شهد عام 2018 أحداثًا أمنية وسياسية مهمة في ليبيا لكنه انتهى دون اتفاق حقيقي ينهي الانقسام السياسي الذي ابتلي به البلد منذ عام 2014،  ومع ذلك تظهر الحركات المتطرفة والإرهابية في الأشهر الأخيرة العقبات التي تواجه المشهد السياسي الليبي في عام 2019.


مخاطر متواصلة

وقال فرحات البدري وهو باحث في شؤون الجماعات الارهابية "أثبت تنظيم داعش أنه يتمتع بقدرة كبيرة على المناورة رغم فقدان معقله في سرت قبل عامين".

وأضاف البدري "نفذ تنظيم داعش هجمات مميتة في العاصمة طرابلس أدت إلى إرباك الحكومة فيما يتعلق بالنهاية الفعلية لتهديد الجماعة المتطرفة في البلاد".

وقال البدري لوكالة انباء شينخوا "إن التنظيم الإرهابي شن ثلاث ضربات مؤلمة فى طرابلس واستهدفت المقار والمصالح الليبية، وبعثت هذه الضربات برسالة الى الليبيين والمجتمع الدولى مفادها ان لديه القدرة على التحرك والاضراب متى شاء".

وحذر الباحث من أن داعش قد "أثبت أن لديه ما يلزمه لتنفيذ هجمات مميتة تقوض ثقة الأجهزة الأمنية وتجعلها تشعر أنها مستهدفة في أي وقت".

وشن داعش هجومًا انتحاريًا في مايو الماضي على مقر اللجنة الوطنية العليا الليبية للانتخابات مما أسفر عن مقتل أكثر من 14 شخصًا وإصابة العشرات، كما تعرض مقر المؤسسة الوطنية للنفط لهجوم في سبتمبر وقتل شخصان.

وفي الأسبوع الأخير من عام 2018  هاجم تنظيم داعش مقر وزارة الخارجية في طرابلس مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة أكثر من 10 آخرين.

كما هدد التنظيم المتطرف بشن سلسلة من الهجمات المتعاقبة في عام 2019 على المؤسسات الليبية وقوات الجيش في شرق البلاد وغربها.

وقالت إيمان جلال - أستاذة جامعية- إن الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية تعاني من الفساد بشكل كبير لا سيما على المستوى التنظيمي والتداخل في المهام في ظل الميليشيات، مضيفة أن"هذا ما يجعل خدمات الدولة تفتقر الى الانسجام".

 قال وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا يوم الأحد الماضي إن الوزارة تعاني من فساد مالي وإداري كبير "يجب محاربته والسيطرة عليه".

كما شدد الوزير على ضرورة إعادة تأهيل جميع أفراد الجماعات المسلحة وضمهم إلى الوزارة.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع باشاغا بعد ساعات من الهجوم الانتحاري على مقر وزارة الخارجية شدد وزير الخارجية محمد سيالة على الحاجة إلى رفع الحظر الدولي المفروض على الأسلحة جزئياً على ليبيا من أجل تعزيز الأمن.


إعدام المؤسسات

وقال مراقبون إن المؤسسات المستهدفة تحمل رمزية هامة بالإضافة إلى أهميتها الحيوية.

وقال الباحث السياسي خالد الترهوني "تمثل اللجنة الوطنية العليا للانتخابات مسار الاستقرار في البلاد ونهاية المرحلة الانتقالية، فيما تعد المؤسسة الوطنية للنفط هي العمود الفقري لاقتصاد ليبيا والمورد الوحيد لها".

وأضاف "وزارة الخارجية تحمل الأمل الدبلوماسي في عودة البعثات الأجنبية والسفارات إلى العاصمة والتوصل إلى حل سياسي للنزاع".

ووفقاً لـ الترهوني  فإن داعش لا ينفذ هجمات انتحارية بدون دراسة، بدلاً من ذلك كانت الهجمات تهدف إلى إلحاق ضرر جسدي وبشري، والأهم من ذلك هو الخوف النفسي.

وقال الترهوني "إن الهجوم الأخير على وزارة الخارجية كان الأسوأ والأكثر تأثيرا على ليبيا بالسلبً".

وأوضح أن عدداً من السفارات والبعثات الدبلوماسية تستعد للعودة إلى طرابلس على الأقل خلال الربع الأول من عام 2019 ، لكن تم إلغاء جميع هذه الخطط لأن الهجوم كشف عن عمق الحركات والتهديدات الإرهابية.

وغادرت معظم السفارات والشركات الأجنبية في ليبيا البلاد في عام 2014 بسبب الاشتباكات العنيفة التي اندلعت في طرابلس بين الجماعات المسلحة المتناحرة والتي أدت إلى الانقسام السياسي الحالي في البلاد.

وشهدت مدينة سرت الواقعة على بعد نحو 450 كيلومتراً شرق طرابلس أشهراً من القتال بين القوات المتحالفة مع الحكومة المدعومة من قبل الأمم المتحدة ومقاتلي داعش، والتي انتهت في ديسمبر 2016 مع استعادت  القوات الحكومية للمدينة.

وقالت الحكومة إن تنظيم داعش ما زال يشكل تهديدًا للأمن القومي على الرغم من الهزيمة في سرت.


الشروع في الأزمة

إن الهجمات الإرهابية الأخيرة لم تشر فقط إلى أن داعش ما زال يشكل تهديدًا لأمن واستقرار البلاد، ولكنها كشفت أيضًا عن مدى الصعوبات التي تواجه العملية السياسية في ليبيا.

وتعاني ليبيا من انعدام الأمن والفوضى والانقسام السياسي منذ سقوط نظام الزعيم السابق معمر القذافي في عام 2011.

وعلى الرغم من التوقيع على اتفاقية سياسية برعاية الأمم المتحدة من قبل الأحزاب الليبية المتنافسة في عام 2015  تبقى ليبيا منقسمة سياسياً بين السلطات الشرقية والغربية وكلاهما يتنافسان على الشرعية.

واتفق المحللون على أن استهداف اللجنة الوطنية العليا للانتخابات يبعث برسالة مفادها أن إجراء الانتخابات يواجه صعوبات أمنية وسياسية كبيرة في ضوء الفشل الأمني ضد مثل هذه الهجمات والانقسام المستمر بين الأحزاب السياسية.

وعقدت كل من فرنسا وإيطاليا في الأشهر الأخيرة مؤتمرات حول ليبيا تهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية الليبية. وتستعد البلاد لعقد مؤتمر يجمع الأحزاب السياسية في يناير، كما يعتزم إجراء استفتاء على الدستور والانتخابات في ربيع عام 2019.

ومع ذلك فإن نجاح هذه الخطط لا يزال يعتمد على التغلب على العقبات التي تواجه المؤتمر المزمع والانتخابات وفقا للمحللين.