مرت نحو ثماني سنوات على اندلاع الازمة في ليبيا، ولا تزال البلاد تعيش في حالة متقدمة من الفشل الأمني وتفشي الفوضى وعدم الاستقرار، بل ومثلت خلال السنوات الماضية مصدر قلق وتهديد أمني خطير إقليميا ودوليا، إذ تحولت لدولة حاضنة ومولدة للإرهاب العابر للحدود.

في ظل هذه الفوضى،واجهت  مؤسسات الدولة، أشكالاً من المعوقات التي تمارسها المليشيات والفصائل المسلّحة والمجموعات الإسلامية المتطرّفة،التي تسعى لخدمة مصالحها على حساب قوت الشعب الذي وجد نفسه خلال السنوات الماضية في وضع معيشي صعب نتيجة تفشي الفساد والسرقة والنهب.


** القضاء الليبي

وفي مؤشر جديد على محاولات القضاء الليبي لملاحقة المتورطين في جرائم تمس أمن البلاد أو دعم جماعات التطرف، أصدر مكتب النائب العام في العاصمة طرابلس جملة من أوامر الضبط والاعتقال بحق 31 من قيادات المعارضة السودانية والتشادية في البلاد، إلى جانب 6 ليبيين، أبرزهم عبد الحكيم بلحاج الآمر السابق لـ"الجماعة الليبية المقاتلة" وإبراهيم الجضران الرئيس السابق لجهاز حرس المنشآت النفطية، بالإضافة إلى 4 قيادات آخرين على صلة بتحالف ما يسمى بـ"فجر ليبيا"، الذي يضم فصائل مسلحة متشددة.

وقال مدير مكتب التحقيقات بمكتب النائب العام الليبي الصديق الصور، في مذكرة ضبط وإحضار بلحاج، التي وجهها إلى رئيس جهاز المخابرات الليبية ورئيس جهاز المباحث العامة، إن أوامره بضبط وإحضار الشخصيات الليبية تأتي في ظل التحقيقات الجارية حول الوقائع التي تضمنتها القضية رقم لسنة 50 /2018 مخابرات وإلى ما ورد بالبلاغات المرفوعة لمكتب النائب العام الليبي ذات الصلة بالهجوم الذي تم من قبل مجموعات مسلحة على الحقول والموانئ النفطية.

فضلاً عن بلاغات بالهجوم على قاعدة تمنهنت، والتدخل في القتال الذي كان بين بعض القبائل الليبية، والوقائع المتعلقة بجرائم القتل والخطف والحرابة، التي طالت عدداً من المواطنين الليبيين بمدن الجنوب، من قبل عناصر فصائل المعارضة التشادية الموجودة بإقليم الدولة الليبية.كما تحدث الصور عن بلاغات تتعلق باستعانة عدد من المواطنين الليبيين بعناصر من المعارضة السودانية والتشادية في القتال الدائر بين الأفرقاء الليبيين.

وطالب الصديق،بناءً على تهم تتعلق بأمن الدولة، رئيس جهاز المخابرات الليبية ورئيس المباحث العامة بالبحث والتحري عن المعارضين الأجانب وعددهم 31 عنصراً، مطالبا بضبط وإحضار عبد الحكيم بلحاج، وابراهيم الجضران، وشعبان هدية المكنى أبوعبيدة الزاوي، وحمدان أحمد حمدان، وعلى الهوني، ومختار إرخيص.

كما أوضح الصور، في تصريحات تلفزيونية، أن أوامر اعتقال الليبيين الستة صدرت بسبب تورطهم مع عناصر من المعارضة السودانية والتشادية النشطة في شن هجمات داخل الأراضي الليبية، مشيراً إلى اعتقال وزير الدفاع في "جبهة الإنقاذ التشادية" قبل أيام في العاصمة طرابلس، دون أن يحدد موعد الاعتقال. كما أكد أن التحقيقات لا تزال جارية في التهم الموجهة للأشخاص، التي ترتبط بدفع أموال من أجل القيام بجرائم وإثارة الفوضى.


** ترحيب

وقوبل قرار ملاحقة المتورطين في جرائم وتهم إرهابية بترحيب في الأوساط الليبية،وأشار البعض الى أن قرار النائب العام يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح للتخلص من الميليشيات وقادتها الذين تسببوا في المآسي التي عرفتها ليبيا خلال السنوات القليلة الماضية، آملين أن يكون بمقدور السلطات الليبية تنفيذ المذكرة ولا تبقى مجرد بيان يتم تداوله.

وسارعت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان للترحيب بقرار النائب العام الليبي، حيث اعتبرت في بيان لها أن "أوامر القبض الصادرة عن مكتب النائب العام تعتبر خطوة جادة في اتجاه تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين والإرهابيين ليكونوا عبرة لغيرهم، وترسيخاً لمبدأ عدم الإفلات من العقاب".

وشددت في بيانها على "ضرورة الاستمرار في ملاحقة جميع الأطراف المتورطة في أعمال الإرهاب التي طالت المدن الليبية أبرزها بنغازي وسرت ودرنة، التي كانت أكثر تضرراً من غيرها".

وبدوره، ووصف العميد أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي، قرار النائب العام "الصديق الصور، بأنه "خطوة مهمة وإيجابية على طريق تطهير ليبيا من رعاة الإرهاب والإرهابيين، الذين عاثوا في البلاد فساداً، وإجراماً".

ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية،عن المسماري قوله  إن "هذا القرار ستكون له دون شك تداعيات على المشهد الليبي العام، لأنه رسالة إلى كل أمراء الحرب وتنظيمات الإسلام السياسي، وخاصة تنظيم الإخوان والقاعدة، وبقية الميليشيات، تُؤشر إلى بدء ساعة السقوط التي ستشمل كافة الأدوات الوظيفية التي ساهمت في تدمير ليبيا".

وأضاف أن "هذا القرار يأتي ليؤكد مرة أخرى ما سبق أن أعلنته القيادة العامة للجيش الليبي، من أن عبدالحكيم بلحاج، وأبوعبيدة الزاوي، وغيرهما من الأدوات الوظيفية هم من أدخلوا ومولوا الإرهاب في ليبيا، ومارسوا القتل والاغتيال والنهب والسرقة، خدمة لأجندات خارجية تريد الشر لليبيا".


** عقوبات دولية

وتزيد التحركات الليبية في خنق قادة المليشيات وأمراء الحرب في ليبيا خاصة بعد تحرك الأطراف الدولية التي صعدت من وتيرة تهديدها بفرض عقوبات من شأنها تحجيم تغول هذه المليشيات المسلحة وإنهاء عبثها بأمن المدينة وسكانها.

وكانت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا أكدت في بيان لها نشرته على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، ، في سبتمبر الماضي، أنها تعد لائحة بأسماء منتهكى القانون الإنسانى الدولى من قادة الميليشيات المسلحة بالعاصمة طرابلس، لتقديمها إلى مجلس الأمن الدولى لفرض عقوبات عليهم ومقاضاتهم.

وسرعان ما أدرج مجلس الأمن الدولي، اسم صلاح بادي، القائد المثير للجدل لميليشيات مسلحة من مدينة مصراتة، على قائمة عقوباته بإيعاز أميركي وفرنسي وبريطاني.وتضمنت العقوبات، منع صلاح بادي من السفر، وتجميد أرصدته المالية، كما أنها فرضت عليه لأنه كان معرقلا دائما للحلول السياسية في ليبيا، ومعارضا لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، إلى جانب دوره القيادي في الاشتباكات التي دارت في طرابلس شهر آب/أغسطس الماضي، والتي تسببت في مقتل 120 أغلبهم من المدنيين.

وقبل ذلك فرضت الولايات المتحدة بالتعاون مع لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي،عقوبات مالية على إبراهيم الجضران، القائد السابق لحرس المنشآت النفطية الليبية.وأضافت لجنة العقوبات اسم الجضران إلى قائمة الأفراد والكيانات الخاضعين للعقوبات الدولية، بعد مقترح تقدمت به البعثة الدائمة لليبيا في الأمم المتحدة.

وتشير هذه التطورات الى بداية انهيار المليشيات وأمراء الحرب الذين ترسخ وجودهم في أعقاب الأزمة التي عصفت بليبيا، حيث استغلوا انتشار السلاح وغياب سلطة الدولة لتكوين مناطق نفوذ تحت سلطة الرصاص، وهو ما أدخل البلاد في دوامة من العنف والفوضى.ويرى مراقبون أن هذه التطورات من شأنها أن تكون فاتحة لتغيرات سياسية في المرحلة القادمة خاصة مع تكثيف الجهود الاقليمية والدولية لانهاء الأزمة في البلاد.