رأى أستاذ العلوم السياسية جامعة بنغازي البروفيسور ميلاد الحراثي، أنه لا حل للأزمة الليبية الا عبر الحلول الليبية التي يقررها الشعب الليبي في التوقيت المناسب. ودعا الحراثي، الرموز السياسية الليبية في الداخل والخارج لتسليم الراية إلى الشعب الليبي ليقرر مستقبله وذهابه إلى انتخابات حرة نزيهة، بإشراف أممي مباشر، لاختيار مجلسه التشريعي ورئيسه، وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة، استعدادا لصياغة دستور الحالة الدائمة للشعب الليبي... وللمزيد من التفاصيل حول مستجدات الشأن الليبي، وتطوراته، ودور دول الجوار، ومقترحات حل الأزمة الليبية، كان لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"، هذا الحوار مع الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي، وإلى نص الحوار.

كيف تقيمون تطورات الأوضاع الليبية؟

في ظل التطورات المتلاحقة للحالة الليبية، والرسائل الدبلوماسية والتي تصدر من أطراف  الصراع في ليبيا، يصعب على المرء تكوين رؤية واضحة لما سوف تكون عليه الأوضاع،  ولكن من خلال قراءتنا للمشهد العام الليبي هناك وفي الأفق مشاريع دولية للسيناريو الليبي، وهو العمل على إعادة تركيب الدولة والمجتمع في ليبيا على أسس وبأطرٍ سياسيّة ودستوريّة جديدة تحمل الشكل ‏الفيدرالي الديمقراطي، ‏أو انفصال الأقاليم الثلاث عن بعضها، لكنّ هذا  الوضع، اذا تم التوافق عليه، يتضمن بذور التفكّك إلى كانتوناتٍ متصارعة في الداخل، ومستندة إلى قوى في الخارج.‏ 

أيضا هذا الوضع اذا أصبح حلا وسطاً سوف تصبح الهوية في هذه الدولة مادّةً للنقاش وللرفض وللإسقاط  لفترات طويلة. ‏لأنه في مثل هذا السيناريو فالأقاليم سوف تؤسس ّعلى أسسٍ قبلية أو مذهبية وإثنية (امازيغ، طوارق وتبو، وعرب) وأسس الثروة في ظلّ التركيز الإعلامي العالمي ‏على التيّارات السياسية الدينية في هذه الدول.  وهذا يمثل نوع اخر من الصراع المُدول من الخارج، والمبني على الصراع على الثروة وليس صراع سياسي. الآن الدولة الليبية تتعرض إلى سعيً محمومً لتدويل أزماتها الداخلية وباستمرار، بعدما الخارج فتتها سياسيا وعرقيا.

القوات المسلحة العربية الليبية وصلت إلى أطراف طرابلس، لرغبتها في تفكيك الأسلحة من العناصر المدنية، وإعادة المعسكرات الي القوات المسلحة، باعتبارها أول مؤسسة عسكرية وطنية قامت بعد سنة 2011، ولكن التدويل الخارجي والأطراف الإقليمية، لا تريد للأوضاع في ليبيا أن تستقر، خصوصا الأطراف العربية، والتي تتناحر على دور الزعامة على الدول العاجزة أو الدول الرخوة، أو الدول الفاشلة، تونس من مصلحتها أن تستمر آلة الصراع لأن معظم دواليب الدولة الليبية تعمل من هناك، وكذلك حركة الأموال الليبية عبر المصارف التونسية، والجزائر أيضا ترى من مصلحتها استمرار الأزمة ووقف الصادرات النفطية الليبية  والتي تسيطر عليها الجزائر اليوم من خلال اغراقها للسوق النفطي الاوروبي، وقطر أيضا تبحث عن موقع قدم في منابع الغاز الليبي.

والمفارقة الإقليمية والدولية غير مفهومة وليس لها تفسير، أن الأطراف الإقليمية والدولية تكرر في خطاباتها اعترافها بمجلس النواب، ولكنها لا تعترف بتشريعات ومخرجات هذا المجلس، ومنها تشريعهُ للمؤسسة العسكرية وبناء القوات المسلحة، وفي نفس الوقت اعتراف الأطراف الإقليمية والدولية بالمجلس الرئاسي؟ وهذا التناقض من أهم معضلات المسألة الليبية وتعقيداتها. فهذه الأطراف تكيل بمكيالين للأوضاع الليبية، تناغماً مع توجهات الدول الكبرى، والمتُحكمة في مجلس الأمن بحجة المحافظة على مصالحها ومصلحة الشعب الليبي، والضحية هو الشعب الليبي.

لا حلول للأزمة الليبية الا الحلول الليبية، والتي يقررها الشعب الليبي في التوقيت المناسب. لأن الحالة الليبية لها خصوصيتها الاجتماعية والقبلية، والدينية، وهي ليست مثل بقية الدول العربية. وأن الاستقلال الذي ناله الليبيون سنة 1951 ليس هو الذي وحدهم، بل وحدهم النفط واللغة والدين، والمصاهرة.  

المجتمع الدولي.. برأيك هل هناك جدية لحل الأزمة الليبية؟

أولا، بتقديرنا للأحداث أن كل الأطراف الليبية دفعت اثمانا باهظه، من أموال وشهداء وتخريب للبنية التحتية، ودمار لمؤسسات الدولة، وتعطل إعادة الاعمار، وتهريب البشر، وتهريب الأموال والنفط إلى دول الجوار، والقرصنة على الأموال الليبية في الخارج، واستمرار ليبيا تحت مظلة الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، وكذلك السجون السرية، والاعتقالات بدون محاكمات، وهجرة الساكنة الليبية إلى الدواخل وإلى الخارج، هذا كله بسبب  الدول التي تدخلت في الملف الليبي منذ سنة 2011 وهي لا تزال  تلعب بالنار من خلال دورها المجهول في تطورات المسألة الليبية، وقد ينتهي دورها واختفائها من ملعب السياسة الإقليمية والدولية، والانكفاء خلف ‏شعوبها وأزماتها. ‏

ثانيا، الأطراف الأوروبية تريد من ليبيا أن تكون حديقة خلفية لمصالحهم، وحرس لدولهم في جنوب المتوسط والساحل والصحراء وهذا قد ينتهي بهم ‏الأمر تعويضها إلى سنوات قادمة.‏ أن الذين يعتقدون بأنهم بعيدين أو قريبين من الجيوبوليتيك الليبي قد تشتعل نيران مواقفهم في أبوابهم الخلفية بسبب المسألة الليبية.‏ التاريخ والأرض لليبيا يشهدا أن الحرب العالمية الثانية قد انتهت في ليبيا، وأن عمق الفتح العربي الإسلامي بدأ من ليبيا.‏ ملف ليبيا دخل إلى العشرية، والعقد العشري، وإذا تلك الدول لم تعيد مواقفها بحكمة فلا النفط ولا الغاز والبعد أو القرب الجغرافي ‏سينفعهم، ولا الاساطيل، ولا الطائرات المسيرة،  والتاريخ يشهد لليبيا أنه منذ الاستعمار الاغريقي والروماني، والاسباني، والإيطالي والتركي، انها مقبرة المقابر.

‏‏‏‏ثالثا، المسألة الليبية بثوراتها وأنظمتها القديمة والمعاصرة دائما بمثابة البوصلة والمنوال لدول الجوار ودول المنافع والنفوذ في استقرارها ‏وأمنها. ومن هنا فأن مهمة التدخلات الدولية ودورها السلبي لا تجد لها صدى في الأفق المنظور من طرف الأطراف الليبية، ولأنه إذا استمر التدخل من الأطراف الدولية، "دول المنافع والنفوذ" في المسألة الليبية، فالوضع الليبي قد يخرج عن سيطرة الإقليم، وكل من تورط في المسألة الليبية دول عدة ‏سوف ينتظرها العد التنازلي بسبب مواقفها.

رابعا، دول النفوذ والمنافع (خريطة مناطق النفوذ والانتفاع) سوف تدفع كل ما تم سرقته، والاعتداء عليه بالباطل وباسم الديمقراطية، خلال هذه العشرية، ‏لأن بعض الهواة الإقليميين والدوليين ومن الساسة لا يرو ليبيا ألا من خلال تعطشهم إلى الذهب الأسود والغاز والمياه الدافئة والصحراء وكنوزها.

كيف تابعتم الأدوار المختلفة لدول الجوار تجاه التعامل مع الأزمة الليبية؟

باستثناء مصر، والتي يهمها الشأن الليبي أكثر من غيرها نظرا للروابط التاريخية والمصاهرة، والامتداد القبلي والبشري، والسكاني منذ أمد بعيد، فهي من تدفع الثمن الباهظ، والدور الدبلوماسي المستمر من عدة سنوات، ولمصر وليبيا ظلال متبادلة ومشتركة عبر التاريخ. اما بقية دول الجوار العربي الأخرى والافريقية فلا تستطيع أن تعلن بمواقفها الرسمية إلى أن تعلن القوى الكبرى مواقفها، وتعمل فقط وفقا لما يملي عليها من حلفائها الكبار، والتعاطي إيجابا أو سلبا. وفي عموم مواقف هذه الدول ليس لديها ما تقدمه للشعب الليبي، لأن أمر الأزمة الليبية أصبح بزمام الممسك بالتوازن الإقليمي والدولي.


برأيك.. ماهي السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة؟

نحن لسنا من صناع القرار حتى نتوقع ما سوف يحصل من سيناريوهات للحالة الليبية، لأن ما يجري تحت الطاولة ومن خلف الكواليس ليس لدينا به علم، ولكن ننظر إلى الأوضاع الليبية كظاهرة فقدت بوصلتها ومنوالها، وفي كل صباح هناك خلط أوراق جديدة سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية تتلون بها الأوضاع الليبية، ولكن أخيرا، ساهمت مبادرة القاهرة المصرية، برعاية  الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستقباله لاعيان القبائل الليبية في مكتبه، خارطة طريق  جديدة استقبلتها الشرائح الليبية بارتياح، وكذلك مواقف البرلمان المصري المساند لمجلس النواب الليبي، بعدما نالت المبادرة المصرية موافقة معظم دول العالم، وجعلت مجلس الامن الدولي علي المحك الحقيقي في حماية الامن والسلم الدوليين. 

ماهي المقترحات أو التوصيات التي من شأنها تسوية الأزمة؟

ننصح الرموز السياسية الليبية في الداخل والخارج تسليم الراية إلى الشعب الليبي ليقرر مستقبله وذهابه إلى انتخابات حرة نزيهة، بإشراف أممي مباشر، لاختيار مجلسه التشريعي ورئيسه، وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة، استعدادا لصياغة دستور الحالة الدائمة للشعب الليبي.

وعلى المسيطرين على المشهد السياسي الليبي توحيد مواقفهم الخارجية، واستغلال انهيار النظام العالمي، وهيمنة ‏جائحة القرن على سلوك دول العالم.‏ والذهاب إلى التجديد الوطني، والخروج من المحلي إلى الإقليمي، والعالمي من النفق الأسود. ويجب على ليبيا أن تعيد اختراع دورها الوطني والاقليمي والدولي في العالم. ‏فالخوف القادم الذي يحيط بالدولة الليبية اليوم، هو إرسالها من المجتمع الدولي إلى كومة الخردة من الدول الفاشلة، والرخوة، وكل من يمارس الأدوار السياسية والطليعية في ليبيا، عليه الابتعاد عن الغطرسة، وعدم الانضباط ‏الوطني، وعدم التسامح، عدم تجاهل الدور الدبلوماسي مع العالم الاخر، وعدم إيقاف عجلة العمل الدبلوماسي الخارجي مع جميع دول العالم والمنظمات الإقليمية والدولية، لأنه في ظل جائحة كورونا هناك فرص ثمينة لدي ليبيا، وفرصة لاستدعاء المستقبل، صفتها الوطنية الأكثر ‏استثنائية، والانخراط في عمليات الإصلاح الذاتي الوطني، ولكن بلغة الواقع لا بلغة الخيال.‏ ونتصور انها فرصة لتشكيل مستقبلها ومستقبل أجيالها قبل أن يتشكل لها من قبل اللاعبين والقوى ‏الإقليمية والدولية الأخرى.

كلمة أخير،

السياسة الدولية لها انعكاساتها دقيقة بدقيقة على مختلف الدول، ومهما اجتمع مجلس الأمن، واتخاذه القرارات، لا يزال التنافس الدولي والإقليمي بشأن ليبيا، ويستمر تتنافس قوى عربية إقليمية وعالمية على النفوذ والتفوق، ‏مع وجود آثار بعيدة وقريبة المدى البعيد والقريب على السيادة والاستقرار والتماسك الليبي. ‏سوف لن يصدر مجلس الكبار أية قرارات مصيرية بشأن الحالة الليبية، لأن الكبار لا يزالوا في تفاوضهم حول مناطق النفوذ والانتفاع، والتي تشكلها الحالة الليبية، منذ الحرب العالمية الثانية.