عودة من جديد إلى العاصمة طرابلس.. بنفس السيناريو.. الذي يسرد تفاصيل مشاهد تتخللها الحبكة الدرامية من حيث طريقة الهجوم أو التفجير، وأبطالها الملثمين،، في حلقة جديدة من المسلسل الأبرز والأشهر في طرابلس أرض الزهر والحنة، "الإرهاب". 

واليوم.. الموافق الـ 25 من ديسمبر 2018، استيقظت العاصمة على الهجوم الإرهابي الثالث الذي يستهدف في أقل من 4 أشهر مقر من المقرات السيادية في طرابلس، فبعد استهداف مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، واستهداف المؤسسة الوطنية للنفط، جاء الدور على مقر وزارة الخارجية التابعة لحكومة الوفاق بطريق الشط، في هجوم إرهابي أسفر عن وقوع عدد من القتلى والمُصابين

فمع سماع دوي انفجارات كبيرة في محيط الوزارة، شوهدت أعمدة الدخان في السماء، حيث نقلت وكالة رويترز عن مصدر أمني قوله إن "ثلاثة مهاجمين فتحوا النار باتجاه المبنى قبل أن يتمكن اثنان منهم من دخوله وتفجير نفسيهما بداخله، وقتل حرس الوزارة المهاجم الثالث"، وأفادت مصادر بالوزارة لبي بي سي بأن انتحاريين اثنين فجرا نفسيهما في الطابق الثالث من البناية، وارتفعت ألسنة اللهب من البناية وسط إجراءات أمنية مكثفة بينما يتم نقل المصابين إلى المستشفى

الحكومات والأجهزة الأمنية 

وعلى الفور.. خرج وزير الخارجية المفوض بحكومة الوفاق محمد سيالة، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا عقده بمقر رئاسة الوزراء في طرابلس، قائلا "توقعنا الهجوم على الوزارة، والوثائق المهمة في مأمن"، مطالبا مجلس الأمن ولجنة العقوبات التابعة له والمجتمع الدولي رفع الحظر عن توريد السلاح إلى ليبيا بشكل جزئي وعن بعض الأسلحة النوعية التي تمكن من مواجهة الإرهابيين

وزير الداخلية فتحي باشاغا، أكد خلال ذات المؤتمر الصحفي أن منفذي الهجوم على مقر وزارة الخارجية كانوا أشخاص من أصحاب البشرة السمراء، قائلا "أن الأجهزة الأمنية باشرت التحقيق في الحادث وجمع الاستدلالات، معتبرا أن الهجوم يدل على وجود ضعف أمني مؤكدا أنه سيتم وضع خطط أمنيةوأوضح باشاغا أن الترتيبات الأمنية تعتمد على 3 حلقات تشترك فيها كل الأجهزة الأمنية والمناطق العسكرية ولكن للأسف لم تطبق الترتيبات الأمنية إلى الآن لعدم تقدم المناطق العسكرية الوسطى والغربية الذين يتذرعون بعدم توفر الإمكانياتوأضاف باشاغا: لدينا فوضى أمنية والمسؤولية لا تقع على عاتق وزارة الداخلية فقط موضحا أن الانقسام والصراع الذي تشهده بلادنا بيئة خصبة لنمو داعش والمنظمات الإرهابية بكل مسمياتها مردفا ما لم نستطع بناء الدولة لن نتمكن من القضاء على الإرهاب موضحا انه إلى اليوم كل الإمكانيات والموارد المالية منعدمة بمعنى صفر رغم امتلاكنا لكفاءات وموارد بشرية عالية وعلى مستوى العالم.

من جهته، أدان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في بيان، الهجوم على وزارة الخارجية، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية المختصة بدأت تحقيقاتها المكثفة لمعرفة أبعاد وهوية المنفذين والواقفين وراء الاعتداء، مشددا على توجيه كل الإمكانيات المتاحة لمواجهة الإرهاب ومحاصرة عناصره الإجرامية

ردود الأفعال الدولية 

استنكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بأشد العبارات "العمل الإرهابي الجبان الذي طال مبنى وزارة الخارجية في العاصمة طرابلس"، حيث قال المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، في بيان للبعثة "لن ينال الإرهاب من قرار الليبيين بالسير نحو بناء الدولة ونبذ العنف" مضيفا "لن نقبل بالمساس بأي مؤسسة رسمية لاسيما من الجماعات الإرهابية وسنعمل مع الشعب الليبي لمنعهم من تحويل ليبيا لملاذ ومسرح لإجرامهم الأعمى"، مؤكداً أن مثل هذا الهجوم الذي يستهدف مؤسسات الدولة يمثل اعتداء على جميع الليبيين

وأوضحت البعثة أن سلامة اتصل بالمسؤولين "للتنديد بالعمل الإرهابي وحثهم على بذل المزيد من الحماية للمؤسسات العامة"، مضيفة "تتابع البعثة مع السلطات في طرابلس مجريات الأمور وفريقها على تواصل مستمر لتقديم الدعم اللازم في مواجهة تداعيات هذا الهجوم المؤسف". وقدمت البعثة إذ التعازي لاهالي الضحايا، راجية الشفاء لكل المصابين جراء هذا الاعتداء السافر

على صعيد متصل أدانت مصر بأشد العبارات، الحادث الذي استهدف مقر وزارة الخارجية الليبية في طرابلس، وأكدت الخارجية المصرية في بيان أصدرته، على أهمية حشد الدعم الدولي للجهود الأممية في استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، وخاصةً في تنفيذ الترتيبات الأمنية الخاصة بالعاصمة طرابلس، وتأكيد الاختصاص الحصري في الملف الأمني لمؤسسات الدولة الشرعية في ليبيا دون غيرها، وتمكين هذه المؤسسات من الاضطلاع بمسئولياتها تجاه أبناء الشعب الليبي، كما شددت الخارجية المصرية، على استمرار وقوفها بجانب دولة ليبيا في مواجهة كافة التحديات؛ وعلى رأسها محاربة التنظيمات الإرهابية

ومن جهتها عبرت تونس عن إدانتها الشديدة للهجوم، وقال بيان لوزارة الشؤون الخارجية التونسية إنه"إثر الهجوم أجرى الوزير خميس الجهيناوي اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية والتعاون الليبي محمد الطاهر سيالة، عبر خلاله عن إدانة تونس الشديدة لهذا العمل الإرهابي الغادر". وأضاف البيان أن تونس تتقدم بتعازيها الحارة لعائلات الضحايا وذويهم، متمنية الشفاء العاجل للجرحى والمصابين، وشددت على تضامن تونس الكامل "مع ليبيا الشقيقة حكومة وشعبا ووقوفها معهما في مواجهة آفة الإرهاب المقيتة". 

وأعربت الخارجية التونسية "عن أملها في أن تنجح الجهود المبذولة تحت رعاية الأمم المتحدة، في التوصل إلى حل سياسي توافقي شامل للأزمة في هذا البلد الشقيق يمكن من إعادة الأمن والاستقرار وإنهاء معاناة الشعب الليبي، والتفرغ لجهود إعادة الإعمار". 

كما أعربت السفارة البريطانية في ليبيا، في تدوينة نشرتها بصفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "نُدين الهجوم الإرهابي المُرّوع على وزارة الخارجية في ‫طرابلس. نُقدم خالص تعازينا لأسر الضحايا ونتمنى الشفاء العاجل للمُصابين". 

فيما نددت السفارة الكندية في ليبيا، بالهجمات الإرهابية، وقالت في تغريدة نشرها بصفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، "السفارة الكندية تدين الهجمات الإرهابية علي وزاره الشئون الخارجية في طرابلس. أفكارنا وصلاتنا مع الضحايا وعائلاتهم. نحن نقف مع الشعب الليبي وحكومته وندعم بقوة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا نحو جهود المصالحة". ومن جهته أكد سفير ألمانيا لدى ليبيا "اوليفر اوفتشا " أن الهجوم الذي تعرض له مقر الخارجيةلن يغير أي شيء في تعاون برلين مع طرابلس، وقال اوفتشا في تغريدة له بموقع "تويتر" إن الهجوم على طرابلس مروع، مضيفا تعاطفنا مع الضحايا وعائلاتهم وجميع الزملاء" في وزارة الخارجية مؤكدا أن الوزارة ستبقى مكاناً للتبادل السلمي ولن يغير الهجوم أي شيء في تعاون ألمانيا مع ليبيا والليبيين

منظمات حقوقية

 أعربت كل من المنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن إدانتهما للعملية الإرهابية، وجددت المنظمتان، في بيان مشترك، التأكيد على ما تشكله الاعتداءات الإرهابية من انتهاك جسيم لحقوق الإنسان تجب مكافحة وملاحقة مرتكبيه ومحاسبتهم وضمان منع إفلاتهم من العقاب، مؤكدتان على أن استمرار الإرهاب يشكل التحدي الرئيس لمسيرة بناء البلادكما شدد البيان على مسؤولية المجتمع الدولي في التعاون المخلص لضمان القضاء على الإرهاب بليبيا ومكافحته كجريمة منظمة عابرة للحدود، وكذلك على أهمية حرمان الإرهابيين من التستر خلف سواتر سياسية، وعلى قدم المساواة حرمانهم من التمويل والدعم اللوجستي والملاذات الآمنة

وأكد البيان، على ضرورة احترام ضمانات حقوق الإنسان الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، وعلى نحو يستجيب لمبادئ القانون الدولي ويحرم الإرهابيين من التذرع بالمبررات وبناء المظلوميةمن جانبها أكدت مفوضية المجتمع المدني أن الهجوم يسعى لزعزعة الاستقرار والأمن في ليبيا، قائلة في بيان لها إن الهجوم يهدف لزعزعة الاستقرار والأمن في ليبيا في الوقت الذي بدأت تظهر فيه ملامح الدولة ودور مؤسسات المجتمع المدني في إرساء دعائم السلم والاستقرار. 

وأكدت إصرارها على مواصلة العمل في اتجاه بناء دولة مدنية قوية أساسها العدل والمساواة". وترحمت المفوضية على أرواح الشهداء الذين سقطوا ضحايا للتفجير متمنية الشفاء العاجل للجرحى

ردود الأفعال المحلية 

رئيس مجلس أعيان ليبيا للمصالحة محمد المبشر، أعرب عن إدانته الشديدة للتفجير، حيث قال في تصريح لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، "نرى أن سبب هذا الخرق الأمني هو الفرقة والتشتت والتجاذبات المستمرة بين الأطراف الليبية، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم اتجاه الوطن والتنازل من أجل تقصير أمد المعاناة ولمواجهة هذه الإعمال الإرهابية التي تضرب كل يوم في مدينة وتستهدف بين الحين والأخر المؤسسات السيادية للدولة". ودعا المبشر، جميع القوى الاجتماعية والأمنية إلى العمل على تكثيف العمل من أجل توعية الجميع بخطر الجماعات المتطرفة، مطالبا وزارة الداخلية على بذل المزيد من العمل من أجل أمن الوطن والمواطنوفي الوقت ذاته رأى وكيل وزارة الخارجية السابق بالحكومة المؤقتة، حسن الصغير، أن الهجوم يعكس غياب المؤسسات الأمنية في ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار في البلادوقال الصغير في تصريح خاص لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، "للمرة الثالثة يستهدف مقر من المقرات السيادية في العاصمة طرابلس، وهذا الهجوم على مقر الخارجية يعد فشل ذريع على كل المستويات، على مستوى المعلومات، وعلى مستوى الأمن، ويعكس إستراتيجية فاشلة للأمن، في كل مرة نفس بيانات الشجب والاستنكار والإدانة، ثم ننتظر الضحية الثانية من المواطنين وأفراد الأمن الذين يضحون بحياتهم في ظل غياب رؤية لموجهة الإرهاب من حكومة الوفاق وفي ظل فشل الترتيبات الأمنية الكامل، وأنا لا اعتقد أن الأجهزة الحالية ومن يترأسها قادرة على ضبط الأمن ومكافحة هذه العمليات الإرهابية في العاصمة طرابلس، وهنا يكون السؤال هل حكومة الوفاق ضحية أم مسؤولة؟". 

وتابع الصغير، "للأسف السيناريو يتكرر كل مرة، داعش في ليبيا والتنظيمات الإرهابية تعيد تكرار نفس الأسلوب ونفس السيناريو، ولا وجود لآليات لردعها، وكل ما نشهده هو مقرات بحماية هزيلة غير محصنة، وأفراد أمن يفتقرون للإمكانيات، وغياب تام للمعلومات والمخابراتية بالخصوص". ودعا الصغير، جميع الليبيين بالعمل على الدفع أو الضغط على الحكومات والأجهزة المختصة حتى تستيقظ وتقوم بمسؤولياتها بحماية المواطنين والمنشآت العامة والخاصة من خطر الإرهاب والإرهابيين، مشيرا إلى ضرورة العمل على تنفيذ عمليات أمنية وتوعية وتنظيف أجهزة الدولة المخترقة من تنظيمات الإرهابية والتي تعد الأساس أو الخطوة الأولى في مكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرىومن جهته أكد عضو مجلس النواب، سيعد امغيب، ضرورة دخول الجيش الليبي إلى العاصمة طرابلس، واصفا ذلك بـ"الواجب الوطني"، وقال لـ بوابة أفريقيا الإخبارية، "إنه بعد الهجوم الإرهابي الذي استهداف وزارة الخارجية لحكومة السراج بالعاصمة طرابلس، أصبحت الضرورة ملحة لدخول قوات الجيش التي تحيط بالعاصمة طرابلس لحماية المواطنين الآمنين من أي هجوم إرهابي آخر". 

فيما قال عضو مجلس النواب مصباح أوحيدة، "نعتقد أن السبب واضح وهو فوضوية الوضع الأمني بسبب سيطرة المليشيات الغير مؤهلة والمصدر الإرهاب هو الحدود الجنوبية التي أصبحت بيئة للتفاهمات بين المعارضة الأجنبية لدول الجوار والإرهابيين، واعتقد أن الوضع سيتخطى ليبيا إلى أوروبا فليبيا قدمت أبنائها نيابة عن العالم في محاربة الإرهاب والتصدي إلى الهجرة السرية في الوقت الذي تطبق عليها العقوبات الدولية بحذافيرها". وأكد أوحيدة، على ضرورة إعادة النظر في المجلس الرئاسي الذي وصفه بأنه "أصبح صورة ورقية" دون أي خطط أمنية، مشيرا إلى أن قوة المليشيات هي المسيطرة على القرار داخل العاصمة

وحمل النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة، فوزي العقاب، مسؤولية الهجوم حيث قال في تغريدة نشرها بصفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، "إن الهجوم “الإرهابي” الذي استهدف مقر وزارة الخارجية، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وجرح 21 آخرين، يحمل كل الجهات الأمنية المسؤولية، ويدعوها لليقظة والحذر والضرب بيد من حديد على كل من ينوي المساس بحياة وأرواح الليبيين وأمنهم وسلامتهم". 

وفي ذات السياق أكد عضو المجلس الأعلى للدولة بلقاسم دبرز، أن الهجوم يعد امتداد لما سبقه سواء في المفوضية أو المؤسسة الوطنية، مؤكدا في تصريحات لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، أن هذه العمليات هي ورقة تتلاعب بها بعض أجهزة المخابرات الإقليمية، ويتم توظيفها لصالح طرف ما، بهدف إظهار العاصمة إنها غير أمنة بافتعال تلك حوادث، قائلا"ما حدث اليوم هو أمر ممنهج ومخطط له في ظل ضعف أجهزة ومؤسسات الدولة الأمنية". وكما يقولون إنه في ديسمبر تنتهي كل الأحلام، تنهي ليبيا عام 2018 ولم يتحقق حلمها نحو وطن وشعب محتمي بدفء الأمن والاستقرار، فهل في يناير ستبدأ ليبيا حلم جديد؟!.