دخلت ليبيا منذ العام 2011، في دوامة الفوضى والعنف وغياب الدولة، وقد تصاعد الصراع بين القوى الداخلية منذ مايو 2014، حيث انقسمت البلاد إلى معسكرين كبيرين، امتلك كل منهما أدواته السياسية والعسكرية، وبالتزامن مع ذلك تحولت البلاد الى وجهة للتنظيمات الارهابية وعصابات التهريب وباتت الأوضاع الأمنية فيها تشكل خطرا إقليميا ودوليا

ونتيجة لهذه الأوضاع المتفجرة، تسارعت الجهود لحل الأزمة الليبية، حيث اتضحت الرغبة الدولية في سد حالة الفراغ السياسي في ليبيا، وذلك بالعمل على التقريب بين وجهات النظر للأطراف المختلفة، وتعزيز مسار التحول الديمقراطي والاتفاق على شكل العملية السياسية، بما يضمن إساء سلطة قادرة على مواجهة التحديات

اتفاق الصخيرات

واتجهت الأمم المتحدة لإطلاق حوار ليبي نهاية العام 2014 لرأب الصدع وتجاوز الانقسام السياسي والأمني الذي انجرت إليه ليبيا، . وجال الحوارعواصم عربية وأجنبية من خلال ممثلين عن مجلس النواب والمؤتمر الوطني لينتهي إلى توقيع اتفاق سياسي بعد تعديله خمس مرات في 17 من ديسمبر من عام 2015، في مدينة الصخيرات المغربية بين ممثلي الطرفين

ورعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، توقيع الاتفاق السياسي بين الطرفين المتنافسين، الذي يُمهد الطريق لإنهاء الصراع بين الحكومتين المتنافستين والتوصل إلى تشكيل حكومة توافقية تكون أهلا لاتخاذ ما يلزم من اجراءات لازمة لمواجهة خطر التطرف الإسلامي الذي وجد موطئ قدم له في بعض المدن الليبية، ومكافحة الهجرة غير النظامية

ووقع على ھذا الاتفاق كافة أطراف الحوار السیاسي اللیبي، بمن فیھم ممثلون عن مجلس النواب المعترف به دولیا في طبرق والمؤتمر الوطني العام في طرابلس، فضلا عن عدد من المستقلین وممثلي الأحزاب السیاسیة والبلدیات والمجتمع المدني

ومن أبرز الموقعین على الاتفاق صالح المخزوم، العضو في المؤتمر الوطني العام، ومحمد شعیب العضو في البرلمان المعترف به، ونوري العبار الرئیس السابق للمفوضیة الوطنیة العلیا للانتخابات، وفتحي بشاغا العضو في البرلمان ایضا، قبل أن یوقعه أیضا أعضاء البرلمانین، وھم نحو 80 عضوا من البرلمان الذي یضم 188 عضوا، ونحو 50 عضوا من المؤتمر الوطني العام الذي یضم 136 عضوا، اضافة إلى شخصیات سیاسیة أخرى وممثلین عن المجتمع المدني

وحضر مراسم التوقيع، كل من وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، ونظرائه التركي، مولود جاويش أوغلو، والتونسي، الطيب البكوش، والقطري، خالد بن محمد العطية، والإيطالي، باولو جينتيلوني، والإسباني، خوسيه مانويل غارسيا مارغايو، إلى جانب المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر

وأجمع المتحدثون الليبيون والدوليون الذين تناولوا الكلمة تباعا خلال مراسيم التوقيع على صعوبة المرحلة المقبلة وضرورة حل القضايا العالقة بالحوار

وقال المبعوث الأممي إلى لیبیا، مارتن كوبلر، في كلمته إن الحكومة اللیبیة الجدیدة یجب أن تولي اھتمامھا بقضایا الشعب. وأفاد بأن اتفاق الصخیرات بدایة رحلة صعبة لبناء دولة دیمقراطیة، مشیرا إلى أن المجتمع الدولي سیواصل دعم حكومة الوفاق اللیبیة. وأعلن أن اتفاق الصخیرات لا یرضي كل الأطراف، ولكن البدیل أسوأ بكثیر

ورغم المعارضة التي أبدتها عدة أطراف ليبية لهذا الاتفاق الا انه حظي بترحيب الدول الغربية والمنظمات الدولية التي اعتبرت أنه يمهد لإنهاء حالة الانقسام والفوضى التي عصفت بالبلاد منذ سنوات وأنه يمثل الحل لأمثل لإرساء السلام والإستقرار.

وفي 23 ديسمبر 2015، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2259 الذي يرحب بتوقيع الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات بالمغرب. ودعا قرار مجلس الأمن جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى دعم الجهود التي يبذلها الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا، والعمل مع السلطات الليبية وبعثة الأمم المتحدة على وضع حزمة منسقة من الدعم لبناء قدرة الحكومة.

وفي 25 ديسمبر 2015، دعا وزراء الخارجية العرب في اجتماع بمقر الجامعة العربية، كافة الأطراف لاحترام الاتفاق السياسي الليبي الذي وقع بمدينة الصخيرات المغربية. وأعرب الوزراء في بيان بشأن تطورات الوضع في ليبيا، عن الأمل في أن "ينهي هذا الاتفاق معاناة الليبيين، ويفتح المجال للبدء في مرحلة جديدة تتضمن تحقيق تطلعات الشعب الليبي في الأمن والاستقرار". ودعوا "أولئك الذين لم يوافقوا على الاتفاق إلى سرعة الانخراط في ركب الوفاق الوطني الليبي".

بنود اتفاق الصخيرات

يعد الاتفاق السياسى الموقع بين الأطراف الليبية فى منتجع الصخيرات فى المغرب 17 ديسمبر 2015، أحد أهم المرتكزات التى يمكن على أساسها إيجاد حل للأزمة. وينص الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطنى تقود مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية بعد عام، وتوسيع المجلس الرئاسى الليبى ليتكوّن من تسعة أشخاص، رئيس وخمسة نواب وثلاثة وزراء دول.

كما ينص على أن السلطة تتشكل من ثلاث مؤسسات دولة رئيسية، وهي مجلس النواب ويمثل السلطة التشريعية، ومجلس الدولة وهو بمثابة غرفة برلمانية استشارية ومجلس رئاسى، وتنتقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا المنصوص عليها فى القوانين والتشريعات الليبية النافذة إلى المجلس الرئاسى فور توقيع الاتفاق، ويتم اتخاذ أى قرار بإجماع مجلس رئاسة الوزراء.

وتضمنت المسودة النهائية للاتفاق السياسى الموقع فى الصخيرات عدد من المواد تناولت المبادئ الحاكمة، وحكومة الوفاق الوطنى وتدابير بناء الثقة والترتيبات الأمنية والعملية الدستورية والهيئات والمجالس المتخصصة والمجلس الأعلى للدولة والدعم الدولى والأحكام الختامية والمرفقات.

وشمل الجزء المتعلق بالمبادئ الحاكمة التركيز على حماية وحدة البلاد والالتزام بالعملية السياسية والإعلان الدستورى والفصل بين السلطات الثلاث والتأكيد على شرعية مجلس النواب واعتباره السلطة التشريعية الوحيدة فى البلاد خلال الفترة الانتقالية.

وتضمن الجزء الخاص بحكومة الوافق الوطنى عدة مواد ركزت على تشكيلها ومعايير اختيار أعضائها ومهامها ومدة ولايتها واختصاصات رئاسة مجلس الوزراء واختصاصات مجلس الوزراء. وجاء الجزء المتعلق بتدابير بناء الثقة فى مواد تتضمن تحديد الأطراف المعنية والتزاماتهم وتعهداتهم ودور حكومة الوفاق الوطنى فى رعايتها وصونها.

واحتوى الجزء المتعلق بالترتيبات الأمنية على مواد تركز ترتيبات وقف إطلاق النار والترتيبات الخاصة بانسحاب التشكيلات المسلحة ودور حكومة التوافق الوطنى فى اتخاذ التدابير اللازمة ودور الهيئات الأخرى بالتعاون مع المجتمع الدولى فى هذا الأمر، خاصة عملية الجمع السلاح وضبط الوضع الأمنى والإنسانى.

وأكدت مواد العملية الدستورية دور الأطراف فى إنجاز العملية الدستورية للانتهاء من المرحلة الانتقالية والتزام الحياد واحترام استقلال الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور وتقديم الدعم لها مع حكومة الوفاق الوطنى ودعوتها لسرعة إنجاز مشروع الدستور.

فيما تضمن الجزء المتعلق بالهيئات والمجالس االمتخصصة ثلاث مواد تضمنت تشكيل مجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار ومجلس الدفاع والأمن القومى، فيما تضمن الجزء الخاص بالمجلس الأعلى للدولة على مواد تضمنت صلاحياته ومهامه المنوطة ب ومدته الزمنية. وشملت الأحكام الختامية لمسودة الاتفاق النهائي مواد حددت التزامات كافة الأطراف حول العملية السياسية والانتقالية وواجباتهم. 

وحمل اتفاق الصخيرات آمالاً واسعة لاستعادة الاستقرار فى الدولة الليبية التى تحولت على مدار السنوات التي أعقبت اندلاع الازمة، إلى ساحة للصراعات بين الجماعات المسلحة وملاذ للجماعات الإرهابية التى استغلت حالة الفراغ الأمنى والتناحر السياسى فى ترسيخ أقدامها والسيطرة على ما يزيد على عشرين بالمائة من التراب الليبى.

لكن وبعد مرور ثلاث سنوات على توقيع الاتفاق السياسي بين الأطراف الليبية في الصخيرات المغربية، بات واضحا أن الاتفاق لم يتعدَ الورق الذي كتب عليه، مع صعوبة تطبيقه على الأرض، ودل على ذلك فشل كل محاولات تعديله بمساعٍ وطنية أو تلك التي جرت برعاية الأمم المتحدة.   حتى أن حكومة الوفاق الوطني، وعلى الرغم من المساندة الدولية لها كأحد مخرجات هذا الاتفاق، كانت دليلاً آخر على عدم واقعية الاتفاق، فقد وقعت مع مرور الوقت وسط الأزمات لتصبح طرفاً في الصراع بدل أن تكون عامل وفاق.