بينما لا تزال الإنقسامات بين الفرقاء تخيم على المشهد الليبي وسط تحركات متسارعة لإنهاء حالة الجمود التي أصابت العملية السياسية في البلاد،تتحرك التنظيمات الإرهابية في محاولة لتعكير الأوضاع الأمنية التي تحسنت بعض الشئ عقب الهزائم التي منيت بها هذه التنظيمات في عدة مناطق ليبية وآخرها في جنوب البلاد على يد الجيش الليبي .

ففي مؤشر على تواصل المخاطر التي تمثلها العناصر الارهابية،شهدت منطقة غدوة بالجنوب الليبي، منذ فجر اليوم الاثنين، حالة من التوتر الأمني عقب هجوم مسلح شنته مجموعة إرهابية اقتحمت المنطقة وأحرقت بعضا من المواقع فيها وخطفت بعضا من أهلها في محاولة لزعزعة الاستقرار بالمنطقة ونشر الذعر لدى الأهالى.

وفي تفاصيل الحادث،وقال شاهد عيان من مدينة غدوة، في تصريح لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"،"إن الهجوم تم على تمام الساعة الثانية ليل الأحد الاثنين، حيث قامت مجموعة بمداهمة بيوت أحد عائلات المدينة، واخذ المطلوبين وهم ثلاثة أشخاص من عائلة الصالحين وسرقة كل ما يصادفهم من مال واكل.

وأضاف المصدر أن المجموعة كانت ملثمة ولهجتهم من الشرق الليبي وهم من بقايا سرايا بنغازي مع أفراد من المرتزقة التشادية، وتم اختطاف ثلاثة أشخاص من المدينة وهم عبدالسلام محمد الصالحين، ومسعود على سعد، وناصر عبدالسلام عبدالله، وإصابة إبراهيم على سعد أخ المخطوف مسعود على سعد، وهو في حالة حرجة، تم نقله إلى مركز سبها الطبي.

ومن جهته،قال الناشط العسكري محمد القبائلي، في تصريح لـ"بوابة أفريقيا الإخبارية"، إن عدد سبع آليات مصفحة تابعة لسرايا الدواعش، شنت هجوم على منطقة غدوة وقامت بخطف مواطنين من عائلة الصالحين واقتادتهم إلى منطقة مجهولة، وذلك بعد أن قامت باقتحام لأحد محلات المواد الغذائية والاستيلاء على أغلب ما فيه بالسرقة قبل أن يلوذوا بالفرار.

يشار إلى أن مدينة غدوة تقع على بعد 60 كم جنوب شرقي مدينة سبها،وكان الجيش الليبي قد أعلن،مطلع فراير الماضي،سيطرته على هذه المنطقة إثر اشتباكات دامت 7 ساعات مع ميليشيات تشادية ألحق بها خسائر كبيرة فيما فقد 3 من عناصره خلال هذه المواجهات .

ومهدت سيطرة الجيش الوطني الليبي على منطقة غدوة الطريق نحو السيطرة على مناطق أم الأرانب ومرزق وتراغن،وتحرير الجنوب بالكامل من العصابات وشبكات الإرهاب والتهريب والاتجار بالبشر، وإعادة أجهزة الدولة الليبية لحدودها الجنوبية التي كانت تشكو الاستباحة على امتداد أكثر من سبع سنوات.

وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الجماعات الإرهابية،منازل المواطنين في مدن الجنوب،ففي فبراير الماضي،،داهم مسلحون منزل بحي سكرة في مدينة مرزق الليبية "157 كم عن سبها"،بحثًا عن رب العائلة الموالي للجيش الوطني الليبي، وقتلوا بدم بارد الطفلين: عبد الله علي عبد الله صالح، ويبلغ من العمر 4 سنوات بطلقة في العين، وابن عمه وائل عبدالله رجب صالح ، ويبلغ من العمر 14 سنة، بطلقة في الرأس أمام والدتيهما.

وقالت تقارير إعلامية أن المجموعة المسلحة اقتحمت منزل المواطن "علي عبد الله صالح" الذي يعمل في القوة المساندة لقوات الجيش الوطني، وأطلقت الرصاص على الطفلين بعد أنْ علمت بغياب رب العائلة عن المنزل في مهمة عمل.ولقيت الحادثة البشعة استنكارا واسعا من قبل أهالي المدينة الذين أدانوا هذا العمل الإرهابي والجريمة البشعة التي راح ضحيتها أطفال أبرياء.

وتصاعدت وتيرة الهجمات في مناطق الجنوب في محاولة من العصابات المسلحة للعودة بعد هزائمها،وكانت مديرية أمن سبها أعلنت أن دورية تابعة لقسم شرطة النجدة تعرضت،السبت،للرماية من قبل مجموعة مسلحة خارجة عن القانون تستقل سيارة نوع "أفانتي" معتمة الزجاج،وهو ما أسفر عن مقتل شرطي.

ودانت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني،"بأشد العبارات" هذا الهجوم المسلح ، مؤكدة أن الهجوم لن يثنيها على ملاحقة المجرمين.وقالت الوزارة في البيان:"إن الجريمة التي وقعت في وسط مدينة سبها، المتمثلة في الهجوم المسلح على إحدى الدوريات التابعة لقسم النجدة بمديرية أمن سبها، نتج عنها استشهاد شهيد الواجب رئيس عرفاء عبدالنبي محمد المهدي متأثرًا بجراحه.

وقالت الوزارة في بيان لها إن أحد المهاجمين يخضع حالياً للعلاج بمركز سبها الطبي، مشيرة إلى اعتقال عنصرين آخرين ممن وصفتها بالعصابة الإجرامية التي ارتكبت هذا العمل الجبان.وتعهدت الوزارة بأن هذا العمل الإجرامي الجبان "لن ينال من عزيمتها وإصرارها على دحر الجريمة وملاحقة المجرمين العابثين بأرواح المواطنين وممتلكاتهم للعدالة.

ومن جهتها،أعلنت منطقة سبها العسكرية بدء تنفيذ خطة لتأمين المدينة والتعامل بقوة وحزم مع الإجرام والمجرمين، وذلك عقب اجتماع عقده اللواء المبروك الغزوي رئيس الغرفة الأمنية المشتركة مع مدير أمن سبها وآمر الشرطة العسكرية.

وفرض الجيش الوطني الليبي سيطرته على معظم مدن الجنوب، ولم يتبقَ أمامه سوى مناطق وقرى صغيرة لينهي أعماله العسكرية رسمياً، بعدما أطلق قائده المشير خليفة حفتر عملية عسكرية منتصف يناير/كانون الثاني الماضي،تهدف لتطهير جنوب البلاد من التنظيمات الارهابية والعصابات الاجرامية.

وتشير هذه الهجمات الى محاولة التنظيمات الارهابية والعصابات التشادية الانتقام لهزائمها المتتالية ومحاولة التشويش على تقدم الجيش الليبي الذي نجح خلال الأشهر الماضية في السيرة على أغلب مناطق الجنوب وباتت نظراته تتجه نحو الغرب الليبي وتحديدا العاصمة طرابلس التي يسعر لتحريرها من قبضة المليشيات المسلحة .

وتتزامن هذه الاحداث مع تحركات لتيار الاسلام السياسي في طرابلس في محاولة للتنديد بعمليات الجيش الليبي في الجنوب واتفاق أبوظبي الأخير.ويقود عناصر جماعة "الاخوان" والجماعة "الليبية المقاتلة"،مظاهرات في العاصمة الليبية للتعبير عن رفضهم للمساعي التي تبذلها البعثة الأممية للوصول الى تسوية في البلاد .

وتسعى البعثة الأممية لعقد اجتماع جديد بين المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق المدعومة من بعثة الأمم المتحدة.ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن مصادر مطلعة إن ترتيبات تتم حالياً لعقد اجتماع خلال الأسبوع المقبل، بين حفتر والسراج استكمالاً للتفاهم الذي تم بينهما أخيراً خلال لقائهما الذي عقد في أبوظبي بالإمارات.

وأوضحت المصادر أن هناك مساعي مصرية وإماراتية لضم المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي لحضور الاجتماع الذي لم يُقرر بعد ما إذا كان سيعقد في القاهرة أو أبوظبي.ووفق ذات المصادر فأن الاجتماع المرتقب بين حفتر والسراج سيناط به تحديد المرشح الجديد لرئاسة حكومة الوفاق الوطني وعلاقة الجيش الوطني بها، إضافة إلى كيفية تأمين الانتخابات المقبلة لاختيار الرئيس المقبل للبلاد.

وتتزامن هذه الأنباء مع اندلاع اشتباكات مفاجئة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة في محيط منطقتي السياحية وجنزور غرب العاصمة الليبية،بين الميليشيات المسلحة في أحدث مؤشر على انهيار الهدنة الهشة التي رعتها البعثة الأممية بين الأطراف التي تتنازع على مناطق النفوذ والسلطة طرابلس.

وتستشعر المليشيات المسلحة وتيار الاسلام السياسي الداعم لها خطر التقارب بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي والذي من شأنه انهاء الفوضى في البلاد وهو ما يعني نهاية نفوذ المليشيات.ويرى مراقبون أن هجمات العناصر الارهابية في الجنوب الليبي والتحركات المشبوهة في العاصمة طرابلس تصب جميعها في سياق واحد وهو اجهاض محاولات الوصول الى تسوية في البلاد وانهاء الأزمة المستعصية فيها.