبر مندوبها لدى الأمم المتحدة المهدي المجربي لمجلس الأمن، بالتدخل ضد القوات الليبية لوقف العمليات العسكرية التي تشنها جنوب البلاد،وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط الليبية.

وفي منتصف يناير الماضي،أطلق الجيش الليبي عملية عسكرية لتطهير الجنوب من الجماعات الإرهابية والعصابات التشادية المسلحة.وبلغ التوتر بين حكومة الوفاق والجيش الليبي أوجه مطلع الشهر الحالي، عندما اصطدمت قواتهما قرب حقل الشرارة النفطي، الذي سيطر عليه الجيش بعد مفاوضات مع الجهات الأمنية المشرفة عليه.

وأقال فايز السراج، الخميس، رئيس أركان جيشه العميد عبدالرحمن الطويل، وعين مكانه الفريق ركن محمد علي محمد المهدي الشريف المنحدر من مدينة الشاطئ جنوب البلاد.وذلك في أعقاب تصريحات أطلقها الطويل أشاد فيها بجهود الجيش الليبي في الجنوب في موقف اعتبره البعض مؤشرا على تقارب بين الطرفين وهو ما يرفضه السراج.

كما عين السراج الفريق ركن سالم جحا نائبا لرئيس الأركان المنحدر من مدينة مصراتة، ذات الثقل السياسي والعسكري الكبيرين.وتحمل تلك التعيينات، وخاصة تعيين سالم جحا، رسالة إلى الجيش مفادها إمكانية الاستعانة بالمجموعات المسلحة في مصراتة للتصدي لمحاولات تمدده غربا وحتى جنوبا.بحسب صحيفة "العرب اللندنية.

ويرى مراقبون،أن حكومة الوفاق تسعى لحشد الدعم الدولي وخاصة الأمريكي لوقف تقدم الجيش الوطني الليبي الذي بات يحضى بتأييد محلي واسع في ظل انتصاراته المتتالية.فيما تعيش حكومة الوفاق حالة من التخبط كشفتها هجمات وانتقادات حادة، من قبل أعضاء في المجلس الرئاسي لفايز السراج بسبب تفرده باتخاذ القرارات، في مشهد يشير إلى تعمق وتصاعد الخلاف السياسي بين أعضاء المجلس.

وتحرص أمريكا على تقديم الدعم لحكومة الوفاق الليبية،والذي بدأ بمشاركتها في الحرب على تنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية والتي إنتهت بهزيمة التنظيم.وتواصل الدعم بعد وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم،وهو ما كشفت عنه الغارات الأمريكية على مواقع لعناصر إرهابية في عدة مناطق ليبية.

وفي أبريل الماضي،وقّعت ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية،بمقر السفارة الليبية في تونس، اتفاقيتين أمنيتين في مجال العدالة الجنائية، ومنظومة الكشف عن صحة وثائق السفر في المطارات والمنافذ البرية.وقالت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق الليبية: إن توقيع الاتفاقيتين جاء في إطار التعاون بين ليبيا والولايات المتحدة.