استبدل أطفالنا فانوس علاء الدّين السحريّ بجهاز الهاتف الجوال، أمّا أسفار السندباد البحريّ، فقد حلّ مكان أشرعتها الكمبيوتر! إن التنشئة العمريّة بقيمها وآدابها وفنونها موجودة داخل الحواسيب و الموبايلات، ولكنّها تحت أكوام من العبث واللهو، ناهيك عن بعض المخاطر المؤذية لمثل هذه الأعمار، وهي أشبه بملحمة جلجامش التي راح فيها البطل يبحث عن ماء الحياة بين الجماجم، وعلى برازخ الحياة والموت، يخترق جيشاً من الأشباح. هكذا هي اهتمامات أطفالنا، ما بين الانترنت والنت والدوتكوم...، وقد غلب عليها طابع الترفيه على حساب كونها أصلاً وسيلة تربوية وتعليمية.

إن أدب الأطفال يشكّل عوالم تصقل شخصياتهم وتنمّي ثقافاتهم، وتعزّز في نفوسهم القيم النبيلة، ولكن أين هي مواكبة التطورات العلمية في هذه الوسائل؟ من أبرز المشاكل التي تواجه الأطفال ببلداننا المغاربيّة هي:


أولاً: برامج التسلية غير الهادفة.

ثانياً: كثرة تلك البرامج، مما يقلّل عند الأطفال أوقات التعلم والتربية، والتلقي والمشاركة.

 ثالثاً: استعمال اللهجات العاميّة في تلك البرامج وانتقال هذه العدوى إلى الكتب المطبوعة. فوق هذا وذاك: نجد أن تأثير اللغات غير العربية من ''انجليزية وفرنسية'' على اللغة الأم، سلبي جداً بسبب المراحل العمرية المبكرة التي فرضت عليها تلك اللغات تحت تأثيرات لا علاقة لها بالتعلم أو التنشئة. 

إن أدب الأطفال جزء حيوي وهام من الأدب عموماً، لكنه يختلف ويتميز بكونه يختص بمستوى عقلي خاص وبإمكانات وقدرات نفسية ووجدانية مغايرة لعالم الكبار، لذا لابد أن يتسم النص الموجه للأطفال بالوضوح والبساطة والتشويق والبعد عن العنف والتعصب.‏ فلابد للمبدع في مجال أدب الطفل أن يتعامل مع نصه باهتمام بالغ، وأن يراعي الفروق العمرية، والنفسية والفردية و الموضوع الذي يتناوله، وشخصياته مع التأكيد على اللغة والأسلوب الراقي البسيط بطريقة ممتعة و مدهشة، حتى تصل قصيدته أو قصته إلى الطفل وتكون معبرة عنه بصورة تروق له.‏ 

فالطفل المغاربي يستمتع بقراءة قصة، وفي الوقت نفسه ينفتح عقله على العلم ونظرياته ويسيح خياله في عوالم جديدة متخيلة تدفعه للتفكير والتأهل، وهذا النوع الأدبي على أهميته قليل فيما يقدم لأطفالنا، وقد غاب بعض الأنواع الأدبية وأحياناً ينعدم في الإنتاج الموجّه للأطفال، ولا نجد إلا الأعمال المترجمة من ثقافات أخرى التي قد تكون بعيدة جداً عن ثقافة أطفالنا، لذا فعلى المبدعين العرب الالتفات إلى هذا النوع والكتابة فيه بموضوعات تتناسب مع هذه المرحلة، وإذا تناولنا لغتنا العربية فهي الوسيط الأساسي، يعبر فيه الأدب شعراً أو نثراً إلى عقول وقلوب أطفالنا، وهي أحد أسرار انجذاب الأطفال للعمل الأدبي أو انصرافهم عنه، ومن العجيب أن يهملها كثير ممن يكتبون للأطفال، ولا يبذلون جهداً يذكر في مراجعتها وتنقيحها، ويغيب الجرس اللفظي والإيقاع الموسيقي في لغة النصوص الطفلية خاصة تلك الموجهة لفئات عمرية صغيرة يجذبها التلاعب باللغة، ويطربها الإيقاع أياً كان مصدره، وكاتب الأطفال بحاجة ماسّة إلى تدريب اللغة وتطويعها لتتناسب مع ذوق الأطفال.

وما يؤسفْ له أن هناك أزمة بأدباء الأطفال، حيث نجد كاتب أدب الأطفال مهمشا، وكأنه أديب من الدرجة الثانية، ونادراً ما يدعى إلى المؤتمرات المتخصصة والندوات، وورش العمل المتعلقة بأدب الأطفال.‏ وهذا يؤثر سلباً على نفسيته وتعاطيه مع منتجه الأدبي، إضافة إلى أننا نفتقر إلى النشر الجيد، الطباعة الأنيقة، الإخراج، الألوان، والرسومات، كذلك الترويج من خلال وسائل الإعلام المختلفة للوصول بالمنتج إلى الطفل بحسب المناطق والأحياء المختلفة مع مراعاة البعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.‏


ولأن أدب الطفل هو الركيزة الأولى والبنية الأساسية التي يبنى عليها مستقبل أطفالنا، يتحتم على حكومات بلداننا المغاربية، أن تبذل أقصى ما يمكن لتحقيق ذلك من خلال المؤسسات المختلفة كوزارات الثقافة والتعليم والإعلام... والمنظمات المعنية بالطفولة والأسرة.‏ ولابد أن يتشارك الجميع ويتكاتف من أجل الوصول إلى الهدف المنشود وهو بناء الطفل المغاربي، وإعداده بالشكل الذي يصل بنا إلى مجتمع أفضل.‏ وهذا يحيلنا بالتالي إلى دور المؤسسات التعليمية، و أهمية عودة حصص المطالعة والقراءة الحرة، وبناء علاقة صداقة مع المكتبة المدرسية، علماً أن المكتبات المدرسية ببلداننا المغاربية، عموماً تفتقر إلى الكتب التي تجذب الطفل القارئ وتدفعه لتقليب الصفحات والانجذاب إليها والوقوع في أسرها.‏




كاتب صحافي من المغرب.