تواجه الأزمة الليبية نذر العودة إلى المربع الأول، بنسف إمكانية تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، وذلك بعد توصل اللجنة الدستورية خلال اجتماعاتها التي اختتمت أمس بالغردقة المصرية الى اتفاق حول تنظيم استفتاء على مسودة الدستور المرفوضة من البرلمان وقيادة الجيش والقبائل والأقليات، وذلك بناء على القانون الصادر من مجلس النواب رقم 6 لسنة 2018، المعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2019، مع تعديل المادة السادسة باعتماد نظام الدوائر الثلاث (50%+1) فقط، وإلغاء المادة السابعة منه.

وفيما رحبت الخارجية المصرية، وقالت إنها “تتطلع لاستضافة الجولة الثالثة والأخيرة للمسار الدستوري في فبراير المُقبل بحضور المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لوضع خارطة الطريق لكل من الاستفتاء والانتخابات”، أكدت مصادر مطلعة لـ«العرب» أن الهدف من الاتفاق المعلن هو تأجيل الانتخابات، وتمديد الفترة الانتقالية الجديدة التي ستشرف عليها السلطات التنفيذية المنتظر انتخابها قريبا وفق الآلية المصدق عليها من قبل لجنة الحوار

وقالت المصادر أن الطرف المستفيد من اتفاق الغردقة هو الطامع في تأجيل الانتخابات والاستمرار في الحكم، في إشارة الى مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح الساعي لتقلد منصب رئيس للمجلس الرئاسي القادم، ومجلس الدولة الاستشاري الخاضع لسلطة الإخوان غير الراغبين في تنظيم الاستحقاق الانتخابي ، مرجحة أن هناك توافقات بين عقيلة وصالح المشري تحت رعاية إقليمية للإطاحة بخارطة طريق البعثة الأممية ورئيستها بالوكالة ستيفاني وليامز ، وترحيل الملف الى طاولة المبعوث الأممي الجديد يان كوبيش.

وكانت وليامز نعتت أول أمس، الطبقة السياسية في شرق البلاد وغربها بالديناصورات” المرتبطين بقوى ما قبل العام 2011، وأكدت في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية أن هذه الطبقة الممتدة عبر خطوط الصراع بين الشرق والغرب في ليبيا مصممة على الحفاظ على الوضع الراهن والوصول المتميز إلى خزائن الدولة محذرة من الدول الأجنبية التي تتحدى الموعد النهائي لسحب قواتها ومرتزقتها.

ويتهم المتابعون أصحاب المصلحة من تأبيد الأزمة بالوقوف وراء إقرار الاستفتاء على مسودة الدستور، ومن بينهم جماعة الإخوان غير المستعدة لوضع رصيدها في ميزان الاختيار الشعبي.

وتزامن الإعلان عن الاتفاق مع تسريب تسجيل صوتي، اعترف فيه رئيس حزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الإخوان محمد صوان، بتورط الجماعة في حرب فجر ليبيا العام 2014 التي تسببت بالفوضى وانقسام المؤسسات، وبتوريط الليبيين في اتفاق الصخيرات، وأنها ماضية في استنساخ التجربة نفسها الآن، مشيرا الى أن الجماعة ترفض الانتخابات وتشكك في جدواها كون كل الاستطلاعات تشير لاستحالة فوزها ديمقراطيًا في أي انتخابات.

ويرى مراقبون أن جماعة الإخوان التي تفتقد الى الحاضنة الشعبية وشرعية الشارع في أغلب مناطق البلاد، تعمل الى الدفع بوزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا الى الإمساك بمقاليد السلطة كرئيس لحكومة تحتكر أغلب الصلاحيات التنفيذية، والتخفي وراءه من منطلق جهوي، باعتباره ينتمي الى مدينة مصراتة التي ينحدر منها أغلب عناصرها القيادية ، ومنح المنطقة الشرقية منصب رئيس المجلس الرئاسي الذي سيكون ضعيفا وفاقدا للصلاحيات المهمة

ويضيف المراقبون أن جماعة الإخوان تدرك أن أي استفتاء منتظر على الدستور ، سيواجه عددا من العراقيل ، نظرا لرفضه من أغلب فعاليات المجتمع الليبي ، وفي حالة تنظيم الاستفتاء ستكون أمام أمرين كلاهما جيد بالنسبة لها ، فتمريره يخدم مصالحها باعتباره يخدم مصالحها بمنحها شرعية العمل السياسي وتشتيت مراكز الحكم كما هو الحال بالنسبة للدستور التونسي الذي يخدم مصالح حركة النهضة ، أما رفضه ، فيعني تأخير الانتخابات الى أجل غير مسمى ، بما يمنحها فرصة الاستمرار فيما هي عليه منذ سنوات من سيطرة على مفاصل الحكم عبر أدواتها الداخلية وحلفائها الإقليميين

وستنعقد الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية بمدينة الغردقة في الفترة من 9 إلى 11 من فبراير القادم، والتي ستُدعى لها المفوضية العليا للانتخابات لبحث الإجراءات التنفيذية للاتفاق الذي تم التوصل إليه.

وقال عضو مجلس النواب صالح افحيمة، أن موعد إجراء الانتخابات وفقا للدستور الجديد ستتجاوز الموعد المقرر ما يعني إطالة أمد الأزمة، فيما أبرز اعضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور عبد الحميد جبريل إن سرعة توافق اللجنة الدستورية بشأن المسار الدستوري المؤدي إلى الانتخابات العامة في 24 ديسمبر 2021 أمر يدعو إلى الاستغراب، معتبرا أن الاستفتاء على مشروع الدستور ليس بالأمر السهل واليسير، بل هو في غاية الصعوبة والتعقيد، وأن المسألة تواجهها كثير من العوائق.

ويرى عضو مجلس النواب، إبراهيم الدرسي أن قرار اللجنة الدستورية سيدفع نحو إضاعة المزيد من الوقت، وسيكون هناك الكثير من اللغط حوله بين إقليم يرفض وإقليم يوافق وأصوات يطعن بها كما أن النسب تتعرض للطعن القضائي، مشيرا إلى أن هذا يعني أن الأجسام ستظل في مكانها ما يعني أن الانتخابات المقرر إجرائها نهاية العام لن تتم ، مشيرا الى أن الكرة ستعود الى ملعب لجنة الستين أو مجلس النواب لصياغة مشروع جديد وسيأخذ ذلك أشهر أخرى ما يجعلنا ندور في ذات الحلقة المفرغة

وبدأت الأصوات ترتفع من جديد ضد الاستفتاء على الدستور، وأعلن المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، أمس الخميس، عن رفضه القطعي للنتائج التي توصلت إليها اللجنة الدستورية، معتبرا هذا اياها منزلقا خطيرا وعملا عدائيا وتصعيدا غير مسبوق ضد أمازيغ ليبيا.

وأكد المجلس في بيان له على مقاطعته للاستفتاء المزعوم وعدم الاعتراف بالنتائج المترتبة عنه، داعيا جميع الأعضاء والبلديات التي تقع ضمن نطاق عضوية المجلس إلى عقد اجتماع عاجل

وقبل ذلك، أعلن مكون التبو وممثلوه المقاطعون في هيئة الدستور أنهم يرفضون رفضا قاطعا طرح مسودة الدستور للاستفتاء، ودعا ممثلو الطوارق إلى اتباع الآليات التي أقرها الإعلان الدستوري، لإشراك الجميع والابتعاد عن فرض منطق المغالبة، لأن إنجاز دستور توافقي يجد فيه كل ليبي نفسه خطوة أساسية، تساهم بشكل فعال في انتشال البلاد من حالة الفوضى التي تعمها، وتساهم في تكاثف الجهود من أجل البناء على المشترك، وتبعد شبح الفوضى والتقسيم وتقطع الطريق أمام القوى التي تتربص بوحدة وأمن واستقرار وتقدم ليبيا

والأسبوع الماضي، حذرت أربع منظمات ليبية من مقترحات الاخوان وتمسكهم بالاستفتاء على الدستور ما يعني تعطيل الانتخابات الى عام 2022، معتبرين أن تلك المقترحات إنما تعني المماطلة المتعمدة بعد الإعلان الأممي عن موعد الانتخابات في 24 ديسمبر 2021.

وقالت المنظمات وهي الحراك الوطني الليبي، وتكتل إحياء ليبيا، والتكتل المدني الديموقراطي، وتيار شباب الوسط، أن البحث عن قاعدة دستورية لتلك الانتخابات المقرر إجراؤها أمر محسوم أصلًا، ولا يحتاج إلى فتح باب جدل جديد؛ وذلك لوجود أساس دستوري جاهز لتلك الانتخابات (وهو القرار رقم 5 لعام 2014، والإعلان الدستوري بتعديلاته المتضمنة لمقررات لجنة فبراير) وذلك منعًا لأي مماطلات أو مماحكات إضافية تستمر في حرمان الشعب الليبي من ممارسة حقه الأصيل والمشروع في اختيار قياداته وتجديد الشرعية في بلاده.

وأشارت المنظمات إلى أن القرار رقم 5 لعام 2014 ما يزال ملزمًا كونه بنصاب صحيح وأغلبية مطلقة، ولم يصدر عن الجسم التشريعي الشرعي ما يبطله، لافتًا إلى أن الإعلان الدستوري كان كافيًا لإقامة الانتخابات الليبية مرتين من قبل في 2012 و2014، إضافة إلى حسم لجنة فبراير لكل مسائل فصل السلطات وتبيين صلاحيات كل منها، واختتمت بيانها بالقول :   “يغنينا كل ما ذكرنا عن المزيد من التأخير باصطناع إشكالات مفتعلة عن القاعدة الدستورية”.

وينظر أستاذ القانون الدولي محمد الزبيدي، الى أن مشروع الدستور معيب من كل الجوانب وتكريس لدولة المليشيات ولجماعة الاخوان المسلمين وتيار الاسلام السياسي تحديدا، حيث يتضمن العديد من البنود ووالمواد التي تقصي التيار الوطني عن الانتخاب وعن المشاركة في العملية السياسية بشكل تام، لافتا إلى أن الهدف من فكرة الدستور هو الايحاء بأن ليبيا دولة ديمقراطية.

ويقول الزبيدي أن هذا الدستور وصمة عار في تاريخ ليبيا، لافتا إلى أنه لا يوجد دستور في العالم بهذا الكم الهائل من المواد التي يغلب عليها طابع الشرح المطول والدخول في اختصاصات اللوائح و القرارات ، مشيراالى أنن دستور الولايات المتحدة الأمريكية يضم ست مواد لا أكثر ، والدستور الفرنسي ونظيره المصري عبارة عن 60 مادة ويراها الفقهاء مطولة جدا، بينما مسودة الدستور الليبي تتضمن 360 مادة

وأصدر كل من التكتل المدني الديموقراطي وتكتل إحياء ليبيا والحراك الوطني الليبي وتيار الشباب الوطني وتنسيقية العمل الوطني والمجموعة الليبية الأمريكية بيانا مشتركا، اطلعت عليه “الساعة 24”.

وقال البيان إن هذه القضية الجدلية تربط بين هذه القاعدة والبحث فيها في ملتقى الحوار السياسي بمساراته المختلفة في تونس والمغرب ومصر وجنيف، مؤكدا أن رغبة الأطراف التي لا يهمها في الحقيقة أن تجد حلولا للخروج من الوضع المأساوي المؤلم الذي انتهت إليه ليبيا أخذت تبرز على المشهد السياسي.

وأضاف البيان أن المستفيد من هذا الوضع هو هذه الأطراف ما يجعلها توجد العقبات والعراقيل أمام إنجاز الاستحقاق الانتخابي المعلن عنه وحشد جهودها كافة لتوظيف كافة إمكانيتها للترويج لفكرة المضي قدما لإقرار مشروع الدستور الذي قدمته الهيئة التأسيسية المعنية بصياغته من خلال الاستفتاء الشعبي.

واتهم البيان هذه الأطراف بأنها تعي جيدا أن سلوك طريق إقرار الدستور لا يمكن أن يؤدي إلى إنجاز الاستحقاق الانتخابي لا في موعده المحدد ولا حتى بعده بسنة أو أكثر فضلا عن علمها التام بما سيترتب عليه أسلوب الاستفتاء من إضاعة للوقت وتمطيط للمهل المتاحة، على حد قوله.

وتابع أن جدلا عقيما سيبرز وترفع به هذه الأطراف عقيدتها حول الحاجة إلى قاعدة دستورية، تجرى على أساسها الانتخابات التشريعية والرئاسية، موضحا أن هذه التجمعات عبرت مرارا وتكرارا عن موقفها المؤكد أن الحل الحقيقي لأزمة الوطن هو المرور إلى تحقيق هذه الانتخابات.

وواصل البيان أن هذه الانتخابات تتم من خلال تمهيد البيئة المناسبة لإجرائها من خلال إنهاء ظاهرة الخروج عن سلطة الدولة وانتشار السلاح ووجود الميليشيات المسلحة في وقت توجد فيه القاعدة الدستورية اللازمة ولا حاجة مطلقا لإيجاد بديل لها والمتمثلة في الإعلان الدستوري ، معتبرا أن هذا الإعلان ينتظر فقط تضمين مقترح لجنة فبراير فيه ليشكل مع قرار مجلس النواب ذي الرقم 5 لسنة 2014 بخصوص الانتخاب المباشر لرئيس الدولة القاعدة الدستورية اللازمة مشددا على وجوب المضي في هذا الأمر لأن مشروع الدستور مرفوض جملة وتفصيلا من قبل هذه التجمعات.

وأعرب البيان عن ثقة هذه التجمعات في قدرة السلطات الجديدة المنتخبة من قبل الليبيين في الـ24 من ديسمبر المقبل على معالجة هذا النقص عبر ترسيخ شرعية جديدة تشريعية وتنفيذية تحكم الدولة الليبية ويكون من أولى مهامها إعادة النظر في مشروع الدستور الدائم، مؤكدا أن على أن إعادة النظر هذه تتم من خلال تشكيل لجنة من خبراء ومختصين يضعون مقترحا جديدا لدستور دائم يعبر عن تطلعات وطموحات الشعب.

 وقال رئيس مجموعة العمل الوطني خالد الترجمان إن اتفاق اللجنة الدستورية كارثي ومعيب، ويهدف لسيطرة الإخوان على ليبيا، وأكد أن مشروع الدستور سبق أن رُفض من الشعب الليبي أساسًا. منتقدًا اجتماعات بوزنيقة ومتسائلًا في الوقت ذاته: “كيف يجتمع البرلمان بالمجلس الأعلى للدولة الذي لا يعترف به؟”، معتبرًا ذلك خلطًا للأوراق.