لم يكن غسان سلامة الأول الذي دعا الى تنظيم الانتخابات في ليبيا، إذ سبقه إلى ذلك عدة مبادرات من ناشطين سياسيين رأوا في الانتخابات المخرج من نفق مظلم على كلّ الأصعدة وضيّقت الخناق على حياة المواطن الليبي البسيط الذي أرهقته إرهاصات غلاء الأسعار من جهة مع تدهور قيمة الدينار الليبي 8 أضعاف من جهة ونقص السيولة من جهة أخرى. وهو الذي لمس في التوقيع على الاتفاق السياسي نهاية لمرحلة الفوضى والانقسام وبداية لمرحلة التحول والاستقرار.

و في مبادرة تعد المحطة الأهم والأبرز في مسار الحوار والاتفاق السياسي الليبي، أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، في 21 سبتمبر 2017، عن مبادرة الأمم المتحدة بعنوان “خطة العمل الجديدة من أجل ليبيا لحل الأزمة في البلاد، هي بمثابة “الإنعاش” لدور الأمم المتحدة في ليبيا التي أهدرت فرصة تاريخية لإحلال السلام في ليبيا بعد نجاح انتخابات جويلية 2012، والوقت بدل الضائع للمتعنّتين في صناعة الحلّ الليبي.

خارطة الطريق

https://i1.wp.com/meemmagazine.net/wp-content/uploads/2018/03/أعضاء-المجلس-الرئاسي-لحكومة-الوفاق-الوطني-الليبية.jpg?resize=708%2C479&ssl=1

تقتضي خارطة الطريق الأممية الجديدة ضرورة صياغة دستور البلاد، حيث أن ليبيا بحاجة إلى إطار قانوني قوي ودائم. ولا يمكن الانتهاء من المرحلة الانتقالية قبل أن تستند ليبيا على دستور حقيقيّ”، وفق ما ورد على لسان المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة. وتعتبر المصالحة الوطنية ثاني خطوات خارطة الطريق لإحلال السلام في ليبيا، برتق نسيج المجتمع الليبي الممزق. وهو شرط أساسي لتوحيد المؤسسات، أو منع اندلاع العنف أو تحقيق قبول واسع النطاق لنتائج الانتخابات.

وقد أعرب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة أن الخارطة تمثل نوعًا من التسلسل السياسي الذي لابد وأن يراعي عددًا من النقاط، على رأسها استعداد المفوضية العليا للانتخابات للعملية الانتخابية بكل ما تتطلبه من عمل لوجيستي وإداري، وهو الشق الذي أكد غسان سلامة على استعداد الأمم المتحدة لتقديم كل الدعم فيما يخصه. 

كما يرى سلامة أنه "يجب إقامة حوار مع الجماعات المسلحة، بهدف إدماج أفرادها في نهاية المطاف في العملية السياسية والحياة المدنية". وبالرغم من كل اللغط الذي يكتنف نقطة دمج الميليشيات الليبية في كيانات مؤسسية منظمة، إلا أن العمل على الوصول لهذا الهدف يُعد أحد أهم الآليات السياسية للتأقلم مع الواقع الميداني في ليبيا، وبالتالي، من غير الممكن القول إن سلامة لم يدرس الواقع الليبي الحالي ولم يتفهم المعطيات الأساسية به. كما ترتبط هذه النقطة ارتباطًا وثيقًا بالنقطة التالية لها وهي "ضرورة العمل على توحيد الجيش الليبي".  وفي الواقع لا يختلف هدف دمج الميليشيات مع أهداف توحيد الجيش الليبي، ولكن الاثنين يفتقران حتى الآن مثلما تفتقر سائر بنود الخارطة الأممية لآليات تنفيذ. 

توحيد الجيش الليبي ودمج التشكيلات المسلحة يحتاج لبنية أمنية قادرة على استيعاب العناصر العسكرية المختلفة والعمل على تحولها مؤسسيا لقوات تابعة للدولة، سواء في الجيش أو في قطاع أمني آخر، وهو ما لم يقم سلامة بتقديمه كحل عملي يبلور ما أتى به من آمال في الخارطة الأممية.

ورغم عجز البعثة الاممية على انهاء الازمة المستفحلة الا ان فتح الباب لإجراء الانتخابات يعد بحد ذاته نجاحا - في وقت تغرق فيه البلاد اكثر في دوامة الفوضى الامنية -. ومن شأنها ان تنهي الجدل الذي ما انفك يتصاعد بقوة بين الفرقاء الليبيين حول مشروعية حكومة السراج من عدمها وذلك بعد انقضاء المدة المفترضة للحكومة في ديسمبر الماضي.

ردود فعل

و قد أثارت الخارطة الأممية التي عرضها غسان سلامة عددًا من ردود الفعل من مختلف الأطراف داخل ليبيا وخارجها، فهناك من قابلها باستهجان، خاصة فيما يتعلق بنقطة عودة أنصار النظام السابق للعمل السياسي، وخاض البعض في كون سيف الإسلام القذافي مطلوبًا على ذمة قضايا في المحكمة الجنائية الدولية وفي المحاكم الليبية، وهي النقطة التي من المتوقع أن تتغاضى عنها الأمم المتحدة نظرًا لتفهمها لضرورة انخراط أنصار النظام السابق في العمل السياسي لحلحلة الوضع في ليبيا. 

وعلى مستوى المؤسسات والدول، رحبت كل الأطراف بما طرحه سلامة، فمؤسسات الدولة في ليبيا، سواء مجلس النواب، أو المجلس الأعلى للدولة، أعلنت دعمها لخارطة الأمم المتحدة. وتجسد هذا الدعم في لجان الحوار التي شاركت بالفعل في اجتماعات تعديل الاتفاق في تونس. 

كما أعربت دول الجوار، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي دعمهم للخارطة الأممية التي أعلنها سلامة في نيويورك. ولكن الخارطة الأممية التي قدمها غسان سلامة طالها عدد من الانتقادات المتعلقة بكونها خارطة لا تتطرق للوضع الحالي الذي يعانيه المواطن الليبي، وتحاول دمج من لا يستحقون المشاركة السياسية في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وهي النقطة التي تتعلق بإمكانية مشاركة سيف الإسلام القذافي تحديدًا. 

كما أن البعض، سواء سياسيين أو مواطنين، تطرق لكون المؤتمر الوطني الذي يقترحه سلامة كأداة للمصالحة الوطنية لن يجدي شيئًا سوى زيادة عدد الكيانات الموجودة في سياق الصراع دون آليات حقيقية تمكن هذا الكيان من ممارسة دوره، وهي نقطة وجيهة لا يمكن إغفالها. 

وبالتالي، من الممكن القول إن الخارطة الأممية التي قدمها غسان سلامة في نيويورك لم تنل الدعم الشعبي الكافي ولم تلق قبولًا على مستوى المواطنين، ولكنها، ونظرًا لتحالفات القوى في ليبيا ولجوء أطراف من الداخل الليبي للمجتمع الدولي لنيل الدعم السياسي، لاقت قبولًا لدى النخب والقوى السياسية في ليبيا التي أدركت عدم قدرتها عن الانفصال عن إرادة المجتمع الدولي، واحتياجها للاعتراف بشرعيتها من خلال مؤسسات دولية كالأمم المتحدة، واعتمادها على دعم مستمر من أطراف إقليمية ودولية تطالبها بالعمل في الإطار الذي وضعته الأمم المتحدة.

http://acpss.ahram.org.eg/Media/News/2017/2/21/2017-636232833180873227-87.jpg

دعم دول الجوار الليبي

أكد وزراء خارجية دول جوار ليبيا، مصر والجزائر وتونس، في ختام اجتماعهم، عقد بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2017، بالعاصمة التونسية، على دعمهم للاتفاق السياسي باعتباره إطارا للحل السياسي في ليبيا، وقد استعرض وزراء خارجية الدول الثلاث الجهود المبذولة من كل دولة لتسوية الأزمة والمساهمة في إيجاد حل توافقي بين كل الأطراف بمختلف انتماءاتهم تحت إشراف الأمم المتحدة.

ودعا وزراء خارجية الدول الثلاث الأطراف الليبية، لإعلاء مصلحة الوطن وتغليب لغة الحوار والتوافق بما يسمح بتنفيذ خطة العمل من أجل ليبيا التي اقترحها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، مشدّدين على رفضهم لأي تدخل خارجي في ليبيا ولكل أشكال التصعيد الداخلي وأي محاولة من أي طرف ليبي يستهدف تقويض العملية السياسية.

وأكد الوزراء الثلاث، أن الحل السياسي يجب أن يكون نابعا من إرادة وتوافق كل مكونات الشعب الليبي دون إقصاء أو تهميش لأحد، وأهمية توحيد كل المؤسسات الوطنية بما في ذلك مؤسسة الجيش الليبي.

وحذّر وزراء الخارجية الثلاث، الأطراف الليبية من خطورة الوصول إلى فراغ سياسي قريب في ليبيا، تستفيد منه الجماعات المتطرفة، مؤكدين في الوقت ذاته دعم الحوار السياسي للتوصل لحل شامل للأزمة ورفض التدخل العسكري.

وشدد الوزراء، خلال مؤتمر صحفي عقب المباحثات، على مواقف بلدانهم التي تتمسك بالحوار وبالاتفاق السياسي كأساس وحيد لتسوية الأزمة الليبية، ورفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي أو اللجوء للخيار العسكري.

وناشد الوزراء الأطراف الليبية بضرورة الامتناع عن استخدام العنف أو اللجوء إلى الخطاب التحريضي أو الإجراءات التصعيدية، مؤكدين أهمية المضي قدمًا نحو التسوية تمهيدًا لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية وإنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا، وتجنب حدوث فراغ سياسي أو أمني قريبًا.

من جانب آخر قاد السودان مباحثات مع أطراف ليبية وأطراف في الإقليم تضمنت زيارات مكوكية لليبيا قام بها وزير خارجيته، توجت بزيارة رئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني للخرطوم، واجتماعه بالرئيس البشير، ما جعل المراقبين يتوقعون إطلاق مبادرة سودانية للتوسط، وكان متوقعا تقديمها لوزراء خارجية دول الجوار الليبي، بيد أن إطلاق مسار غدامس من قبل مجلس السلم والأمن والأفريقي ومجموعة الاتصال الدولية الذي بدأ أعمال مؤتمر الخرطوم، قطع الطريق أمام احتمالات طرح المبادرة السودانية باستضافة المفاوضات، الشيء الذي جعل الوزير كرتي يقول: «هناك الكثير من القضايا تحتاج لتطرح في المنبر المناسب»، دون أن يقدم تفاصيل عن القضايا والمنبر.
 
وشارك وزير الخارجية الليبي محمد الدائري في الاجتماع قادما من أديس أبابا بعد وافق على تبني الاتحاد الأفريقي ومجموعة الاتصال الدولية للمبادرة، وقال للصحافيين في الخرطوم، إن رئيس بعثة الأمم المتحدة بليبيا برناردينو ليون دعا لإطلاق المسار التفاوضي الجديد، المعروف بـ«غدامس2» في التاسع من ديسمبر.

وتتفق رؤية دول جوار ليبيا حول ضرورة التمسك باتفاق الصخيرات، ووحدة الجيش الليبي، ورفض التدخل العسكري الأجنبي، في وقت ترعى فيه الأمم المتحدة مفاوضات مع الأطراف الليبية لتعديل اتفاق الصخيرات.

حملة دولية من أجل السلام في ليبيا

أطلقت حركة المستقبل الليبية حملة دولية من أجل السلام في ليبيا، يوم 21 سبتمبر 2018 الموافق لليوم العالمي للسلام، وذلك بالتعاون مع حركة مشروع تونس ومنظمة "CEMAJUR" العالمية، في مقر معهد السياسات العامة لحركة مشروع تونس بالعاصمة.

في غضون ذلك، دعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، جميع الفرقاء إلى الالتزام بوقف فوري لإطلاق النار في العاصمة طرابلس، معتبرة أن استهداف المدنيين والمنشآت يعتبر من جرائم الحرب.

وقد سلّمت نائب رئيس حركة المستقبل رابحة الفارسي، المبعوث الخاص لجامعة الدول العربية إلى ليبيا السفير صلاح الدين الجمّالي رسالة "الحملة الدولية لتحقيق السلام في ليبيا". وقال الجمالي، في تصريح ل "بوابة إفريقيا الإخبارية" عقب اللقاء الذي احتضنه مقرّ الجامعة في العاصمة التونسية، إن الجامعة العربية تساند كل دعوات أو مبادرات لتحقيق السلام والإستقرار في ليبيا.

وأكد الجمالي أن جامعة الدول العربية تدعم كل الجهود التي تقوم بها مكوّنات المشهد السياسي والإجتماعي في ليبيا لتفعيل المسيرة السلمية والتوصّل إلى حلول تنهي الأزمة التي تعيشها البلاد.

كما قدّمت نائب رئيس حركة المستقبل للمبعوث الخاص لجامعة الدول العربية إلى ليبيا بسطة عن الحزب وأهدافه في مسار حلحلة الأزمة، ويندرج اللقاء بين نائب رئيس حركة المستقبل والمبعوث الخاص لجامعة الدول العربية لدى ليبيا في إطار الحملة الدولية للسلام في هذا البلد.

وقد دعا الجمّالي بالمناسبة، كافة الأطراف الليبية للعمل بجدية وبحسن نية، من أجل استكمال وإنجاح المسار السياسي الهادف، لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، وتوحيد مؤسسات الدولة، وإتمام الاستحقاقات الدستورية والانتخابات التشريعية والرئاسية التي يتطلع إليها أبناء الشعب الليبي.

وفي النهاية، لا يمكن أن نتوقع وقتًا قريبًا لنهاية حالة الانقسام السياسي والصراع العسكري في ليبيا، ولكن ما أثبتته مصر وتونس والجزائر مؤخرًا أن آلية دول الجوار قادرة على خلق إطار سياسي قادر على التوصل لتسوية، ولكن يظل تفعيل هذا الإطار مرهون بحجم الدعم الذي ستتلقاه الأطراف الليبية المتوقع منها التعاون للتوصل لتسوية سياسية شاملة.