عبدالباسط غبارة                                       25/09/2018

منذ 26 آب/ أغسطس الماضي، تشهد العاصمة اشتباكات بين ميليشيات مسلحة، أودت بحياة العشرات من المدنيين،وحتى السبت الماضي، بلغ عدد الضحايا 115 قتيلا و383 جريحا، إضافة إلى 17 مفقودا، وفق إدارة شؤون الجرحى التابعة لوزارة الصحة بحكومة الوفاق الوطني.وقد توقفت الإشتباكات في 4 أيلول/ سبتمبر الجاري، بعد وساطة الأمم المتحدة، قبل أن تتجدد وسط تنديد دولي بخرق هدنة وقف إطلاق النار.

وأدت الإشتباكات إلى خسائرمادية كبيرة، ورصد تقرير بثته وكالة "رويترز" آثار دمار وتخريب وأضرار جسيمة طالت منازل ومتاجر ليبيين، بعد الإشتباكات بين الميليشيات المسلحة المتنافسة. وأشارت الوكالة إلى أن الجيوب التي تشهد الاشتباكات تعرضت فيها مقار شركات ومحلات لدمار، كما تسببت الاشتباكات أيضاً بانقطاع الكهرباء في معظم المراكز المدينة، وأدت إلى إغلاق كامل للمطار الرئيسي في طرابلس.


** إتفاق جديد

ومن جديد،أعلن عن التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار بين المتحاربين في العاصمة الليبية،وقالت قوة حماية طرابلس،الثلاثاء 25 سبتمبر، إنه "تمّ الاتفاق الآن بين قوة "حماية طرابلس" والمجموعات المهاجمة للعاصمة على وقف إطلاق النار ورجوع "اللواء السابع" إلى ترهونة، بينما أعلنت ميليشيا "لواء الصمود" التي يقوها صلاح بادي انسحابها من معسكر النقلية في تاجوراء، حفاظاً على مقاتليها بعد نفاد الذخيرة.

وكشف عضو مجلس الدولة بلقاسم دبرز، في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" انه "جرى الاتفاق على إطلاق سراح عدد من السجناء وتسليم مرافق ومؤسسات الدولة لقادة المنطقة العسكرية الوسطى والغربية ومنطقة طرابلس كقوة فض منازعات بهدف تجنيب العاصمة طرابلس  المزيد من الدماء والقتل والتهجير والنزوح".

وينص الاتفاق على خروج كافة التشكيلات المسلحة وعودتها إلى مراكزها، وتسليم المواقع المتنازع عليها إلى "القوة العسكرية المشتركة" التي شكّلها مؤخرا المجلس الرئاسي لبسط الأمن على طرابلس.

وكانت مصادر إعلامية قالت في وقت سابق إن "الطرفين اتفقا على دخول قوة فض النزاع التي يترأسها قائد المنطقة العسكرية الغربية في حكومة الوفاق أسامة الجويلي، إلى أماكن الاشتباك بين الطرفين".

وستستلم قوات جويلي، بناء على الاتفاق، معسكرات جنوب طرابلس والإشراف عليها.ووفقاً لغرفة مخابرة الزنتان التابعة لقوة جويلي، فإن "الأيام الماضية شهدت اجتماعات مكثفة بين جميع الأطراف بهدف التوصل إلى اتفاق مرض للجميع".وقالت الغرفة على صفحتها بموقع "فيسبوك"، إن "الاتفاق نص على أن تنسحب جميع الكتائب وتتوقف الحرب وتتدخل قوة فض النزاع للتأمين وإيقاف جميع الأعمال العدائية".

وكان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج كلف آمر المنطقة العسكرية الغربية أسامة الجويلي وأمر المنطقة العسكرية الوسطى محمد الحداد بالإشراف على ترتيبات وقف إطلاق النار وفض الاشتباكات بمناطق جنوب طرابلس.وبين السراج في تكيفه أن الجويلي والحداد معنيان بالإشراف على انسحاب كافة القوى المتمركزة بمناطق الاشتباكات وتسليم المعسكرات ومقار الوحدات العسكرية النظامية لوحداتها السابقة التي كانت متمركزة بها قبل بداية الاشتباكات وتأمين عودة الحياة الطبيعية بمناطق الاشتباكات.

ويخشى مراقبون أن يكون مصير وقف إطلاق النار الجديد، مماثلا لإتفاقات سابقة لم تنجح في إنهاء مسلسل العنف المتجدد في العاصمة الليية،وذلك في ظل واصل إنتشار الميليشيات وتمسكها بالسلاح بما يهدد بعودة صراع النفوذ في أي وقت،خاصة مع عجز حكومة الوفاق عن بسط سيطرتها وفرض القانون.


** عقوبات دولية

ويأتي هذا الإتفاق، في وقت تصاعدت فيه المطالبات بفرض عقوبات على المتصارعين، حيث طالبت فرنسا مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على الميليشيات المسلحة المتورطة في اشتباكات مستمرة منذ شهر بين فصائل متنافسة في العاصمة الليبية طرابلس، مما قوض مساعي الأمم المتحدة لإجراء انتخابات في ليبيا قبل نهاية العام الحالي - بحسب سكاي نيوز.

وقال جان إيف لو دريان وزير الخارجية الفرنسي للصحفيين قبيل اجتماع عن ليبيا برعاية فرنسية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة "في مواجهة الوضع الأمني المتردي في طرابلس هناك مسؤولية لدعم الليبيين وهذا يعني أن نكون أشد صرامة مع هؤلاء الذين يريدون الإبقاء على الوضع الراهن حفاظا على مصالحهم.

وأضاف أن العقوبات التي أقرتها الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة على تجار البشر في ليبيا ينبغي توسيع نطاقها لتشمل على وجه الخصوص الجماعات المسلحة في طرابلس.

يأتي ذلك، في وقت كشفت فيه تقارير إعلامية عن إدراج أسماء قادة بعض الميليشيات في قائمة عقوبات يتم تحضيرها.وقال المبعوث الأممي الى ليبيا،غسان سلامة إن البعثة "تجمع الأدلة وتُعد قوائم لتقديمها إلى مجلس الأمن؛ لفرض عقوبات على مقوضي السلم والأمن في العاصمة الليبية".

وأضاف إن هناك حاجة لـ"تحرير الحكومة من سيطرة الجماعات المسلحة.. الأولويات الآن هي التخفيف من حدة العنف والبدء في تنفيذ ترتيبات أمنية جديدة في طرابلس ودعم لجنة مراقبة وقف إطلاق النار وتفعيل قوة فض الاشتباك".

ونقلت "إرم نيوز"،عن مصدر أممي قوله أن البعثة الدولية إلى ليبيا سمّت فعليًا اثنين من أمراء الحرب في طرابلس على قائمة غسان سلامة للعقوبات.

وقال المصدر، الكتيبة 33 المعروفة بمليشيا البقرة "بقيادة بشير خلف، ولواء الصمود الذي يقوده صلاح بادي" يتصدران القائمة التي كشف سلامة عنها الاثنين، دون أن يسميهما، خلال كلمته من العاصمة طرابلس إلى الاجتماع الوزاري حول ليبيا المنعقد في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة".

وأدرجت لجنة عقوبات معنية بليبيا وتابعة لمجلس الأمن هذا الشهر أحد قادة الجماعات المسلحة ويدعى إبراهيم الجضران على قائمة سوداء مما يعني تجميد الأصول التي يمتلكها في أي مكان بالعالم ومنعه من السفر، وذلك بسبب إشرافه على هجوم استهدف مرافق نفطية.وقال دبلوماسيون ومحللون إن العقوبات ضد الأفراد محدودة التأثير نظرا لأنهم قلما يغادرون ليبيا.

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في وقت سابق عن "قلقه بشأن زيادة عدد انتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار الموقع من الجماعات المسلحة في طرابلس". وحض، في بيان وزعته البعثة على كل أطراف الصراع، على "احترام وقف إطلاق النار، والامتناع عن أي أعمال قد تزيد من معاناة السكان المدنيين"، مشدداً على "ضرورة محاسبة أي شخص مسؤول عن انتهاك القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان".


** تدخل الجيش

على صعيد آخر،تدفع الفوضى والانفلات الأمني جراء الاشتباكات المستمرة بين الميليشيات،بأصوات مطالبة لتدخل الجيش الوطني الليبي لإنهاء الصراع.وفي هذا السياق،طلب وفد من أعيان ووجهاء مناطق غرب وجنوب ليبيا من القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، التدخل لوقف ما يحدث في العاصمة طرابلس..

وحسب المكتب الإعلامي لقيادة الجيش الليبي، فإن هذا الوفد الذي تكون من مشايخ وأعيان غرب البلاد وجنوبها التقى،الاثنين 24 سبتمبر 2018، المشير حفتر بمقر القيادة في منطقة الرجمة، مضيفًا بأن الوفد طلب من المشير ضرورة إيجاد حل لمشاكل طرابلس، كما ناقش الوفد مع القائد العام للجيش الليبي أوضاع الجنوب.

وكان القائد العام للجيش الليبي، لوح بإمكانية دخول الجيش إلى طرابلس، إذ قال لدى اجتماعه مساء الخميس الماضي، مع قبيلة العواقير، وعدد من أبناء قبائل شرق ليبيا "حينما نرى الوقت المناسب سنتحرك نحو طرابلس، وستسير الأمور بشكلها الصحيح... وفي حال دخول الجيش لطرابلس، فإن ذلك سيثلج صدر الجميع

كما أشار المشير حفتر للدعم الذي تحصل عليه الميليشيات المسلحة من قبل حكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج في طرابلس. لكنه تعهد بأن القانون سيلاحق الجميع، مبرزاً أن "الجيش بات يسيطر على معظم مناطق البلاد... والانتصارات على الإرهابيين في كل مكان".

وتداول رواد لمواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي صورا لحفتر وملصقات قالوا إنها في شوارع طرابلس ترحب بدخول الجيش. ونفى المشير حفتر علاقة الجيش الليبي بالاشتباكات الجارية منذ أسابيع. وأكد أن "الوحدات التي تتحرك في طرابلس الآن ليس للجيش أي علاقة بها على الإطلاق وكل تلك التحركات ارتجالية".

ويتوقع مراقبون قرب دخول الجيش لطرابلس، غير مستبعدين خروج سكان العاصمة خلال الأيام القليلة القادمة في مظاهرات للمطالبة بقوة تخلصهم من سطوة الميليشيات. ويرى هؤلاء أن سكان العاصمة باتوا الآن في وضع صعب ويريدون إنهاء الفوضى والاقتتال، خاصة مع الأمن والاستقرار الذي تشهده المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها الجيش.