تستعد ألمانيا لعقد مؤتمر دوليً حول ليبيا بهدف إخراجها من دائرة الصراع الدولي، وتحديدا بين باريس وروما، وإيجاد الحلول الجذرية لإنهاء الأزمة والاتفاق على تسوية سياسية بين الأطراف الفاعلة ،وذلك بعد فشل المبادرات العربية ومقترحات  الأمم المتحدة.
حيث قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل -يوم 11 سبتمبر 2019، في كلمة أمام البرلمان الألماني- "هناك وضع يتطور في ليبيا وقد يتخذ أبعادا مثل التي شهدناها في سوريا.. ومن الضروري أن نبذل كل ما بوسعنا لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة وستقوم ألمانيا بدورها".
 وأضافت: "إذا لم تستقر الأوضاع في ليبيا فإن استقرار المنطقة الأفريقية بأسرها سيتزعزع". من جانبه كشف سفير ألمانيا لدى ليبيا، أوليفر أوفكزا، اليوم، أن بلاده تهدف إلى استضافة مؤتمر حول ليبيا هذا العام بالتعاون مع الأمم المتحدة لمحاولة إرساء الاستقرار في هذا البلد.
وتحاول ألمانيا التوفيق بين مواقف الدول المتعارضة بين مصر والإمارات من ناحية وتركيا من ناحية أخرى، كذلك الحال بالنسبة لفرنسا وإيطاليا اللتين تقبلتا على مضض انعقاد المؤتمر الدولي بعيدا عنهما، ولدى كلاهما شعور بالأسى من أن يتمخض المؤتمر عن نتائج أفضل مما حدث في كل من باريس وباليرمو العام الماضي.
في هذا الصدد،وأشار المحلل السياسي الليبي فيصل بورايقة لـ" جريدة العرب"إلى أن ألمانيا تحركت بعدما تأكدت من عدم توافق إيطاليا وفرنسا على قواعد لحل اﻷزمة، وتقدمت بهذه المبادرة وهي ليست بعيدة عن مباركة الولايات المتحدة وروسيا، وهما كلمة السر في نجاح هذا المؤتمر وحشد قوى إقليمية ودولية، وتوحيد جهودها من أجل التوصل إلى تسوية سياسية.
وتحركت ألمانيا على صعيد الأزمة الليبية بوتيرة متسارعة مؤخرا بإيعاز من الولايات المتحدة، وتلقت دعما سياسيا كبيرا من الإدارة الأميركية التي شعرت بأن المعارك العسكرية بدأت تدخل في طريق مسدود، وأزالت تنحية جون بولتون مستشار الأمن الوقمي واحدة من العقبات أمام تحرك برلين بمرونة، وهو المعروف بنهجه المتطرف في السياسة الخارجية.
داخليا،لا تبدو القوى المتحاربة متحضرة لأي نوع من الاتفاقيات السياسية بينها ولا جاهزة للعودة إلى التفاوض بعد كل الدماء التي نزفت، حيث ترى القيادة العامة للجيش المدعومة من البرلمان أنها غير مستعدة لأي حوار قبل القضاء على الميليشيات التي أفسدت الاتفاقات والتفاهمات السابقة المنعقدة بين خليفة حفتر وفايز السراج في القاهرة وأبوظبي وباريس وباليرمو، في حين تتمسك حكومة الوفاق بضرورة الالتزام بالاتفاق السياسي الليبي والأجسام المنبثقة عنه كمرجعية سياسية لأي حوار أو اتفاق، وتشترط الوقف الفوري للتعامل مع كافة المؤسسات الموازية، وانسحاب قوات الجيش من العاصمة طرابلس.
خارجيا،تزداد القضية الليبية تعقيدا خاصة مع التدخلات التركية التي تسعى لإفساد المفاوضات بين أطراف الأزمة الليبية، ومع التأكيد بعقد المؤتمر في موعده، ما زال الغموض يسيطر على المشهد الليبي.
من جانب آخر،تقول ألمانيا إن مؤتمر برلين حول ليبيا، الذي يجرى الترتيب له بالتعاون مع بعثة الأمم للأمم المتحدة إلى ليبيا، يهدف إلى إرساء الاستقرار في ليبيا، حيث تم لغاية الآن تنظيم ثلاثة اجتماعات مع أطراف مختلفة استعدادا لهذا المؤتمر، على أن يتم خلال الأسابيع القليلة القادمة تنظيم اجتماع رابع لوضع اللمسات الأخيرة لهذا المؤتمر، الذي تضاربت التقديرات حول جدواه.
في ذات الإطار،وأوضح راقي المسماري، الخبير الليبي في القانون الدولي، أن مؤتمر برلين "سيكتب له النجاح عكس سابقيه (باريس وباليرمو)، لأن الأزمة وصلت إلى مرحلة خطيرة من المراوحة مع صعوبة حسم الأمر عسكريا، خاصة أن الجيش الوطني الليبي حقق حاليا جزءا من أهدافه بالتواجد في العاصمة طرابلس".
وأكد المسماري لـ"العرب"أن مخرجات مؤتمر برلين لن تكون بعيدة في معظمها عن الحلول التي قدمت من قبل في المؤتمرين السابقين ولقاء أبوظبي (بين السراج وحفتر)، من ذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية كحل لمسألة السلطة، وحل الميليشيات وإخراجها وأسلحتها من طرابلس ومحيطها، وسيطرة القوات المسلحة على جميع الأراضي الليبية لتأمين العملية الانتخابية.
قصارى القول،مؤتمر برلين يمكن توصيفه بأنه مؤتمر الفرصة الأخيرة للمجتمع الدولي من جوانب مختلفة حيث أن حالة الفوضى التي تعيشها البلاد أصبحت تهدد بشكل مباشر الأمن القومي لدول حوض المتوسط خاصة مع تنامي موجات الهجرة و تسرب موجات التطرف من ليبيا لكن المجتمع الدولي أمام خيارات محدودة خاصة و أن السلطة المعترف بها دوليا تعيش تحت حماية المجموعات المسلحة.