أخفق البرلمان التونسي، للمرّة السابعة على التوالي، في استكمال انتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين بالمحكمة الدستورية، من أصل 4، يعود إليه انتخابهم. وينص الفصل 120 من الدستور التونسي على ان المحكمة الدستورية "تختص دون سواها بمراقبة دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب". كما تنظر في المعاهدات الدولية وتطبيق قانون حال الطواري. إلى ذلك، "تلعب دورا ليس فقط في مراقبة دستورية القوانين ولكن أيضا في الاستقرار السياسي في البلاد لأنها هي التي تعلن عن الشغور في منصب رئاسة الجمهورية". وتضم الهيئة وجوبا 12 عضوا ويجب أن يتمتع كل فرد بخبرة لا تقل عن عشرين عاما وان يكون ثلاثة أرباعهم من المتخصصين في القانون. ويعين رئيس الجمهورية أربعة أعضاء والمجلس الأعلى للقضاء أربعة آخرين.

ويبدو أن إسلاميو حركة النهضة يقفون حجر عثرة أمام إرساء هذه الهيئة القضائية المهمة مستقبلاً في مراقبة السلطتين التنفيذية والتشريعية. فالنهضة أصبحت متمسكة بترشيح المحامي عياشي الهمامي، والذي لا يجد موافقة من طرف بقية الكتل السياسية، وفي هذا السياق كشفت النائب عن حزب آفاق تونس، ريم محجوب في تصريحات للصحافيين، إن حركة النهضة "تساوم بملف المحكمة الدستورية من خلال سعيها لفرض مرشحها العياشي الهمامي أو التهديد بعدم إرساء المحكمة، فالسيد الهمامي لم يحظ بتوافق جميع الكتل، مقابل تعنت وتمسك حركة النهضة به".

وكانت حركة النهضة قد رفضت في مقابل ذلك ترشيح أستاذة القانون، سناء بن عاشور، بسبب توجهاتها العلمانية، على الرغم من أنها قد دافعت عن الإسلاميين ضد نظام بن علي قبل العام 2011، وكذلك هي ابنة المفتي الراحل لتونس الشيخ الفاضل بن عاشور. كما رفضت أيضاً ترشيح الأكاديمي والأديب التونسي الفائز بجائزة البوكر للرواية، شكري المبخوت، بدعوى أنه معارض للإسلام السياسي. ويُشار أن سناء بن عاشور كانت قد أعلنت انسحابها من السباق نحو عضوية المحكمة الدستورية في رسالة مفتوحة أكدت فيها بأنه لا يمكنها أن تساهم في عملية تلاعب سياسي تشكل خطرا على مستقبل الديمقراطية في البلاد.

ويواجه البرلمان منذ العام 2014 صعوبات في استكمال انتخاب ثلاثة اعضاء باقين بسبب غياب التوافق على المرشحين ولم يتمكن سوى من انتخاب القاضية روضة الورسيغني في جلسة عامة في مارس 2018. كما لم يتمكن النواب في جلسة عقدت في أبريل الفائت من استكمال الانتخاب. ومن المنتظر ان يجتمع مكتب البرلمان الخميس ليحدد موعدا لجلسة مقبلة.

ويبدو أن حركة النهضة لا تريد حالياً إرساء المحكمة الدستورية، قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع عقدها في أكتوبر القادم، لأن الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي يحق له دستورياً تعيين أربعة أعضاء من هيئة المحكمة، لذلك تريد أن تنتهي عهدة قائد السبسي لجهة الاختلافات الجوهرية بينها وبين الرئيس، وهي تعليم جيداً أنه السبسي سيعيين أعضاء ليسوا في توافق مع تيار الإسلام السياسي. كما أن النهضة تسعى لنيل الأغلبية مع حليفها يوسف الشاهد في البرلمان، بعد الانتخابات، وبالتالي سيتسنى لها تعيين أعضاء المحكمة الدستورية كما تريد.

ولتجاوز الإحراج أمام الرأي العام، تقدمت حركة النهضة بمقترح لتعويض المحكمة الدستورية وقتياً بهئية مراقبة دستورية القوانين داخل البرلمان. واعتبر النائب عن كتلة الائتلاف الوطني كريم الهلالي أن مقترح حركة النهضة بإحالة مهام المحكمة الدستورية إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين غير عملي نظرا لانّ تغيير صلاحيات الهيئة الوقتية يتطلب تدخلا تشريعيا عن طريق سن نص قانوني يمنحها صلاحيات جديدة.

وقال القيادي في حركة نداء تونس رضا بلحاج تعليقا على هذا المقترح "تواصل حركة النهضة المناورة لتجنب تركيز المحكمة الدستورية من خلال اقتراح تغيير صلاحيات الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين. لا بد لحركة النهضة أن تتخلّى عن مناوراتها التي تهدف أساسا إلى إضعاف رئيس الدولة من خلال منعه من تعيين أعضاء المحكمة الدستورية".

و"الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين" هي هيئة قضائية تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية في إطار ميزانية الدولة. وتم إنشاؤها في أبريل 2014، وتختص بمراقبة دستورية مشاريع القوانين. وجاءت هذه الهيئة تعويضا للمحكمة الدستورية التي تم حلها في 2011 إثر الثورة التونسية، وتنتهي مهامها عند إنشاء تلك المحكمة.