لم تكن انجلترا الانجلو-ساكسونية سوى أرض برية وشبه وثنية، قبل أن يصلها رجل دين ليبي يدعى هادريان العام 670 ميلاديا. وصل الرجل إلى مدينة كانتربري جنوب البلاد لتبدأ مرحلة جديدة شعارها النهضة والتعليم، حيث غير هذا الرجل القادم من إفريقيا أسس الثقافة الانجليزية.

يقول المؤرخ البريطاني وعضو عضوٌ في الجمعية الملكية للأدب مايكل وود في كتاب "An African abbot in Anglo-saxon England" أو "الإفريقي الذي غير انجلترا الانجلوساكسونية"، إن الأعين انفتحت في السنوات الأخيرة، "على التاريخ الأسود في بريطانيا قبل جيل Windrush ، والذي يمتد عبر الحروب العالمية، إلى العصر الفيكتوري وما بعده".

ويضيف "في الماضي ، كان هناك أفارقة في بريطانيا الرومانية، من موريتانيا، المغرب والجزائر اليوم. كان من بينهم قبر فيكتور  الذي يعود إلى القرن الثاني ميلاديّ، وهو عبد سابق لجندي من سلاح الفرسان يُدعى "نيميرانوس" قادم إلى منطقة "شيلد" من "الأمة المغاربية". لكن لهادريان قصة أخرى.

يشير المؤرخ البريطاني إلى أن المؤرخ الإنجليزي "بيدي" عرّف قُرّاءه في عام 731، على "رجل من العرق الأفريقي". "ربما كان هذا الرجل من البربر (أو الأمازيغ) ، رائدًا في إحدى أهم الحركات الثقافية على مدار 1400 عام الماضية - مدرسًا ذا تأثير غير عادي على تاريخ اللغة الإنجليزية. ولد هذا الرجل في شمال إفريقيا وأمضى الأربعين عامًا الأخيرة من حياته في إنجلترا". تم دفنه هنا، يدعى "الأباتي هادريان الأفريقي".

ويتساءل وود، "كيف انتهى الأمر برجل من شمال أفريقيا، ولد في أوائل القرن السابع، بتغيير مسار التاريخ الإنجليزي؟ تبدأ القصة في أرض ولادة هادريان، ليبيا، حيث اختلط السكان من أصل يوناني لأجيال عديدة مع السكان المحليين، ورحبوا بهم آباء الكنيسة الأوائل".

يقول أيضا أن القصة بدأت عندما غادر هادريان منطقة "أبولونيا" على الساحل الليبي، ربما هربا بعد سقوط الامبارطورية البيزنطية تحت الحكم العربي، فغادر نحو إيطاليا. "بعد عبور البحر الأبيض المتوسط، أصبح هادريان رئيسًا للدير في نيسيدا، وهي جزيرة خلابة في خليج نابولي وكسب مكانة وسمعة عاليتين بفضل ثقافته العالية وإتقانه للغات اليونانية واللاتينية والانجليزية القديمة، جعلت البابا فيتاليان يطلب منه تولي منصب المطرانية في بريطانيا. يعلّق وود "إنها فكرة رائعة عندما تفكر في الأمر: يتم إرسال رئيس دير وعالم من شمال إفريقيا إلى مكان مازالت القبائل فيه "تعبد العصي والحجارة".

ويضيف وود في كتابه إن هادريان رفض في البداية "تولي الوظيفة ، فتم اختيار، ثيودور الطرسوسي وهو يونانيّ تلقى تعليمه في سوريا في أنطاكية وإديسا ، والتي فر منها أثناء الغزو العربي لسوريا، وهو يعيش في شبه تقاعد مع الجالية السورية في المنفى وهي مجموعة لا تزال شاعرية من الكنائس جنوب أسوار روما"، لكن هادريان تراجع بعد ذلك والتحق به في العام التالي وبدآ معا في تنفيذ 'أحد أهم برامج التدريس في التاريخ البريطاني'"، حيث أسسا مدرسة وكتبة في كانتربري أصبحت مشهورة في كل أنحاء أوروبا، وتجولا في أنحاء أنجلترا أين ألقيا المحاضرات ودربا الكهنة والكتاب والإداريين.

يخلص المؤرخ البريطاني في كتابه إلى أن هادريان وصديقة السوري ثيودور، هما أهم مؤسسي النظام التعليمي في الغرب، ويربط قصة هادريان اللليبي قبل 1300 عام وهو قادم إلى أوروبا هاربا عبر البحر المتوسط بقصة اللاجئين الهاربين من ليبيا وسوريا نحو أوروبا وكأنه يقدّم رسالة بأن من يمثلون عالة اليوم على الغرب كانوا قبل قرون مؤسسين لثقافة أوروبا، حتى أن أحد الفلاسفة الغربيين قديما قديما قال إن الحكمة التي وصلت اليونان وروما كان مصدرها إفريقيا.