في الحادي عشر من سبتمبر، تعرضت القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية لهجوم قيل في البداية إنه كان نتيجة مظاهرة نُظمت احتجاجاً على فيلم أميركي مسيء للمسلمين نُشر على موقع يوتيوب، ثم ما لبثت أن تطورت إلى أعمال عنف خرجت عن نطاق السيطرة وأسفرت عن مقتل أربعة أميركيين، من بينهم السفير الأميركي إلى ليبيا كريستوفر ستيفنز، إلى جانب عشرة من رجال الشرطة الليبيين. هذا قبل أن تتراجع الإدارة الأميركية لاحقاً وتعلن أن ما وقع كان هجوماً إرهابياً مخططاً له ولم يكن نتيجة الاحتجاجات المعارضة للفيلم المسيء للمسلمين.

وفي كتابه «قوى الظلام.. حقيقة ما حدث في بنغازي»، يحقق الكاتب الأميركي كينيث تيمرمان في هذا الهجوم في محاولة للإجابة عن السؤالين الأساسيين: ماذا حدث بالضبط، ولماذا؟ وبالاعتماد على حوارات مع عدد من المصادر في المنطقة، يزعم تيمرمان أن هجوم بنغازي كان هجوماً إرهابياً مخططاً له بعناية، وأن أوباما ووزيرة الخارجية في حينه، هيلاري كلينتون، كان يعلمان أن الإرهابيين يقفون وراء الهجوم، لكنهما افتعلا غطاء المظاهرة الاحتجاجية العفوية للحفاظ على مظهر النجاح في سياساتهما المناوئة للإرهاب، خاصة أن الهجوم أتى عشية انتخابات 2012 الرئاسية، وكان أوباما قد أعلن أن «زخم الحرب أخذ يتراجع». وفي هذا الصدد، يرى المؤلف أنه إذا كانت فضيحة «إيران كونترا» قد ألقت بظلالها على الولاية الثانية لرونالد ريجان وكادت تطيح به، فإن ما حدث في بنغازي أسوء بكثير، لأنه على الأقل «لم يمت أي أميركي خلال فضيحة «ووترجريت» أو نتيجة «إيران كونترا»، ما يجعل هجوم بنغازي «أكبر وأظلم فضيحة سياسية في التاريخ الأميركي الحديث».

 

ويقول تيمرمان إن وزارة الخارجية الأميركية، ونظراً لأنها كانت تنظر إلى ليبيا ما بعد القذافي على أنها أخذت تقترب من الوضع «الطبيعي»، تجاهلت الدعوات الموجهة إليها من أجل زيادة الإجراءات الأمنية وتعزيزها، بينما كانت ليبيا في الواقع «تخرج عن السيطرة» وكان المسلحون يجوبون الأحياء. وهكذا، تُرك مجمع بنغازي بدون حماية من قبل وزيرة خارجية كان همّها الاحتفال بقصة نجاح في انتخابات نوفمبر ثم «الإعداد لتتويجها كأول امرأة تتولى رئاسة البلاد.. في 2016».

ويبحر تيمرمان في القصة المعقدة لدور ليبيا في تلك الفترة كبازار أسلحة للإرهابيين، منتقداً صناع السياسات الأميركيين لمحاولتهم التمييز بين مجموعات إسلامية عنيفة وأخرى غير عنيفة. ففي ذلك الوقت، كانت بنغازي قطباً لعمليات التهريب السرية للأسلحة الأميركية إلى مجموعات إسلامية في ليبيا وسوريا، حيث كانت الإدارة الأميركية توفر الأسلحة من أجل محاربة القذافي في ليبيا والأسد في سوريا، وهي تعلم أن العديد من زعماء الثوار ينتمون إلى «القاعدة»، على حد قوله. لكن البيت الأبيض سرعان ما أرسل أعضاء من مجلس الأمن القومي إلى ليبيا في مهمات تروم التفاوض حول شراء الأسلحة من زعماء الثوار الليبيين في انتهاك واضح لقانون الأمن الأميركي لعام 1947.

كما يزعم تيمرمان أن مقتل الأميركيين الأربعة كان نتيجة هجوم متعمد خطط له ونظمه «فيلق القدس» الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني، حيث يقول إن «أنصار الشريعة»، وهي المجموعة المتهمة بتنفيذ هجوم بنغازي، دُربت وسُلحت من قبل «فيلق القدس» الذي يعد الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.

الفكرة الرئيسية التي يحاول الكتاب تمريرها هي أن هجمات بنغازي كان يمكن تفاديها. وهو يرى أن هيلاري تتحمل المسؤولية لتجاهلها التحذيرات المتكررة رغم أن السفير ستيفنز (وفريقه الأمني) كان قد حذر مراراً من الوضع الأمني المتردي في طرابلس وبنغازي طالباً موارد وتدابير أمنية إضافية. لكن هيلاري عارضت أي رد عسكري على الهجمات.

الكتاب لا يكتفي بإعادة سرد الأحداث، بل يضع تلك الأحداث في السياق الأكبر لسياسة إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط، فيبحث سجلها في دعم «الإخوان المسلمين» والمجموعات المتطرفة ضمن جهودها لإسقاط قادة تونس ومصر وليبيا. ويُبرز كيف أن هوس أوباما بالتقرب من القيادة الإيرانية جعل طهران تنظر إليه كزعيم ضعيف وغير فعال. كما يُظهر لماذا وكيف كلفت هذه التركيبة القاتلة أرواح أربعة أميركيين في الحادي عشر من سبتمبر 2012.

 

- الاتحاد