ارتفعت أصوات الليبيين الداعية الى مقاضاة قطر بسبب جرائمها المرتكبة في حق بلادهم ، وطالب نائب رئيس المجلس الانتقالي الليبي السابق  والخبير القانوني، عبد الحفيظ غوقة، بتقديم العديد من المسئولين في قطر لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة دعم الإرهاب في ليبيا منذ بداية أحداث ثورة 17 فبراير وحتى الآن.

وأضاف غوقة:أن "التدخل القطري في ليبيا كان واضحا منذ أول يوم لثورة فبراير بتقديمها الدعم المالي والسلاح لأمراء الجماعات المتطرفة في ليبيا وأن رئيس الأركان القطري تجاوز رئيس الأركان الليبي وقتها عبدالفتاح يونس بل أكاد أجزم أن قطر هي من حرض على قتله لأنها كانت لا تريد قيام مؤسسة عسكرية في ليبيا عقب انتهاء الثورة".

وتابع غوقة أن "التدخل القطري في الشأن الليبي وعلاقة الدوحة بزعماء الجماعات المتطرفة واضح وسافر ولا بد من اتخاذ إجراءات قانونية ضد سياساتها وردعها عن خراب المنطقة" مؤكدا على  أهمية جمع الأدلة والأسانيد القانونية التي تدين دولة قطر وتثبت جرائمها في ليبيا، فالمدعى العام لمحكمة الجنايات الدولية يبحث وراء الأدلة والبراهين، لذلك تجميع المعلومات وراء دور رئيس الأركان القطري والعناصر العسكرية وعلاقاتها بالمجاميع الإرهابية في ليبيا والعسكريين الليبيين التي استهدفتهم الدوحة في ليبيا بداية من عبدالفتاح يونس، سيمكن من تقديم أمير قطر وجهازه العسكري والسياسي لمحكمة الجنايات الدولية.

ويبدو أغلب ابناء الشعب الليبي مدركا لطبيعة المؤامرة التي قادت قطر ضد بلادهم ،وجرت إليها بقية الدول العربية من خلال جامعة الدول العربية في عهد عمرو موسى ، دافعة بقوة نحو تدخل الناتو عبر فبركة التقارير المخابراتية والاعلامية الكاذبة ، وعقد الصفقات مع شركات النفط والغاز وخاصة الفرنسية منها ، الى جانب استقطاب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة كعنصر ضغط على الإدارة الأمريكية للمشاركة في حرب الاطاحة بنظام القذافي 

وقال المحلل السياسي الليبي محمد أحمد الهوني أن « الدعوات المتتالية لمحاكمة المسؤولين القطريين تؤكد أن الشعب الليبي أدرك حجم المؤامرة التي قادتها دولة قطر على بلاده منذ العام ٢٠١١ ، حيث تعمدت اللعب بالحقائق وتزييف الواقع ونشر الخراب بدعم الجماعات الإرهابية ونهب مقدرات الدولة الليبية والإطاحة بالمؤسسات وسرقة النفط والإستحواذ على أرشيف الدولة وتعذيب المحتجزين وبث التفرقة الجهوية والمناطقية والعرقية وضرب مقومات السلم الأهلي » مضيفا أن « قطر أرادت أذلال الليبيين بشتى الوسائل ، ولكن الشعب الليبي لن يقف مكتوف اليد ، وسيعمل كل ما في وسعه لمحاكمة المسؤولين القطريين أمام القضاء الدولي اعتمادا على ما يمتلكه من وثائق وأدلة ومستندات مكتوبة ومصورة ولا يرقى الشك الى صدقيتها »

قطر سرقت أرشيف المخابرات الليبية 

الى ذلك ،يجمع أغلب الليبيين على أن التدخل القطري في بلادهم  ترك جرحا غائرا في قلوبهم وعلى جباههم ، وتحولت مواقف وأفعال الشيخ تميم ومن قبله والده الشيخ حمد ، الى قصص مؤلمة يرويها الليبيون في ليالي السمر ، ويهجوها الشعراء الشعبيون في قصائدهم الملحمية ، فالدور القطري مثّل بالنسبة لليبيين ، جريمة متعددة الأركان في حقهم ،

وفي هذا الإطار ، أكدت إحدى ضابطات الجيش الليبي في عهد العقيد الراحل معمر القذافي  أنها قضت عامين في سجون الميلشيات ، وأن أكثر المواقف إيلاما ، هي تلك التي وجدت نفسها فيها أمام ضباط مخابرات قطريين يتولون التحقيق معها بأساليب مذلة ، تصل الى حد تمزيق عباءتها التي كانت تستر جسدها ، وتعذيبها للحصول منها على معلومات شخصية حول الزعيم الراحل 

وقالت الضابطة التي رفضت التعريف بهويتها لأسباب تهم سلامتها الشخصية ، أن مسلحي المليشيات كانوا بعد الإطاحة بنظام القذافي ، يأتمرون بأوامر القطريين ، وأن ظباط الأمن والمخابرات القادمين من الدوحة كانوا يستعملون كل وسائل التعذيب ضد الليبيين والليبيات من المحسوبين على النظام السابق ، في واحدة من أبشع أشكال التشفي ، مضيفة أن القطريين نقلوا الى بلادهم الجزء الأكبر من أرشيف المخابرات والأمن الخارجي الليبيين في العهد السابق ، كما أستولوا على أرشيف مقر إقامة القذافي في باب العزيزية ضمن صفقة عقدوها مع قوى الاسلام السياسي وخاصة الجماعة الاسلامية المقاتلة وجماعة الاخوان المسلمين 

وأشارت الى أن رموز النظام السابق داخل سجن الهضبة بطرابلس خضعوا لجلسات تحقيق مع ضباط قطريين ، وأن تلك الجلسات شملت بالخصوص المسؤولين السابقين عن ملفات الأمن والمخابرات ومن كانوا على علم بمخططات الدوحة في المنطقة ، وقد صدرت في أغلبهم أحكام بالإعدام لمنعهم من فرص الخروج من السجن وسرد مذكراتهم أو كتابتهم كوثائق شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ ليبيا ومن المؤامرات القطرية التي كانت القذافي على علم بها وخاصة عندما كانت علاقاته متميزة مع الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة ووزير خارجيته حمد بن جاسم 

وبحسب مصادر  ليبية موثوقة ، فإن الأرشيف الخاص بأجهزة المخابرات والأمن الخارجي الليبية ، تم نقلها جوا من مطار معيتيقة الى الدوحة ، بهدف وضع اليد على مافيها من معلومات ، ومنع الكثير منها من الوصول الى أيدي أطراف معادية لقطر ، أو للدول والحكومات التي كانت القيادة القطرية تتأمر عليها بعلم القذافي 

الى ذلك ، أبرزت وعد إبراهيم، الناشطة الليبية بمجال حقوق الإنسان، أن ضباط الجيش القطري هم من كانوا  يستجوبون المعتقلين في السجون الليبية ،وأن « الوجود القطري الفج في ليبيا والمدعوم من قبل عبد الحكيم بلحاج والتنظيمات الجهادية هو عامل رئيسي وراء تدهور الأوضاع وفشل بناء الدولة من جديد»، مشيرة إلى أن قطر متغلغلة داخل مفاصل الدولة خاصة الغرف الأمنية، بمساعدة تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان. 

تورط في سفك دماء الليبيين 

وبحسب المحلليين  فإن الليبيين سيذكرون الى الأبد الدور القطري القذر في بلادهم منذ أول أيام الإنتفاضة الشعبية ضد نظام القذافي في المنطقة الشرقية ، حيث قامت قناة « الجزيرة » بجرائم لن تمحى من ذاكرة التاريخ ،منها قضية هشام منصور بوعجيلة شوشان وهو جندي ليبي ينحدر من منطقة العجيلات ، غرب البلاد ، وكان من العسكريين العاملين في المنطقة الشرقية ، وتم القبض عليه من المتطرفين الاسلاميين الذين علقوه في جسر في مدينة بنغازي ثم سخلوا جلده وهي حي ، وبينما كان يصرخ بلهجته الليبية ، بثت قناة الجزيرة شريط الفيديو مع كتم الصوت ، ثم علقت على المشهد بأن يتعلق بالقبض على مرتزق افريقي يقتل المدنيين المناهضين للقذافي 

كما قامت القناة القطرية بعرض شريط فيديو للضابط المبروك الحر وعدد من رفاقه وهم قتلى ، وتبين أن الصور التي عرضت كانت مقتطعة من شريط يتضمن تحقيقا مع العسكريين من قبل تنظيم القاعدة الذي نفذ فيهم حكم الاعدام رميا بالرصاص ، لكن « الجزيرة » قالت أن من قتلهم هو نظام القذافي لأنهم رفضوا إطلاق النار على المحتجين ، وفي اكتوبر ٢٠١٢ بثت قناة الجزيرة أدعاءات بوجود عدد من قيادات النظام السابق في مدينة بني وليد ، تمهيدا لهجوم كاسح قادتها الميلشيات على المدينة نتيجة رفضها الأنصياع لجماعات الاسلام السياسي ما تسبب في مقتل وأصابة المئات وتهجير الألاف من السكان المحليين 

ويرى المحللون أن قطر كانت منذ بداية الأحداث الداعم الأبرز للجماعات الارهابية وخاصة المرتبطة بتنظيم القاعدة ، وقد سعت لتجعل من تلك الجماعات جناحا عسكريا لجماعة الإخوان المسلمين ، وهو ما حصل فعلا من خلال تأسيسها لتنظيم أنصار الشريعة في تونس وليبيا وأنصار بيت المقدس في مصر وجبهة النصرة في سوريا ، كما عملت على تمكين الأحزاب الاخوانية في تونس وليبيا وسوريا والعراق واليمن وفلسطين من الوصل الى الحكم ،وكان هدفها الأول في العامين ٢٠١١ و٢٠١٢ هو بناء الكيان الموحد تحت حكم الإخوان من تونس الى قطاع غزة مرورا بليبيا ومصر 

كما  أن قطر كانت تصر على وضع زعيم الجماعة المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة بعيدا عن المعارك التي أدت الى الإطاحة بالنظام السابق ، وفي يوم سقوط طرابلس ، نقلته الى قلب العاصمة ،وقدمته على أنه صانع التحرير، ثم فرضته ليكون رئيس المجلس العسكري لمدينة طرابلس ، وخلال تلك المرحلة كانت القوات القطرية تضع يدها على الوثائق والمستندات وكامل أرشيف الدولة الليبية بينما كان أتباعها من قادة الميلشيات ينهبون المصارف والشركات  والمحال التجارية ومنازل كبار المسؤولين ورجال الأعمال  ليجمعوا ثروات كبرى  

وبحسب مصادر ليبية ، فأن قطر هي التي أوصت بتصفية العقيد الراحل معمر القذافي بعد إلقاء القبض عليه ، وتشير المصادر الى حكام قطر كانوا يخشون في تلك المرحلة تكرار سيناريو محاكمة الرذيس العراقي الأسبق صدام حسين ، وما قد يصرح به القذافي من معلومات حول الدور التخريبي للدوحة في المنطقة العربية ومؤامراتها على بقية الدول العربية بمافيها دول الخليج ،وهي معلومات كان القذافي قد استقاها مباشرة من مسؤولين قطريين أو حصلت عليها أجهزة المخابرات الليبية 

قطر تخسر الجميع بإستثناء الإرهابيين

يجمع المراقبون على أن قطر خسرت الشعب الليبي بإستثناء الجماعات الإرهابية وقوى الاسلام السياسي الفاقدة لشرعية الشارع ، فبينما يتهمها الليبيراليون والوطنيون التقدميون بدعم الإرهاب ، تنظر إليها القبائل الليبية على أنها سبب الانقسام المجتمعي والخراب الذي حل بالبلاد ، وينظر إليها أنصار النظام السابق على أنها السبب المباشر لتدمير الدولة ، ويتهمها أنصار الجيش الوطني بأنها وراء دعم الميلشيات الخارجة عن القانون ، كما ينظر إليها الديمقراطيون على أنها وراء الإطاحة بتجربة الديمقراطية في بلادهم 

ويرى الدكتور محمد الزبيدي، أستاذ القانون الدولي الليبي ، إن قطر لعبت دوراً سيئاً وخبيثاً فى ليبيا منذ فبراير ٢٠١١، لافتا إلى أن الحكومة القطرية منذ أن بدأت الأحداث فى ليبيا فى ١٥ فبراير ٢٠١١بدأت عبر آلياتها الإعلامية فى إثارة الفتنة والانقسامات بين أبناء الشعب الليبي، فيما شجعت على العنف والقتل عبر الدعاة  الذين يأكلون على موائدها ، وهم الذين افتوا بإراقة دماء الليبيين، وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي، والذي قال نصاً ” اقتل القذافي ودمه فى رقبتي” وهذه دعوة علنية للقتل، وجريمة يعاقب عليها كافة الشرائع والأديان السماوية.

وأضاف الزبيدي  أن قطر قامت بمد الجماعات المتطرفة في ليبيا بالمال والسلاح، وتولت إنزالهم فى قاعدة طبرق أمام مرأى العالم، على الرغم من القرار الأممي بحظر السلاح على ليبيا، مشدداً على أن ما فعلته قطر في ليبيا منذ ٢٠١١يفوق كل تصور.

وأكد الزبيدي أن قطر خرقت مواثيق الجامعة العربية فيما يتعلق بسيادة الدول، وميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي فالدماء التي أريقت فى ليبيا، والدمار الذي تعاني منه البلاد وتوغل الميلشيات المسلحة والمتطرفة التي قدمت من أفغانستان والعراق، والسودان، ونجيريا ، تقف وراءه  قطر.

ومن جانبه ، بيْن فوزي الحداد الباحث السياسي في الشأن الليبي أن قطر تدعم الميليشيات والتنظيمات الإرهابية المسلحة في ليبيا منذ إندلاع ثورة ١٧ فبراير وحتى الآن لافتًا إلى أن هذا الدعم يتخطى المليار دولار ، وأردف " بأن قطر لجأت إلى رشوة السياسيين وقادة المليشيات وأنهم كانوا يسافرون إلى الدوحة لتلقي التعليمات والأموال قائلا:" كنت شاهدًا على الكثير من هذه الأمور والاتفاقات وتلك الأموال دفعتها قطر حتى تتحكم في الميليشيات ومن ثم صنع القرار في ليبيا".

وسيبقى أمام الليبيين زمن طويل كي يستذكروا جريمة قطر في حق وطنهم ودولتهم ، وهي جريمة تم إلباسها عباءة الدين ، وتلميعها بشعارات الديمقراطية الزائفة ، فأزدانت في عيون السذج ، واستفاد منها الخونة والعملاء ، غير أن آرداة الشعب أبت أن تمنحها فرصة العبور الى التنفيذ الفعلي ، فبعد سبع سنوات ، لا تزال قطر تحلم بالسيطرة على ليبيا ، وكلما مر يوم ، كان الفشل إليها أقرب.