يعمل نظام أردوغان منذ اندلاع الأزمة الليبية على تصعيد انتهاكاته عبر تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لأنقرة بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني.وتلقي هذه المخططات التركية المشبوهة مزيدا من الانتقادات محليا ودوليا نظرا لما تمثله من خطر يتهدد ليبيا والمنطقة عموما.

وفي خطوة جديدة في اتجاه كبح جماح الانتهاكات التركية المتواصلة في ليبيا،فرض الاتحاد الأوروبي،  عقوبات على ثلاث شركات تركية وأردنية وكازاخستانية ضالعة في انتهاك حظر مبيعات الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.وتم تبني القرار على مستوى السفراء وأيده وزراء خارجية الاتحاد خلال اجتماع عُقد الإثنين في بروسكل.

وقالت تقارير اعلامية انه عُثر على أدلة دامغة ضد الشركات والأشخاص الذين فُرضت عليهم عقوبات.مشيرة الى أنه سيتمّ تجميد أصولهم في الاتحاد الأوروبي ولن يتمكنوا من إقامة علاقات مع شركات في التكتل، ولا الوصول إلى الأسواق المالية الأوروبية.كما تم إرسال كل الأدلة على الانتهاكات إلى الأمم المتحدة التي يمكن أيضاً أن تفرض عقوبات.

ويعتمد الاتحاد الأوربي على عملية بحرية تحت مسمى "ايريني" لمراقبة احترام الحظر الأممي.وأوضح دبلوماسيون أوروبيون أن العملية البحرية سمحت بـ"توثيق" الكثير من الانتهاكات للحظر ارتكبتها تركيا، مضيفين أنه يجب تعزيز وسائلها.واعتبر الدبلوماسيون في بروكسل إن هذه الانتهاكات "تقوّض العملية السياسية الهادفة إلى وضع حدّ للنزاع في ليبيا".

وقوبلت العقوبات الأوروبية الجديدة بغضب من النظام التركي الذي سارع الى انتقاد القرار واعتبارة "مؤسف للغاية".وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إنه "من المؤسف للغاية أن يُتخذ قرار خاطئ كهذا في وقت تُبذل فيه الجهود لخفض منسوب التوترات في شرق المتوسط"، مشددة على أن أنقرة تعتبر أن هذا القرار "لا قيمة له"،على حد تعبيرها.

ومازالت معضلة السلاح تلقي بظلالها على المشهد الليبي وتمثل احدى أهم التحديات التي تواجه المساعي الداخلية والدولية لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية.فهذه الظاهرة التي انتشرت في البلاد منذ العام 2011،تحولت إلى المشكلة الأولى خاصة في ظل استمرار تدفق السلاح الى البلاد رغم الحظر المفروض عليها منذ سنوات.

وفي مارس/آذار 2011 أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1970 وطلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار"، وجرى تمديد القرار أكثر من مرة.

ولم يستطع الحظر الدولي المفروض على ليبيا منع تدفق السلاح اليها،وتصاعدت وتيرة وصول السلاح منذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس في الرابع من أبريل/نيسان الماضي حين أطلق الجيش الليبي عملية عسكرية بهدف فرض الأمن والاستقرار في المدينة،حيث سارعت دول اقليمية على رأسها تركيا الى دعم المليشيات عبر شحنات السلاح التي تتالى وصولها الى مصراتة وطرابلس.

وبالرغم من تتالي الاجتماعات الاقليمية والدولية التي أكدت جميعها على ضرورة الالتزام بالحظر الدولي الا أن النظام التركي واصل تحديه لإرادة المجتمع الدولي التي تبلورت بصفة واضحة في مخرجات مؤتمر برلين،عبر التأكيد على ضرورة: تعزيز مراقبة حظر تصدير السلاح، وتسريح ونزع سلاح المليشيات وفرض عقوبات على الجهة التي تخرق الهدنة.

ومع إعلان رئيس حكومة الوفاق فايز السراج وقف إطلاق النار،يالتزامن مع اعلان المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي وقف إطلاق النار الشامل لإيجاد حل سياسي،بدا واضحا أن تركيا غير معنية بالسلام في البلاد حيث لم تلتزم باعلان الفرقاء واستمرت في الدفع بالمرتزقة وشحنات السلاح والذخيرة.

وفي أغسطس الماضي،وجهت قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم انتقاد لتركيا ومرتزقتها في ليبيا، مؤكدة أنها تقوض أمن البلاد. وقال  ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، خلال اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي، في برلين،إن "تركيا تواصل عرقلة جهود الناتو للتعاون مع الاتحاد الأوروبي في فرض حظر الأسلحة الصادر عن الأمم المتحدة لوقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا".

وفي وقت سابق، طالب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي نائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، تركيا باحترام التزاماتها بموجب مخرجات مؤتمر برلين واحترام حظر السلاح إلى ليبيا. وأوضح عقب اجتماع للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي: "نحن عازمون على تعزيز نظام العقوبات للمساهمة في تنفيذ أفضل لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي سيزيد أيضًا من فاعلية عمليتنا إيريني".

ونقلت تركيا حتى الآن أكثر من 20 ألف مرتزق سوري إلى ليبيا إضافة إلى نحو 10 آلاف متطرف من جنسيات أخرى، حسبما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان.فيما أعلن الجيش الليبي بصفة متكررة عن إمدادات تركية للمليشيات في طرابلس والتي غالبا ما تأتي عبر طائرات شحن عسكرية أو عن طريق البحر، رغم إطلاق الاتحاد الأوروبي العملية "إيريني" لمنع تهريب السلاح إلى ليبيا.

ويعتبر البعض أن العقوبات الجديدة تمثل نقطة هامة في اطار تحجيم الانتهاكات المستمرة لحظر السلاح في ليبيا. ووصف سفير هولندا لدى ليبيا "لارس تومرز"،في تغريدة له بموقع "تويتر"،القرار بأنه "خطوة مهمة كمبادرة جماعية في الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات إضافية على انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات حظر الأسلحة في ليبيا".

ويرى مراقبون،أن الاتحاد الأوروبي بات مصمما على مواجهة الانتهاكات التي تنفذها تركيا في ليبيا لانهاء حالة الصراع، خاصة مع انتشار الآلاف من المرتزقة والارهابيين الذين أرسلتهم انقرة الى ليبيا،والذين يشكلون تهديدا قويا على الأمن الاوروبي اضافة الى انتشار ظاهرة الهجرة السرية من سواحل غرب ليبيا.ويبقى التساؤل مطروحا:هل تنهي العقوبات الدولية الانتهاكات التركية في الأراضي الليبية؟