بعد أسابيع من الأزمة التي عصفت بالعاصمة الليبية طرابلس،لم تتمكن المحاولات المتكررة لإخماد نيران الإشتباكات المسلحة.ولعل تأثيرات تلك الصراعات على المشهد الليبي العام تزيد الأمور تعقيدا وصعوبة يوما بعد يوم بتواصل الإقتتال وإنتشار الفوضى التى اسهمت بصفة كبيرة في توغل الإرهاب في مفاصل البلاد.

وتحاول الأمم المتحدة التدخل منذ البداية لحل النزاع الدائر في طرابلس،وذلك من خلال بعثتها الى هناك، لكن أغلب تلك المساعي باءت بالفشل وهو ما أثبته الواقع المعاش ويؤكده وبشكل متزايد تصاعد وتيرة الأحداث الدامية،والفوضى العارمة والانعدام الكلى للأمن في المدينة، والذي دفع و لا زال يدفع ضريبته المواطن الليبي من موت و دمار و نزوح متواصل ومتضاعف.

تواصل القتال

إلى ذلك،يتواصل القتال في الضواحي الجنوبية والجنوبية الشرقية من العاصمة الليبية طرابلس،بعد خرق الهدنة التي توصلت إليها أطراف النزاع في وقت سابق برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وفي بيانات متعددة، تبادلت الأطراف الاتهامات حول المسؤول عن خرق الهدنة، وبدأ القتال الذي استخدمت فيه أسلحة متوسطة وثقيلة.وتدور الاشتباكات بشكل أساسي في مناطق "طريق المطار" و"مشروع الهضبة" و"خلة الفرجان" و"وادي الرببع".

وأطلق مسلحون ملثمون في طرابلس عملية عسكرية حملت اسم، "عملية بدر"، وقال المسلحون في بيان مصور بُث،الجمعة 21 سبتمبر،إن "عملية بدر تهدف الى طرد من وصفوهم بالمجرمين والخوارج من طرابلس"، في إشارة للقوات القادمة من خارجها، وطالبوا هذه القوات بالانسحاب من العاصمة كفرصة أخيرة، أو الوقوع في قبضة قوة حماية طرابلس.

من جهته، وصف المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ "أسامة علي" الوضع في مناطق الاشتباك بـ"المأساوي" في ظل استمرار القتال بكل أنواع الأسلحة المتوفرة، ووجود مدنيين عالقين، وأكد "علي" لوكالة الأنباء الألمانية(دب ا) قيامهم بإجلاء 25 عائلة من مناطق الاشتباك، ونقل 9 قتلى، اثنان منهم مدنيان، و14 جريحاً، 4 منهم مدنيون.وقال "إن هذه الإحصائية أولية وتشمل ما قام به جهاز الإسعاف فقط حتى مساء أمس الخميس، ولم تشمل الضحايا التي قامت جهات أخرى بنقلهم من محيط الاشتباكات".

وكانت المواجهات المسلّحة في طرابلس، تجدّدت منذ الأربعاء، بين الكتائب الموالية لحكومة الوفاق وميليشيات "لواء الصمود" التي يتزعّمها صلاح بادي والداعمة لحكومة الإنقاذ السابقة، في الأحياء الجنوبية للعاصمة، في ثاني خرق لإطلاق النار الذي وقعته الأطراف المتنازعة مطلع الشهر الحالي برعاية الأمم المتحدّة.

وتدور الاشتباكات في مناطق "طريق المطار" و"مشروع الهضبة" و"خلة الفرجان" و"وادي الرببع"، واستخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.وتسمع أصوات الاشتباكات العنيفة في نواحي متفرقة من العاصمة، وتصاعدت أعمدة الدخان من أماكن الاشتباك وسط أحياء عديدة في المدينة، وإغلاق العديد من الطرق، خاصة المؤدية لمناطق الاشتباك.

وتعاني العاصمة الليبية من انقطاع مستمر للكهرباء يدوم لساعات طويلة ودخلت في حالة الإظلام التام للكهرباء عِدة مرات منذ نشوب الاشتباكات، كان آخرها ليلة الخميس 20 سبتمبر، ويستمر إغلاق المطار الوحيد العامل في طرابلس (مطار معيتيقة) بسبب سقوط القذائف في محيطه، وكان آخرها إصابة شاحنة مخصصة لتزويد الطائرات بالوقود في المطار.

وتأثرت الحظيرة النفطية في طرابلس بالاشتباكات الدائرة في محيطها، حيث سقطت،الخميس، قذائف على المبنى الإداري للحظيرة وأحد خزانات الغاز النفطي المسال، نمأ أدى لاشتعال النيران فيهن قبل أن يتمكن رجال الإطفاء من إخمادها.

مراهنة على العقوبات

ويحرج تجدد الاشتباكات البعثة الأممية،التي تكتفي بالتهديد المتكرر،بالتدخل وفرض عقوبات على أي جهة تخرق الهدنة التي جرى التوصل إليها مطلع الشهر الجاري في مدينة الزاوية.

تراهن بعثة الأمم المتحدة،على سلاح العقوبات في محاولة لإنهاء العنف.حيث المح  مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة،خلال لقاء تلفزيوني الثلاثاء، بفرض عقوبات دولية على أفراد بوصفهم مسؤولين عن تشكيلات المسلحة، في حال اخترق اتفاق الترتيبات الأمنية.

وأوضح سلامة أن فرض العقوبات قد يستغرق وقتا، منوها إلى أنه لا يوجد لديه خيار الآن إلا وقف إطلاق النار بصورة حازمة؛ ليتمكن من التحرك بين "الفرقاء" لحل ومعالجة أمور عالقة منذ سنين.وأضاف سلامة أنه لا يقبل أن يرى طرابلس تُدمّر باستخدام الأسلحة الثقيلة التي تؤدي لقتل مدنيين أبرياء، مؤكدا أن البعثة تراقب وقف إطلاق النار 24 ساعة، وأُنشئت غرفة لمراقبة الخروقات وتعلم من يقوم بها.

وفي سياق متصل،أكدت صحيفة "العرب" اللندنية، أن غسان سلامة يستعد لتقديم إفادة إلى مجلس الأمن، تتضمن أسماء قادة ميليشيات مسلحة لإدراجهم في قائمة العقوبات، بينهم صلاح بادي قائد ما يسمى بـ"لواء الصمود"، وقائد ميليشيا مسلحة يدعى بشير البقرة، يدعم حكومة موازية (غير معترف بها دوليا) يقودها خليفة الغويل.

وينطوي التلويح الدولي بورقة العقوبات على أهمية كبيرة، لأنه يمكن أن يردع قادة بعض الميليشيات الذين كونوا ثروات طائلة خلال السنوات الماضية من البلطجة وفرض الإتاوات.

ونقلت الصحيفة عن بلقاسم قزيط، عضو مجلس الدولة الليبي (كيان استشاري)،قوله إن المبعوث الأممي وضع قائمة بأسماء 30 شخصية، من بينها قادة ميليشيات وسياسيون ومهربون، لإدراجهم في قائمة عقوبات ستقدم إلى مجلس الأمن الدولي قريبا.

وكشف قزيط، أن سلامة جاد هذه المرة ويريد أن "يكشر عن أنيابه للميليشيات المسلحة"، مرجحا تبني دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عملية فرض عقوبات على بعض قادة ميليشيات طرابلس، وربما تطال قيادات في المشهد السياسي الليبي على علاقة وثيقة بها. وأوضح أن وضع قادة التشكيلات المسلحة على قائمة العقوبات الدولية "يضعفهم ويسقطهم من المشهد السياسي الليبي".

وتأتي هذه التطورات عقب تصاعد المخاوف الدولية من نتائج الاشتباكات العسكرية.وتشير التحركات الأخيرة للدول الفاعلة في ليبيا، بعد إدراج آمر حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران، على قائمة العقوبات الدولية مؤخرا، إلى أن المجتمع الدولي بدأ في تغيير موقفه من الاعتماد على الميليشيات المسلحة، وسبق أن توعد غسان سلامة قادة الميليشيات في عدة مناسبات. 

البعثة في مرمى الإنتقادت

وفي غضون ذلك،انتقد ما يعرف باسم "لواء الصمود" برئاسة صلاح بادي في ليبيا عدم تحرك البعثة الأممية عند اختراق من وصفهم بـ "المليشيات" للهدنة.وقال في بيان،الخميس: "إن البعثة لم تعلق على هذه الخروقات".مؤكدًا أنه برغم كونه لم يشارك في اجتماعات الزاوية التي أقرت فيها التهدئة إلا أنه التزم بما أقر قبل أن تقوم المليشيات والعصابات بخرق الهدنة.

وكشف لواء الصمود على أنه رصد عمليات حرق للمنازل وعمليات تدمير لمحطات تحويل تابعة لشركة الكهرباء، داعياً البعثة الأممية إلى عدم الاشتراك في ما تقوم به من وصفها بـ"المليشيات الفاسدة" والتي أثبت تقرير خبراء مجلس الأمن فسادها حسب قوله.

وطالب البعثة الأممية ورئيسها غسان سلامة بعدم التستر على مَن وصفهم بـ"المليشيات" وتدعم تحركاتها الآخيرة، مؤكداً على أن كل تحركاته تأتي في إطار الدفاع عن النفس ورد الهجمات التي تتعرض لها مواقعه، وأنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام مصادر النيران.

وبدوره،انتقد القيادي في قوة مكافحة الإرهاب مختار علي الجحاوي،في بيان له، عمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبنود اتفاق وقف إطلاق النار بطرابلس الموقع في مدينة الزاوية في التاسع من سبتمبر الجاري برعاية البعثة، بين الأطراف المتنازعة بالعاصمة.

وانتقد القيادي في قوة مكافحة الإرهاب الأوضاع في طرابلس، مشيرا إلى أنه "في نهاية أغسطس الماضي اندلعت اشتباكات دامية في طرابلس نتيجة تردي الأوضاع، وتدخلت البعثة الأممية بنفوذها، وأقصت كل المساعي الوطنية لحل الأشكال ووضع إصلاحات مناسبة وفرضت حلاً مغلقاً مكوناً من عدة بنود، وأعلنته في اجتماع الزاوية في 9 سبتمبر 2018، وحصرت الحل في ترتيبات أمنية تختار البعثة من يُشرف عليها ومن ينفذها".

وتعمق التطورات الأخيرة التي تشهدها العاصمة الليبية من الشكوك حول قدرة البعثة الأممية على التوصل لحلول ناجعة في الملف الليبي.وكان محمد المبشر، رئيس "مجلس الأعيان" الليبي،أكد في وقت سابق، إن البعثة الأممية برئاسة المبعوث الأممي غسان سلامة تجاوزت المهام المكلفة بها في ليبيا، وأن الأمر يرجع لتراجع الدور الليبي الداخلي.

ونقلت "سبوتنيك" عن المبشر قوله أن تراجع الدور الليبي-الليبي في مسألة المصالحة والإجراءات السياسة والدستورية أدى إلى تدخل البعثة الأممية في أمور ليست من اختصاصها، وأن اللوم في مثل هذه المواقف يوجه إلى الليبيين لعدم قدرتهم على التحاور أو حل الأزمة.

وعن هدنة طرابلس، أوضح المبشر أنه على الرغم من وقف إطلاق النار إلا أنه لا يوجد ضمان لعدم تجدد الاشتباكات مرة ثانية، وأن الضمان الوحيد لهذا الأمر هو نزع السلاح وحل التجمعات أو الكتائب المدنية المسلحة" الميليشيات" وتمكين القوات المسلحة والشرطة من زمام الأمور.مشيرا الى أن توحيد المؤسسة العسكرية بات ضروريا ولازما من أجل إنهاء الوضع الراهن.

وشهدت العاصمة الليبية بداية من ليل الأحد 26 أغسطس/آب الماضي اشتباكات هي الأعنف منذ 7 سنوات.وتزيد هذه الإشتباكات من ضبابية المشهد الليبي.ويرى مراقبون ضرورة تفعيل الدور الليبي-الليبي لحلحلة الوضع المتردي،خاصة في ظل العجزالدولي عن الوصول لحلول توافقية بين المتنازعين تنهي حالة الإنقسامات والصراعات المتجددة التي أنهكت البلاد.