عادت ليبيا إلى واجهة الاهتمام الأمريكي من جديد، من خلال مبادرة لحل الأزمة وسط توجّس من تعثر هذه الخطوة خاصة في ظل احتدام الصراع الفرنسي الإيطالي الذي وصل أوجه هذه المدة خاصة مع تضارب الآراء حول تحديد موعد للانتخابات.

المبادرة الأمريكية

تتمثل الخطة الأمريكية في عقد مؤتمر وطني يطالب بسحب الاعتراف من كل الأجسام السياسية، وعرقلة إجراء انتخابات رئاسية في ظل الظروف الراهنة، وإجراء انتخابات برلمانية خلال ستة أشهر، والتعاون مع مخابرات إحدى الدول العربية لاستيعاب قادة الميليشيات المسلحة الأربعة المسيطرين على طرابلس، وتحجيم دور مجلس النواب في طبرق، وعرقلة أي تحرك لإصدار تشريع يمكن أن يؤثر على هذه الخطة.

أشار مراقبون إلى صعوبة تنفيذ الخطة الأميركية، لأن الأوضاع في ليبيا متحركة على الدوام وتتسم بسيولة شديدة، ومن الصعوبة الاعتماد على الميليشيات المسلحة في أي عملية مستقبلية لإرساء الأمن، حيث أن الخطة الأميركية ولدت مشوهة، وتكرر أخطاء سابقة، بشأن الاعتماد على بعض الميليشيات المسلحة كبند رئيس في الحل، مما يؤكد صعوبة تنفيذ هذه النوعية من الرؤى السياسية، لأن قطاعًا كبيرًا في الشارع الليبي بات يرفض الكيانات المسلحة، ولا يثق المواطنون في الميليشيات.

وأشارت بعض التطورات إلى وجود تنافس أميركي فرنسي داخل أروقة مجلس الأمن، أعقبه تعيين الأميركية سيتفاني وليامز نائبة للمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، تلاه نشاط أكبر للسفيرة وليامز أوضح أن البوصلة الأميركية تضبط اتجاهها على ليبيا بالمزيد من الزخم والتفاعل، مما يؤكد أن المناوشات الغربية أمامها المزيد من الوقت لتستقر ناحية رؤية واشنطن أو فرنسا أو إيطاليا، أم يضطر الجميع إلى الجلوس والتوصل إلى تفاهمات سياسية وأمنية تحقق لكل طرف جانبًا من أهدافه.

وسط كل هذه التحركات يبدو لاعبو الخارج متغافلين عن لاعبي الداخل، فما تريده الولايات المتحدة من تقليص لدور الأجسام الليبية الفاعلة حاليًا يمكن أن يغير اتجاهات كثيرة في خطتها، ويجعلها تواجه المصير الغامض لخطة فرنسا والمصير القاتم لخطة إيطاليا التي سوف تولد في مؤتمر روما نوفمبر المقبل.

السيناريو العسكري

نشر موقع "إنترسبت" الاستخباراتي الأميركي، أول من أمس، محتويات تقرير أصدرته القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، عن سيناريو مستقبل الحرب الأميركية ضد الإرهاب في أفريقيا. وصدر التقرير في نهاية العام الماضي، وحصلت عليه "إنترسبت" حسب قانون حرية المعلومات. وكان صدر في أعقاب استراتيجية أعلنها البنتاغون، بناء على تعليمات الرئيس دونالد ترامب بالتركيز على مواجهة الصين وروسيا، أكثر من مواجهة الإرهاب.

وبالإضافة إلى التعاون مع نيجيريا، أشار التقرير إلى "550 ضربة بطائرات درون ضد إرهابيين في ليبيا"، خلال السنوات السبع الأخيرة، وقال إن كوماندوز من «غرين بيريت» (القبعات الخضراء، التابعة للقوات البرية)، و«سيل» (التابعة للقوات البحرية)، وغيرهم من قوات الكوماندوز "يعملون حسب بند مهمل في الميزانية تحت الفقرة 127 سي، ويشتركون في عمليات مراقبة، وعمليات مباشرة ضد إرهابيين في ليبيا ومالي وموريتانيا والنيجر وتونس".

وفي الوقت نفسه هناك مخاوف من إمكانية سيطرة تنظيم داعش على غرب ليبيا ثم استعمال عائد النفط لتمويل عمليات إرهابية إلى الجنوب، في دول أفريقيا في منطقة الصحراء والساحل.

تقرير حالة

نشرت مؤسسة «أميركان انتربرايز» البحثية مقالًا حول الوضع في ليبيا،  للخبيرة في الشؤون الليبية «إميلي إستيل» قالت فيه: "بعد سبع سنوات من الثورة الليبية، لا تزال البلاد دولة فاشلة تعصف بها أزمة إنسانية وتشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي الأمريكي".

وقالت ««إميلي إستيل»، إن أعداء أمريكا وخصومها، بما في ذلك داعش والقاعدة وروسيا، يستغلون الانهيار الحالي ويثبتون أنفسهم في ليبيا على حساب أميركا، في حين أن الولايات المتحدة لا تولي اهتمامًا ولا تستعد للعاصفة التي تلوح في الأفق.

تقول «الكاتبة» إن هذا التقاعس الأمريكي في ليبيا ليس حيادًا بل هو الفشل بعينه، وأسباب هذا كثيرة. حيث سلمت الولايات المتحدة الأزمة السياسية الليبية إلى بعثة للأمم المتحدة في الوقت الذي اتبعت فيه استراتيجية فاشلة لهزيمة داعش بعمل عسكري من خلال الضربات الجوية ودعم القوات المحلية. وأضاف «إميلي إستيل» : «كما أن سياسة الولايات المتحدة وهي معالجة الأمر عسكريًا، والتركز على داعش فقط فشل في معالجة القيمة الاستراتيجية لليبيا، التي هي ساحة معركة في حرب إقليمية بالوكالة ومسرح لتوسع روسيا وتمددها إلى البحر الأبيض المتوسط.

وقالت الباحثة في الشؤون الليبية، أن موسكو تقوم ببناء روابط مع وسطاء السلطة عبر الطيف السياسي الليبي وتركز على النفوذ في قطاع النفط الليبي، فضلا عن الاستفادة من مشاركتها في ليبيا لتعزيز التعاون العسكري مع مصر. وستستخدم روسيا أيضًا سلطتها في ليبيا للضغط على دول جنوب أوروبا الحساسة لتدفق الطاقة والمهاجرين من ليبيا. وسوف تحاول تطبيق هذا الضغط لإضعاف التحالف الأوروبي الأمريكي وتحفيز السلبية في مواجهة العدوان الروسي ضد أوروبا الشرقية. وتوقعت ««إميلي إستيل»، أن تؤدي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها في أواخر عام 2018 إلى إثارة الصراع بدلًا من توحيد ليبيا، خاصة في غياب الدستور.

واعتبرت أن أسوأ السيناريوهات بالنسبة لليبيا، هي نشوب صراع على المستوى المحلي، يؤدي إلى نشوب نزاع مسلح على نطاق البلد، من شأنه أن يجتذب قوات الأمن التي تقاتل حاليا داعش، ويؤدي إلى نموها. ومن شأنه أن يسمح أيضا للجماعات المنحازة للقاعدة بإعادة دخول المعركة والعودة من نكسات عامي 2016 و 2017. ومن شأنه أيضا زيادة النشاط الجهادي السلفي، أن يقدم مبررًا لروسيا لإقامة قواعد عسكرية في ليبيا، ما يعكس تدخلها المماثل في سوريا على نطاق أصغر.